sharifa
sharifa
أعمدة

وتر : صنّاع السخافة

31 أكتوبر 2018
31 أكتوبر 2018

شريفة بنت علي التوبية -

لا شيء يأتي من تلقاء نفسه، لا شيء توجده الصدفة، كل شيء ينمو ويكبر لأنه وجد من يرعاه ويهتم به، حتى السخافة التي ننتقدها ونهاجمها، لم تكبر لولا أنها وجدت من يرعاها ويباركها ويصنعها، إنه الجمهور الذي يصفق للعرض، ولا ألوم القائم بالدور لأنه كما قيل (الجمهور عايز كده) أنه الذوق العام لجمهور قنوات التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تعرّينا أمام أنفسنا حتى ونحن نتحدث منتقدين أولئك الذين لا يعجبوننا ولا تناسب أخلاقهم أخلاقنا، ومع ذلك نحرص على مشاهدتهم ومتابعة جديدهم من السخافة كل يوم.

وفي زمن (السوشيل ميديا) قل لي من تتابع أقل لك من أنت، فأن تكون متابعا لشخص وتسجل إعجابك على ما ينشر بوضع إصبعك الصغير على القلب أسفل الفيديو أو الصورة أو الكلمة، فذلك دليل على أنك متفق مع توجهاته، وأن ما ينشره يلامس شيئا في نفسك، يعبّر عن شيء ما في داخلك، ففي داخلك شخص يشبه من تتابعه، وإن كانت الصورة الخارجية لك تشبه ما يريده المجتمع وفق أنماطه وتقاليده، لكنك تصفّق للسخافة التي تنتقدها، لأنك في الحقيقة تعتقد أن تلك السخافة شجاعة وإن لم تعترف بذلك، وتحدي قيم المجتمع وأخلاقه بطولة تتمناها وتعجز عن القيام بمثلها، وإلا فما الذي يجبرك لأن تتابع (س) من الناس وأنت تعلم أنه لا يقدم شيئا سوى السخافة، هل من أجل أن تضحك على ما يقدم من سخافات مثلًا أم لأنك بحاجة لملء فراغ في نفسك؟!

من المفارقات الغريبة أنه حينما تنظر لحساب عالم أو أديب أو مفكر وتقارنه بحساب آخر لشخص كل ما ينشره بلا قيمة تذكر، تلاحظ أن عدد المتابعين لمثل تلك السخافات وصل للملايين وعدد من يتابع الحسابات الجادة لا يتعدى أصابع اليد، لحظتها ستعرف كيف تتكاثر السخافات وتنتشر، ولماذا يتزاحم الجميع من أجل الدخول عبر تلك الأبواب المشرعة للشهرة أو الخروج والقفز من تلك النوافذ الزرقاء التي تجعل منهم ظاهرين ومرئيين أمام أعين يشغلها الفراغ، فلا يهم كيف يكون الظهور، بل المهم أن تكون ظاهرًا ومرئيًا، فهناك من يقرأ الصورة ولا يقرأ الفكرة، وهناك من يمجّد الغث ولا يدرك الفائدة، ويبارك صنّاع السخافة حتى صدّقوا بأنهم في المقدمة وأنهم ملهمون ومؤثرون، وهناك من يدافع عن السخافة باسم الحرية ويعتبرها بطولة من نوع جديد في زمن غلبت فيه حرية السخافة على حرية الكلمة والفكرة.