أفكار وآراء

سلطنة عمان والطريق إلى السلام العادل

31 أكتوبر 2018
31 أكتوبر 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل سلطنة عمان دولة لها دالة خاصة على السلام تسعى في طريقه وتبذل الجهود الكبيرة من أجل تحقيقه في الحال والاستقبال؟

في نوفمبر من عام 1995 تحدث صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله- إلى مجلة « ميد ايست » ضمن حوار شامل قال فيه :«إن العالم يتضاءل وينكمش وأنا واثق تماما من أن جميع البلدان يجب أن تسير وفق هذه القاعدة وتحاول أن تفهم بعضها البعض وتتعاون فيما بينها وتعمل جنبا إلى جنب لخير البشرية جمعاء، وقد لوحظت في السنوات الأخيرة بوادر واعدة تدل على أن النزاعات بين الدول صارت تعتبر من الحماقات المطبقة وأن الخلافات بين البلدان يجب أن تحل بالمفاوضات وليس عن طريق العنف».

والشاهد أن السطور السابقة لم تكن مجرد رؤية فكرية من قبل جلالته، لكنها رؤية وقناعة عميقة، خاصة وأن مواقف جلالته ظلت شاهدا على صدق القول والفعل وتطابقهما معا دائما.

تشهد أحداث التاريخ أن جلالة السلطان قابوس المعظم ومن خلفه السلطنة كان لها رأي مغاير لبقية الدول العربية وذلك عندما قام الرئيس المصري أنور السادات في عام 1977 بزيارة إسرائيل والتوصل خلال عامين إلى اتفاقية كامب ديفيد، وقد كانت السلطنة البلد العربي الوحيد الذي رفض قطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وظل صاحب الجلالة يؤكد باستمرار موقفه المؤيد للسلام برغم كل الظروف التي صاحبت ذلك.

أثبتت الأيام، بعد ذلك، حكمة صاحب الجلالة، إذ سارت الدول التي أطلقت على نفسها مسمى دول جبهة الرفض في نفس طريق السعي إلى السلام مشاركة في مؤتمر مدريد، أوائل التسعينات، فيما توصل الفلسطينيون لاحقا مع الإسرائيليين إلى اتفاق أوسلو حتى وإن تعثرت السبل بالطرفين لاحقا وحتى الساعة.

ما الذي يستدعي هذه السطور في الوقت الحاضر من جديد؟ الجواب بوضوح شديد هو الزيارة التي قام بها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو إلى السلطنة الأيام القليلة الماضية، وما يمكن أن تثيره من تساؤلات في العقول لا سيما في ظل أرضية غير سوية من العلاقات بين العقلية العربية تاريخيا وبين دولة إسرائيل.

ينبغي بداية الإشارة إلى أن هناك حقائق على الأرض ينبغي النظر إليها والأخذ بها فإسرائيل واقع حي ومعاش في الشرق الأوسط، وإن كان عليها أن تفهم جيدا أن العيش له مقتضياته وأن السلام مع الجيران له متطلباته، وفي الحالين لا يمكن التوصل إلى سلام حقيقي إلا عبر مفاوضات جادة مرتكزة على حقائق ثابتة غير قابلة للتبديل أو التعديل، تتصل بحقوق الشعب الفلسطيني.

لم تخرج الزيارة عن رؤية الإجماع العربي الذي تبلور منذ عام 2002 أي المبادرة العربية للسلام التي كانت السلطنة إحدى الدول الموافقة عليها كبقية الدول العربية، تلك المبادرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وقد كان هدفها هو إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدود الخامس من يونيو من عام 1967، وعودة اللاجئين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف الدول العربية بدولة إسرائيل وتطبيع العلاقات معها، وساعتها يمكن اعتبار النزاع العربي الإسرائيلي منتهيا، وثم الدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة.

غير أن إسرائيل لم تهتم بالمبادرة، ومضت في طريقها، وكأنها غير معنية بالمشهد، ومع نهاية العقد الأول من القرن الحالي وبدايات العقد الثاني جرت في المياه الشرق أوسطية خطوب جسام تمثلت فيما أطلق عليه الربيع العربي الذي اختصم من الحضور والنفوذ والثقل العربي كثيرا جدا، بعد أن تفككت وتفخخت دول كبيرة في المنطقة، وها هي الخريطة يعاد رسمها من جديد.

ولعل الأزمات التي حدثت قد جعلت الاهتمام بالقضية الفلسطينية يتراجع، سيما وأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تفاءل الكثيرون حول العالم العربي والإسلامي بوصول الرئيس الأمريكي باراك اوباما إلى رئاستها مع وعوده بحل عادل للقضية الفلسطينية وإنهاء النزاع الإسرائيلي، فضلت البقاء بعيدا وعدم الخوض في تلك الإشكالية، وربما لم تكن أوضاع المنطقة المشتعلة تسمح بذلك.

على أن الإشكالية الحقيقية التي باتت تتخلق وبسرعة كبرى تلك التي تتصل بما أطلق عليه « صفقة القرن»، أي الترتيبات الأمريكية من أجل إنهاء النزاع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهي صفقة بقدر ما كثر الحديث عنها، بقدر الغموض الذي يحيط بها، بمعنى أنه لا يوجد بشأنها شيء رسمي حتى الساعة، وكل ما يروج فهو من قبل التخمينات.

غير أن ما يخيف الجانب العربي والإسلامي أن تأتي صفقة القرن وفيها ما يشبه فرض الأمر الواقع، وهذا من شأنه أن يخسر الفلسطينيين المزيد من الأرض والحضور والقدرة على تحقيق مكتسبات واقعية على الأرض، سيما وأن غالبية التصريحات تخرج علينا بأن المعروض على الفلسطينيين هو شبه دولة، وأن العاصمة لن تكون مرة وإلى الأبد القدس، بل مجموعة من القرى المجاورة لها والتي ستشكل نواة لتلك الدولة الهلامية.

