salem
salem
أعمدة

نوافذ : دموع المطر

29 أكتوبر 2018
29 أكتوبر 2018

ســالم بن حـــمد الجهـــــوري -

Salim680@ hotmail.com -

ليس من المنطق أن يدفع بريء حياته ثمنا لخطأ الآخر، وليس من الإنصاف أن نحمل الآخرين وزر سوء تقديرنا للأمور، ومن المحزن أن تتكرر هذه الكارثة السنوية مع كل زخة مطر، يفترض أن نسعد بها وأن تبهج النفوس بعد أشهر من الحرارة المتواصلة التي أجهدت أجسادنا.

أصبحت مواسم الأمطار التي ننتظرها لسنوات أن تهطل غيثا مغيثا لأرضنا الجدباء، تثير حالة من التوجس والخيفة فينا، بسبب تلك الفئة «غير المبالية» التي لا تراعي الكثير من الاعتبارات والتحذيرات والمناشدات، التي تؤكد على الابتعاد عن مجاري الأودية ومساراتها وتجمعات المياه والطرق الجبلية وعدم ركوب البحر، ويمر كل ذلك عليهم مرور الكرام دون أدنى اعتبار ولا اهتمام ولا يقام له وزنا، وكأن من أصدرها يقصد أناسا خلاف الذين نعيش معهم على نفس الكوكب.

بالأمس القريب فقدنا شابا آخر من الهيئة العامة للدفاع المدني بشمال الباطنة، من الذين قدموا حياتهم ثمنا لإنقاذ آخرين تقطعت بهم سبل النجاة بين مسطحات المياه، فعاجله القدر بأن يفقد حياته، التي هي أثمن ما عنده ليكرر مأساة أخرى من مآسي رجال الدفاع المدني قبيل سنوات في احد أودية ولاية السويق وتماثلت في ولايات أخرى، ويثير حزنا عميقا ليس في أسرته فقط، بل في كل عمان .

تكرار مثل هذه الحالات تطرح سؤالا مهما هو.. هل نحتاج إلى تكرار فقدان أبنائنا مع كل بهجة للمطر لإنقاذ آخرين لم يلتزموا بكل ما يصدر من بيانات وتعليمات وتحذيرات !.

أعتقد أن ذلك يحتاج إلى مراجعة مهمة على المستوى الشخصي أولا والجهات المعنية ثانيا، فليس من المعقول أن نقدم قرابين من أبنائنا كل ما جرى وادٍ هنا أو هناك، فيما الآخرون لا يبالون بالمخاطر التي تحدق بهم، نتفهم أن هناك استثناء وأنه من المهم أن تكون هيئة الدفاع المدني على أهبة الاستعداد للتدخل والإنقاذ في مثل هذه الحالات، كالأعاصير التي مرت وفاقت التوقعات، بغزارة فوق ما كان يظن البعض، لكن مالا نفهمه أن يكون هناك من يستطيع أن يقدر ويستوعب تلك المخاطر قبل وقوعها، وقد علم بالتحذيرات الصادرة والتي تستلزم معها التوقف في مكان آمن وفي أقرب وقت، والابتعاد عن مجاري الأودية فورا وعدم المجازفة في عبورها، وعدم نزول البحر، وإلزام البيوت والتوقف عن إجراء المكالمات الهاتفية خلال اشتداد البرق وغيرها من الإجراءات التي يجب اتباعها.

من المحزن فقدان شاب في ريعان شبابه قد يكون العائل الوحيد لأسرته أو أبا لعدد من الأطفال ينتظرون عودته وزوجة تنظر إطلالته عليها، وأب وأم يتحرقون للقائه، ثم يباغتهم نبأ رحيله لتظلم حياتهم وتسود أمامهم وتتحول حياتهم إلى نكد ما بعده نكد، ليترك غصة في صدورهم لا يغفرون لمن تسبب في رحيله، الفراق ألم لا تطيقه النفس، والحسرة قاتلة لمن تسكنه، وذرف الدموع حارقة لمن فقد حبيبا وعزيزا عليه، فلا تكونوا سببا لمن تيتم، ولمن فارق ابنا وزوجا وأخا، فالخطأ ليس كالخطيئة.

بالإمكان أن نتلافى كل ذلك بشيء من الحكمة والحنكة والتروي، والحرص على حياة كل منا على هذه الأرض حتى يمكن أن نتقاسم الفرح معا في الأيام الممطرة، ونستطيع أن نعضد جهود بعضنا البعض بعيدا عن المنغصات.