أفكار وآراء

تحديات عديـدة تفـرض حتـمـيـة التضـامن العـربي

27 أكتوبر 2018
27 أكتوبر 2018

د.أحمد سيد أحمد -

شكلت حرب أكتوبر 1973 التي انتصر فيها الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي واستطاع عبور خط برليف المنيع وعبور الضفة الشرقية لقناة السويس إلى داخل سيناء، إحدى اللحظات التاريخية ليس فقط بالنسبة لمصر ولكن للعرب جميعا، حيث تجلى التضامن العربي بأبهى صوره في تلك الحرب بشكل غير مسبوق، وشكل عاملا حاسما في تحقيق هذا الانتصار التاريخي.

وقد تجسد التضامن العربي مع مصر في حرب 1973 في العديد من الأشكال والمجالات، فسياسيا دعمت كل الدول العربية الموقف المصري في المحافل الإقليمية والدولية مثل الأمم المتحدة دفاعا عن حق مصر الشرعي في تحرير أراضيها المحتلة بالقوة العسكرية ، بعد أن فشلت كل الجهود السلمية في إجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في عام 1967 ومنها سيناء المصرية، وقطعت العديد من الدول العربية علاقاتها مع الدول التي دعمت الاحتلال الإسرائيلي. وعسكريا ساهمت العديد من الدول العربية بقوات عسكرية مشاركة إلى جانب القوات المصرية والسورية خلال لحظات العبور والهجوم، حيث أرسلت بعض الدول طواقم عسكرية من قوات مشاة وطائرات مقاتلة وغيرها، واقتصاديا قامت الدول العربية خاصة الخليجية بوقف إمدادات النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل تضامنا مع الموقف المصري، بل قامت بعض الدول العربية بإرسال شحنات نفطية كانت ذاهبة للخارج وتحويلها إلى مصر دعما للمجهود الحربي، وكان هذا التضامن العربي تجسيدا للإرادة العربية في التلاحم والتكاتف من أجل الدفاع عن القضايا العربية.

وفى الحالة الراهنة يواجه العالم العربي لحظات استثنائية من الانقسام والتشتت والتباين بين كثير من دوله، كما يشهد موجات غير مسبوقة من الصراعات والأزمات والحروب كما في سوريا واليمن وليبيا وغيرها، وتصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات الإرهابية ، مثل تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها، والأخطر الآن أن العالم العربي يواجه تحديات كبيرة تهدد الدولة الوطنية العربية ذاتها في بعض الحالات ، بسبب تصاعد دور ونفوذ الفاعلين من غير الدول ، والمتمثلة في التنظيمات العديدة التي تشكل تحديا للدولة الشرعية ومؤسساتها الوطنية. كما أن النظام العربي يواجه بدوره تحديات غير مسبوقة مع تزايد الانقسامات بين العديد من الدول العربية، وتزايد دور الأطراف الخارجية، الإقليمية والدولية، في الساحة العربية وفي إدارة الأزمات والصراعات التي تشهدها العديد من الدول العربية، على حساب تراجع الدور العربي، وهو ما أدى لزيادة تعقيد هذه الصراعات وإطالة أمدها ومعاناة شعوبها وتعارض أجندات هذه الدول مع المصلحة العربية.

وبالتالي فإن العالم العربي بحالته الراهنة من مشكلات اقتصادية وصراعات وحروب أهلية وتصاعد خطر التنظيمات الإرهابية وتزايد دور القوى الخارجية، أصبح في حاجة ماسة إلى إعادة تفعيل وتدعيم التضامن العربي، كما حدث في حرب أكتوبر 1973، لمواجهة كل هذه التحديات والتهديدات.

وبالتالي أصبح التضامن العربي مسألة حتمية وضرورية لأسباب عديدة منها أن حجم التحديات والأزمات والمشكلات التي تواجه العالم العربي تفرض على الدول العربية التكاتف والتضامن باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة تلك التحديات، لأنه لا يمكن لدولة عربية بمفردها أن تواجه كل تلك التحديات كما أن تأثير هذه المشكلات يصيب العالم العربي كله، لأن استمرار غياب التضامن العربي يزيد ويفاقم من المشكلات والأزمات العربية وينشأ فراغات عديدة تسعى قوى غير عربية لملئها بما يهدد المصلحة العربية العامة.

