Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :نفتقد الحرفة .. نفتقد الفن

02 نوفمبر 2018
02 نوفمبر 2018

يكتبها: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

عندما نزور بلدا ما أول ما يتبادر إلى الذهن هو السؤال عن الأسواق التقليدية الشعبية، فما الذي يشغلنا في هذه الأسواق، ما الذي نريده منها، ما الصورة التي نرسمها لهذه الأسواق، لماذا لا تبهرنا الأسواق الحديثة، على الرغم من أنها مبهرة، واحتفالية؛ لأن هناك شيئا ما نبحث عنه، ولن نجده إلا في هذه الأسواق التي تأسرنا مشغولاتها اليدوية؛ لأن فيها «حرفنة» غير عادية، فيها إتقان يمتزج فيه الفن والإبداع والتخيل، فيها توظيف لمادة مهملة؛ ربما؛ نركلها بأرجلنا ونحن نمر على شيء منها، ولكن في يدي هؤلاء الصناع المهرة تتحول المادة الخام العادية، إلى مادة قمة في الروعة، والجمال، والدقة، ولذلك تبهرنا هذه الصناعات، ونحرص كثيرا على تزيين الفراغات في منازلنا بهذه المشغولات اليدوية، وقد نفاخر بها، ونمعن في شرحها عندما يزورنا زائر، خاصة إذا كان هذا الزائر ليس من بلد المضيف.

هي حالة نفسية أكثر منها ضرورة مادية ملحة، حيث كثير من هذه المشغولات لا يتم استخدامها؛ حتى وإن كانت قابلة للاستعمال اليومي، ولكن حرصنا على تزيين منازلنا بها يبقى أكثر من اقتنائها لأجل استعمالها لما صنعت له، يذهب الحديث هنا أكثر إلى الانسحاب المتدرج لمجموعة الحرفيين في مختلف الصناعات، وهذه ظاهرة ليست محلية هنا فقط في السلطنة، ولكن حتى في كثير من الدول، على الرغم من أن بعض الدول تسن قوانين وأنظمة تسعى من خلالها إلى تشجيع أصحاب هذه الحرف للاستمرار في ممارسة حرفهم من خلال دعمهم وتشجيعهم، كما تسعى إلى عدم السماح للمنتج الآتي من الخارج لأن يكون منافسا شرسا للصناعات التقليدية في البلد الأم، ومع ذلك فالحالة في تراجع، وهناك من يعلل أن سبب ذلك هو العائد المادي القليل الذي لا يوازي مستوى الجهد المبذول في هذه الصناعات من قبل الحرفيين، وهناك من يرى أن سبب ذلك هو المنتج الآتي من خارج حدود الدولة، وهو منتج منافس وقوي بكثرته أكثر من جودته، ومن جانب السعر الذي هو في متناول الجميع، مع اليقين أن المستهلك أول ما يسأل عنه هو السعر، وليس الجودة؛ إلا القليل من المستهلكين الذين يهتمون بالجودة أكثر من اهتمامهم بالسعر.

إلا أن المسألة الأكثر أهمية في هذا الجانب هو انتقال التصنيع من الحالة اليدوية التقليدية – التي تؤسس للـ«حرفنة» غالبا – إلى استخدام أجهزة الحاسب الآلي في كثير من هذه الصناعات، ومعروف القدرة الإنتاجية للحاسب الآلي في الفترة الزمنية القصيرة، كما هو معروف أيضا تعدد البرامج التي تتيح لك الخيارات العديدة للأشكال الفنية، وللتداخلات اللونية، وقدرته كذلك في تدرج الأبعاد الجانبة، وهو ما يسمى بـأبعاد الـ(3D)، ولذلك تكتسح اليوم معظم المشغولات التي كانت تقليدية؛ الأسواق بكميات غير عادية، وبأسعار تكاد تكون رمزية؛ مما يضاعف من ثقل المحنة على كل الحرفيين الذين لا يزالون يستخدمون أدواتهم التقليدية في مختلف هذه المصنوعات.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، لو نزلنا أحد الأسواق اليوم لشراء كمة الرأس الخاصة بالرجال، فسنجد من الأنواع والأشكال كميات لا أول لها ولا آخر، وبأسعار تصل إلى (5) خمسة ريالات عمانية، وأقل، بينما كانت تشتغل فيها المرأة في فترة لا تقل عن شهر، وسعرها يتراوح ما بين (50 إلى 120) ريالا عمانيا، فهنا لا يوجد وجه للمقارنة إطلاقا، وبالتالي لن تستطيع الحرفية أن تنافس هذا الكم الهائل من إنتاج هذه السلعة مضرب المثل، وهذا الـ«زكام» في الإنتاج آت من خارج السلطنة، وهذا ما يؤسف له حقا، حيث فتح السوق إلى مصراعيه، وهذه منافسة أراها ظالمة لحق الحرفي أو الحرفية في السلطنة، وقس على ذلك أمثلة كثيرة.

فهل سيأتي يوم لن نجد فيه حرفيا تقليديا واحدا لمختلف هذه الحرف والصناعات؟!