أفكار وآراء

موقف منظمة التجارة العالمية من الحرب التجارية

27 أكتوبر 2018
27 أكتوبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

يؤكد العالم على أهمية التعاون التجاري والاقتصادي بين الدول لتطوير التجارة الحرة فيما بينها، في الوقت الذي تزداد فيه الضبابية نتيجة لتعرض الاقتصادات العالمية للإجراءات الحمائية الجديدة، وخاصة بين أكبر الاقتصادات العالمية تتمثل في زيادة التعرفة الجمركية على البضائع المنتجة. هذه القضايا دفعت بعض الدول للتخطيط لتعزيز مستقبل العلاقات الثنائية فيما بينهما والتوقيع على اتفاقيات تشمل تبادل العملات وإيجاد آليات متطورة لتفادي وقوع المشاكل التجارية والاقتصادية في السنوات القادمة. فعلى سبيل المثال، وقعت اليابان قبل أيام اتفاقيات مع الصين في إطار زيارة رئيس الوزراء الياباني آبي إلى بكين بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار بحيث تهدف تلك الاتفاقيات إلى تحسين مكانة الشركات اليابانية في السوق الصينية، فيما تستفيد الصين من التكنولوجيا والمعرفة التي تملكها الشركات اليابانية وهكذا.

ومن هذا المنطلق جاءت دعوة وزراء التجارة في 13 دولة شملت كلا من أستراليا والبرازيل وكندا وتشيلي وكوريا الجنوبية واليابان وكينيا والمكسيك ونيوزيلندا والنرويج وسنغافورة وسويسرا والاتحاد الأوروبي - مع غياب كل من الولايات الولايات المتحدة الأمريكية والصين - قبل عدة بعقد اجتماع مشترك يستهدف إصلاح آليات منظمة التجارة العالمية لمواجهة الوضع الجديد الناشئ عن صعود الحمائية والقواعد التي تريد أمريكا فرضها ووضعها في مواجهة التجارة العالمية، حيث يرون بأن هذه القواعد لم تعد ملائمة، وأن الاستمرار في هذا الوضع ربما سيؤدي إلى انهيار المنظمة التي لم تعد تستطيع فض النزاعات التجارية التي ترد إليها. فوزراء تلك الدول أكدوا في اجتماعهم الأخير بأنهم يشعرون وبقلق عميق بالتطورات الأخيرة التي استجدت في مجال التجارة الدولية، خصوصا ما يتعلق بصعود الحمائية الذي يؤدي إلى انعكاسات سيئة على منظمة التجارة العالمية، ويعرض النظام التجاري التعددي برمته للخطر، الأمر الذي يتطلب إيجاد وسائل ملموسة لتحسين آليات هذه المنظمة على الأمد القصير والمتوسط والطويل وحل المشاكل القائمة فيما يتعلق بالملكية الفكرية وسرقة التقنيات وغيرها من القضايا الأخرى.

وفي الوقت الذي هناك تخوّف لدى هؤلاء الوزراء من أن يؤدي الحمائية إلى ظهور صعوبات وتحديات ومشاكل تجارية في العالم، إلا أنهم يشاطرون أيضا الولايات المتحدة ورغبتها في إصلاح هذه المنظمة وضرورة التصدي وبشكل مناسب للخلل التجاري الذي تسببه بعض الدول ومنها الصين المتهمة في موضوع الملكية الفكرية بجانب ضخ مبالغ هائلة في اقتصادها. وقد سبق لمنظمة منظمة التجارة العالمية وكل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن حذرت في تقرير مشترك أعد بهذا الخصوص ونُشر في شهر سبتمبر الماضي من أن غياب تعديل قواعد التجارة الدولية يمكن أن يُقوّض نمو الاقتصاد العالمي وتراجع الفقر، حيث دعت هذه المنظمات الثلاث إلى مضاعفة الجهود لتسريع الإصلاحات خصوصا في منظمة التجارة العالمية التي ترعى الشؤون التجارة العالمية، وفي خطوات تهدف إلى إنقاذ المكاسب الاقتصادية للتجارة وضمان توزيع الرخاء بشكل أوسع.

