المنوعات

فنانون يخرجون من أنقاض الموصل لاستعادة الحياة الثقافية للمدينة العراقية

01 نوفمبر 2018
01 نوفمبر 2018

أول شيء فعله عازف العود العراقي المعروف فاضل البدري بعد طرد تنظيم داعش من مدينته الموصل، هو البحث عن آلاته الموسيقية.

وكان البدري مطلوبا من جانب التنظيم المتشدد الذي كان يُحّرِم الفن أثناء فترة سيطرته على المدينة، التي استمرت ثلاث سنوات بين 2014 و2017، وكان يعاقب ويقتل الموسيقيين والشعراء.

واختبأ البدري بعد أن أخفى آلاته الموسيقية.

وبعد هزيمة التنظيم، على يد القوات العراقية والكردية وتحالف بقيادة الولايات المتحدة، استخرج البدري آلاته وعانقها وقبلها كما لو كانت أولاده وعزف وسط الأنقاض أغنية خاصة للموصل.

ويوم حضر البدري وموسيقيون ونشطاء آخرون أول حفل تحييه أوركسترا في المدينة الواقعة في شمال العراق منذ هزيمة المتشددين بها قبل أكثر من عام.

ولاقى ألوف حتفهم في تلك المعركة بينما فر عشرات الألوف من المدينة، وبينهم البدري نفسه الذي فر لفترة.

وعزف الموسيقيون في حديقة كان المسلحون يدربون فيها أطفالا ليصبحوا جنودا.

وتردد صوت الموسيقى، التي كانت مزيجا من موسيقى كلاسيكية غربية وأخرى عراقية، على ضفاف نهر دجلة.

وقاد الحفل الفنان كريم وصفي القائد السابق لفرقة أوركسترا بغداد حيث عزفت فرقة فارابي أوركسترا الزائرة إلى جانب موسيقيين محليين. ويرأس وصفي مؤسسة السلام من خلال الفن.

وقال كريم وصفي: «من خلال الموسيقى والقوى الناعمة نتمكن أن تجاوز مؤثرات هذه الملمات وهذه العقبات التي أثرت بشكل مباشر على الحياة المدنية وعلى الحياة الفكرية وعلى الحياة الثقافية وحتى الحياة الاقتصادية العادية».

ويحتفى بالموصل منذ فترة طويلة كمركز للثقافة العراقية، لكن تلك الحياة تغيرت حتى قبل إعلان الدولة الإسلامية الخلافة فيها عام 2014.

فقد فرض تنظيم القاعدة حظرا على الموسيقى في المدينة في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003، ولا يكاد أحد يتذكر متى سمع آخر مرة موسيقى حية تُعزف في الموصل.

وأوضح علي البارودي، الأستاذ في كلية الآداب، جامعة الموصل أن داعش واصل حملة القمع الثقافي في الموصل ففجر التماثيل ودمر الآثار.

وقال: «لم يبق من الثقافة في الموصل إلا اسمها أو على الأقل بشكل علني، لأننا كنّا نمارس الثقافة بشكل سري (سؤال: كيف؟) سماع الموسيقى، هناك فرق موسيقية كانت تتمرن على الموسيقى تحت داعش بشكل سري، تبادل الكتب والأفلام والموسيقى، هذه الأمور لم ننقطع عنها وإن كانت هناك مخاطرة ليست بالهينة ولكن نحن نتنفس الثقافة والموسيقى وشتى صنوف الأدب».

وأضاف البارودي: «الموصل فقدت هويتها، فقدت معالمها، فقدت الآلاف من أبنائها، والبعض منهم لا يزال تحت الركام.

هذه الحملات تعطينا بصيص أمل، حتى لا أُبالغ، هذه الحملات لن تقوم بحل جميع المشاكل في ليلة وضحاها ولكن على الأقل نشعر أننا لسنا وحدنا في الطريق وأن هناك ضوءا في آخر النفق».

وينتمي البارودي لمجموعة من الفنانين والناشطين الذين تحدوا المخاوف بشأن التعرض لهجمات جديدة ونظموا أسواقا أسبوعية للكتب ومعارض تصوير فوتوغرافي ورسموا جداريات في حركة نهضة للثقافة بالمدينة.

وفي العام الماضي، ساهم في إطلاق حملة كتاب دولية لتعويض مليون كتاب أحرقها تنظيم داعش في مكتبة جامعة الموصل، وهي واحدة من أهم المكتبات بالمنطقة.

وافتتح مركز ثقافي جديد هو مقهى قنطرة الثقافي في شرق الموصل في مارس الذي يرحب بالرجال والنساء وبه مكتبة عامرة بالكتب وينظم ورش قراءة وعروضا موسيقية.

وتعرض على جدرانه لوحات وصور فوتوغرافية لتاريخ الموصل الثري ودمارها حديثا. ويصور أحد الجدران جرائم داعش، ويعرض بذلة صفراء من التي يرتديها المعتقلون، فضلاً عن أصفاد وصحيفة وبطاقة هوية.

ولم تشهد كل المؤسسات الثقافية في الموصل نهضة جديدة.

فقد كانت المكتبة المركزية في جامعة الموصل، وهي مركز أبحاث يضم مخطوطات نادرة بينها سجلات حكومية يعود تاريخها إلى العصر العثماني، هي الوحيدة التي لم يلحقها أذى داعش رغم أنها كانت تستخدم كقاعدة.

وأخفى أمناء المكتبة النصوص الأكثر قيمة، وأُلقي بعدد عشرين ألف كتاب في الطابق السفلي.

وبعد تحرير شرق الموصل، تمكن موظفو المكتبة من إنقاذ ما استطاعوا من هذه الكتب وتكديسها على رفوف مؤقتة.

لكن نظرا لعدم وجود نوافذ ووجود ثقوب في السقف، لا تزال المكتبة مغلقة وأصبحت قاعاتها، التي كانت تعج بالباحثين من الطلاب، مغطاة بالغبار الآن.

وقال مدير مكتبة الموصل المركزية جمال أحمد: إن أرصدة مالية خُصصت لإصلاح المكتبة لكن جهود الإصلاح الحكومية توقفت.

وأضاف: «قامت جهات من محافظة نينوى بترميمها والترميم ما كمل، يعني بقت كثير من الشغلات ما تم إكمالها، بقى العمل غير مكتمل. حاليا المكتبة بحاجة إلى ترميم من أي جهة كانت، سواء كانت منظمة أو أي جهة حكومية وبحاجة إلى تغيير الخزانات أو الدواليب التي تضم الكتب، الرفوف نسميها».