وهذا التضامن العربي يمكن أن يتكرر من خلال العديد من الأمور:

أولا: تفعيل دور الجامعة العربية لكي تكون قاطرة العمل العربي المشترك، وذلك من خلال إصلاح الجامعة وتعظيم دورها في إدارة وتسوية الأزمات العربية، كذلك تفعيل التعاون والتكامل الاقتصادي العربي ومعالجة العقبات السابقة التي حالت دون تفعيل اتفاقيات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، والاعتماد على مفهوم الميزة النسبية لكل اقتصاد عربي لكى يتحقق التكامل وليس التنافس، وإزالة الحواجز الجمركية بين الأسواق العربية، ولا شك أن الجامعة العربية هي مرآة للوضع العربي العام، وقوة الجامعة هي انعكس لقوة الدول العربية، والعكس صحيح، وهذا يتطلب توافر الإرادة السياسية العربية لتحقيق التعاون والتضامن وفقا لمبدأ المصلحة، ودعم دور الجامعة العربية سياسيا واقتصاديا.

ثانيا: زيادة الدور العربي في تسوية الأزمات العربية المشتعلة في كثير من الدول العربية مثل سوريا واليمن وليبيا وغيرها، من خلال المساعدة في تحقيق الحل السياسي التوافقي الذي يحافظ على وحدة الدولة العربية واستقرارها وسيادتها، ويحقق التعايش السلمي بين كل الفئات والطوائف وفقا لمبدأ المواطنة الذي يساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، كذلك المساعدة العربية في إعادة عمليات الإعمار نتيجة للدمار الكبير الذي أصاب الدول العربية التي شهدت وتشهد حروبا وصراعات داخلية، أدت إلى تدمير البنية الأساسية ووجود ملايين اللاجئين والمهجرين في الداخل والخارج. وهذا الدور العربي في معالجة الأزمات العربية من شأنه أن يدعم النظام الإقليمي العربي ويساهم في تخفيف حدة التدخلات الخارجية التي تهدد الأمن القومي العربي.

ثالثا: تفعيل التضامن العربي في مواجهة الهجمة الكبيرة على القضية الفلسطينية خاصة في ظل تعثر وجمود عملية السلام وقرارات الإدارة الأمريكية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وقرار وقف المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( للأنروا)، وقانون القومية الإسرائيلي الذي يتضمن تمييزا ضد العرب والفلسطينيين. ولا شك أن القضية الفلسطينية تظل قضية العرب الأولى ومفتاح الاستقرار في المنطقة، وتبرز أهمية التضامن العربي في دعم عملية السلام وتحقيق السلام العادل والشامل الذي يقوم على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967 وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وذلك وفقا للقرارات والمرجعيات الدولية ومنها قرار مجلس الأمن 242 ، والقرار 194 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي يشكل التضامن العربي صمام أمان وحائط صد ضد أي محاولات لفرض صيغ للسلام لا تحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهنا يبرز التضامن العربي في المساعدة لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسامات بين حركتي فتح وحماس، كذلك التحرك على المستوى الدولي لحشد الدعم للقضية الفلسطينية سياسيا وماليا لتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني.

رابعا: العمل على إنهاء الانقسامات العربية - العربية التي تعرقل تحقيق التضامن العربي، وتؤثر سلبا على المجالات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى المجالات السياسية والأمنية، والتحرك من أجل ردم التصدعات والانشقاقات في الجسد العربي، وإعلاء المصالح العربية العليا على المصالح القطرية.

خامسا: تدعيم التشابك بين الشعوب العربية باعتبارها الضامن والداعم لتحقيق التضامن العربي وزيادة دور الشعوب العربية في صناعة القرار وإزالة الحواجز أمام انتقال الأفراد وهنا تبرز أهمية دور الإعلام العربي في إشاعة قيم وثقافة التضامن العربي والعمل العربي المشترك والتقريب بين الشعوب العربية وزيادة الوعى لدى المواطن العربي بأهمية التضامن العربي، كما تبرز دور المؤسسات الدينية والتعليمية في تدعيم التلاحم العربي الذي يجمعه الأواصر المشتركة من حيث اللغة والتاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة والتحديات المشتركة أيضا.

إن ما حدث في أكتوبر 1973 من تضامن عربي حقيقي، كان أحد عوامل النصر، ليس مستحيلا أن يتكرر مرة أخرى خاصة في هذه الفترة الحرجة التي يواجهها العالم العربي ، ولكن بشرط توافر الإرادة السياسية الحقيقية والرغبة في الارتقاء إلى مستوى إدراك التحديات الكبيرة ، وأهمية وحتمية التضامن العربي باعتباره المخرج الوحيد من كل الأزمات والمشكلات ولمواجهة التحديات المختلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.