لقد تعرضت منظمة التجارة العالمية خلال الفترة الماضية إلى عدة هجمات وخاصة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي هدد بالانسحاب منها، بعد أن أكد في بياناته وسياساته السابقة أثناء انتخابات الرئاسة على مبدأ «أمريكا أولا» وما تلى ذلك من فرض رسوم جمركية على عدة دول وخاصة الصين، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة العلاقات التجارية ليست بين الدولتين وإنما إلى دول عديدة. فعدة تقارير اقتصادية عالمية تؤكد أن النزاع التجاري المتصاعد بين الصين والولايات المتحدة بدأ يلحق أضرارا اقتصادية بدول الأطراف الثالثة. فعلى سبيل المثال ذكر تحليل أعده «مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال» وهو هيئة استشارية اقتصادية في لندن، إلى أن الإجراءات التجارية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أضرت بالفعل بنحو 1.9 مليار جنيه استرليني (2.48 مليار دولار) من صادرات بريطانيا هذا العام. ويعد هذا التقرير واحدا من أوائل التقارير التي تسلط الضوء على التداعيات العالمية للمواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، مؤكدا أن الأسواق المالية هي الأخرى مُعرَّضة بشكل خاص لتلقي النتائج الوخيمة لتصاعد الحمائية في جميع أنحاء العالم، وأن تأثير هذا النزاع التجاري سيكون محسوسا في جميع أنحاء العالم، باعتبار أن الصين تمثل اليوم مركزا للتصنيع العالمي خاصة في مجالات مثل الإلكترونيات الاستهلاكية، وأن كل بلد يقع في هذه السلسلة سوف يتأثر وليس بريطانيا فقط ، مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وماليزيا، وغيرها وستدخل جميعها في هذا النطاق إن لم يجر العالم كله إلى هذا التأثير. كما يوضح تقرير المركز البريطاني من أن الصادرات البريطانية قد تضررت بشكل خاص من التعريفات المفروضة على الصين، لأن بريطانيا تعتبر جزءا لا يتجزأ من ثاني أكبر سلسلة للإمداد الاقتصادي في العالم.

لقد كان لهذه السياسات الحمائية الامريكية وعلاقتها بالاستيراد العالمي ردود أفعال من الصين أيضا، وذلك بوضع تعريفات جمركية على السلع الأمريكية التي لها تأثير أكبر اليوم من التعريفات الامريكية المفروضة مباشرة على الاتحاد الأوروبي وبريطانيا. فالمؤكد أن الرسوم التجارية الأمريكية لن تؤثر في الصين فقط، ولكن على العديد من البلدان الأوروبية وغيرها أيضا. وتشير بعض التقارير إلى أن كلا من الاقتصادي الأمريكي والاقتصاد الصيني يمثلان معا نحو نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويتكفلان بالرخاء العالمي، وبالتالي، فإن الحرب التجارية بين البلدين ستؤدي حتما إلى نتيجة خاسرة، لا تضر بالدولتين فحسب، بل أيضا بالاقتصاد العالمي بشكل عام، وأن الأثر النهائي لهذه الإجراءات التجارية سيكون محسوسا عالميا، بحيث ستؤدي إلى تراجع الصادرات العالمية، وإلى تراجع أرباح الشركات العالمية، وسوف يكون لهذا النزاع تأثيرات ضارة على أسواق الأسهم والأوراق المالية لهذه الشركات العابرة للقارات، الأمر الذي سوف ينتج عنه مزيداً من البطالة في العالم.

إن منظمة التجارة العالمية تجد نفسها اليوم في مفترق طرق بسبب التحديات غير المسبوقة التي تواجه النظام التجاري متعدد الأطراف. فاتخاذ أية إجراءات لتطوير وإصلاح أنظمة هذه المنظمة تحتاج إلى تواجد الصين والولايات المتحدة، وبقية الدول الصناعية الكبيرة التي يمكن لها إيجاد قواعد جديدة يمكن أن تشكّل إطارا لكل الدول الأعضاء في المنظمة. فوجود قواعد تجارية واضحة هي التي سوف تؤدي إلى خلق منافسة صحية بين الدول. فالدول المشاركة في الاجتماع الأخير بأوتاوا تؤكد على ضرورة الإصرار على أن نظام تسوية الخلافات في المنظمة يعتبر حجر أساس لهذه المنظمة وضرورة تعيين قضاة جدد في «هيئة تسوية الخلافات» وإقناع أمريكا بذلك بعدم رفض هذا الأمر باعتباره يمثل تهديدا لنظام المنظمة برمته، وإذا بقي الوضع على حاله، فيمكن لهيئة التحكيم أن تتوقف عن العمل في نهاية العام المقبل 2019. كما أكدوا الوزراء على ضرورة تنشيط آلية التفاوض في منظمة التجارة العالمية معتبرين أن قواعد المنظمة يجب أن تخضع للتحديث لتأخذ في الاعتبار بشكل أفضل حقائق القرن الحادي والعشرين، بالإضافة إلى ضرورة معالجة حالات الخلل في الأسواق الناجمة عن الدعم المالي وأدوات أخرى، مع العمل على تعزيز متابعة وشفافية السياسات التجارية للدول الأعضاء في هذه المنظمة.

[email protected]