لم تكن سلطنة عمان المؤمنة بالسلام بين الأمم والشعوب حول الأرض قاطبة وبالدرجة الأولى في الإقليم الملتهب، والقضية الفلسطينية تتماس مع قلوب العمانيين، لم تكن بعيدة عما يجري، وإن كانت دائما محافظة على قواعد ثابتة في رؤيتها للقضية الفلسطينية، تلك الثوابت كانت حاضرة في زيارة رئيس الوزراء نتانياهو، وتبقى هي الاستراتيجية الحاكمة لأي دور تقوم به السلطنة في إطار طرح الأفكار المساعدة للجانبين للتوصل إلى صيغة سلام تسمح بالنماء وتقضي مرة وإلى الأبد على الفناء.. ماذا عن تلك الثوابت؟

في المقدمة منها وقبل أي شيء وكشأن كل عربي مسلم أو مسيحي، بقاء القدس عاصمة أبدية لفلسطين كمرتكز للرؤية العمانية ما يعني أن أي تحايل أو إنكار لن يفيد في حل الأزمة، وهو أمر يتفق مع إجماع الأمتين العربية والإسلامية، ويعد من المسلمات التي لا تهاون فيها أو اقتراب من جوهريتها.

تؤمن السلطنة ولها ألف حق أن عدم التحرك السريع والإبقاء على الأوضاع كما هي من دون محاولات جادة لتحريك المياه الراكدة في بحيرة السلام الفلسطينية الإسرائيلية، أمر من شأنه ضياع ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، سيما وأن التسويف لا يخدم قضية طال بها الزمن أكثر من سبعة عقود، وهناك أجيال نشأت دون أن تدرك حقيقة القضية، ويخشى أن تصبح لاحقا من المرويات التاريخية، وعليه فإن خير البر عاجله كما يقال.

منذ زمن طويل والسلطنة ترى أن من حق الشعب الفلسطيني حول العالم أن يكون له دولته ووطنه الخاص به، والأمر هنا ليس منة أو تفضلا من أحد، بل حق شرعي أصيل لأصحاب البلد الأصليين من الفلسطينيين، وأن كل يوم وشهر وعام يعيشونه خارج وطنهم، يعمق من الجرح النفسي، ويقلل من الرغبة في المضي قدما في مسيرة السلام، وأنه من الأفضل للإسرائيليين أيضا وليس للفلسطينيين فقط أن تكون هناك دولة فلسطينية تعيش بأمن وأمان بجانب الدولة الإسرائيلية.

وبالنظر إلى تطورات وإن شئت الدقة قل تدهورات الأوضاع في الشرق الأوسط، وما جرته الثورات التي هي في الأصل فورات غير عقلانية من ويلات على المنطقة وشعوبها، فإن عمان ترى أنه ليس على الشعب الفلسطيني الذي كابد الأوجاع الكثيرة طوال سبعة عقود أن يتحمل أو يدفع ثمن صراعات المصالح في الشرق الأوسط من حقوقهم المشروعة.

ومن المرتكزات التي نشير إليها أن عمان تدعم الجهود العربية والدولية التي تسعى للتوصل إلى سلام حقيقي، سلام عادل، سلام الشجعان كما كان يطلق عليه أبو عمار، طالما أنها لا تمس حقوق الفلسطينيين.

وأكثر من ذلك فإن السلطنة ترى أنه ينبغي أن يتجنب المجتمع الدولي إدخال القضية الفلسطينية العادلة في نطاق المصالح الضيقة وصراع المحاور في المنطقة، وهي لغة واضحة أقصى درجات الوضوح، ولا تهوين فيها ولا تهويل، وتخدم القضية في جوهرها الحقيقي.

يمكن للمرء أن يخلص إلى أن تلك الثوابت كانت حاضرة في زيارة نتانياهو، كما هي معلنة على الملأ، ذلك أن من أفضل ما يذكر للسلطنة أن خطابها واحد، في الداخل والخارج، لا تعرف الازدواجية، منذ ما قبل زمن كامب ديفيد وحتى الساعة، وهذا ما يعطي كل تحركاتها مصداقية حقيقية.

تاريخ السلطنة في تيسير الصعاب معروف للقاصي والداني، ودورها في منطقة الخليج يشهد به العالم برمته، ودور جلالة السلطان قابوس أقر به الروس والأمريكيون دفعة واحدة، فقد قال الرئيس كارتر غداة تسليمه جائزة السلام الدولية الممنوحة لجلالة السلطان المعظم من مجموعة من مؤسسات البحث الأمريكية : أنني أشعر بامتنان خاص لشجاعة جلالته أثناء عملية السلام في الشرق الأوسط «كامب ديفيد».

أما الروس فلم يجدوا صانع سلام حقيقي مثل جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - ولهذا كانت جائزة « وسام نجمة فاعل الخير» الروسية تسعى إلى جلالته عام 2007.

زيارة نتانياهو سبقتها زيارة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس أبو مازن، ما يعني أن الزيارات بها من التوازن الخلاق ما يسمح بالأمل بأن يكون الغد حاملا بشارات طيبة لمنطقة أصبح الموت فيها عادة.

ما فعلته السلطنة هو تفعيل الحوار الإسرائيلي الفلسطيني مرة جديدة، والحوار والجوار بلا شك هما أفضل أدوات للقفز على العقبات، خاصة وأن هناك أملا يتجدد.