Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: رموز وإشارات تحمل دلالات ومعاني

26 أكتوبر 2018
26 أكتوبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

استحضر في هذه الإطلالة المثل القائل: «واللبيب بالإشارة يفهم» ليكون منطلقا لمواصلة المناقشة، حيث تمثل الإشارة في حياتنا الكثير من الأهمية، والكثير من الدلالات والمعاني، بدءا من ملامح الوجه بأشكالها المختلفة: رفع الحاجب، غمض العين، تحريك الصدغ نحو اليمين او الشمال، إبراز الشفتين مجتمعتين أو خفضهما نحو الداخل، مرورا بمجموعة من إشارات اليد، وانحناءات الجسد، أو إخراج طرف اللسان قليلا من بين الشفتين، وصولا إلى التوظيف المادي المباشر لكل هذه الوسائل الأولية، وتواصل مع الإشارات التي اتفق عليها الناس عموما في الحياة، مثل شواخص المرور، ومجموعة اللافتات برموزها المختلفة، وعباراتها المتنوعة، وقس على ذلك أمثلة كثيرة في الحياة، حتى أصبح مجموعة هذه الإشارات والدلالات الرمزية حاضرة بقوة الإيمان بأهميتها لدى لدى الناس، وارتقت إلى مستوى التفنن فيها، ولعل في رسومات الـ «كاريكاتور» ذات الدلالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ما يعكس هذا الفهم الواعي الذي يعبر عنه رسامو الكاريكاتور في كل بقاع العالم، وهناك من راح ضحية نتيجة رسوماته الـ «كاريكاتورية» القوية والقاسية على الطرف الموجهة إليه، ولعل المناضل الفلسطيني «ناجي العلي» رحمه الله، من يتقدم هؤلاء الذين ضحوا بحياتهم بسبب هذه الرسوم.

في حياتنا اليومية ما يلفت انتباهنا الكثير من الرسومات التي سطرها أصحابها على جدران المباني، وعلى الأماكن العامة، معبرين فيها عن سخطهم، أو رضاهم، أو رسائل مباشرة إلى عشاقهم، أو أعدائهم، حيث يتقدم هذه الرسوم؛ أكثرها؛ رسمة القلب الذي يخترقه سهم، وهناك من يرسم أيدي أو أرجل مقيدة، أو شفاه مغلقة بلفافة حمراء، أو لفافة حول عين واحدة فقط، أو رأس مقسوم نصفين بلونين مختلفين، او جسد كامل بذات الطريقة، وهذه وغيرها يسعى رساموها من خلالها الى إبراز معنى معين، وإرسال رسالة مباشرة لمن يعنيه الأمر، وبذلك استطاع هؤلاء وهؤلاء، أو يستطيعون أن يؤثروا، أو يربكوا، أو يغيروا قناعات ومواقف، حتى وإن أدى ذلك إلى إخضاعهم الى عقوبات، وقد يؤدي بهم فعلهم هذا إلى السجن.

والمسألة لا تقتصر عند هذه الرسوم والدلالات التجريدية، بل تذهب إلى أكثر من ذلك عندما يحاكم أفراد المجتمع أصحاب المهن وفق هذه الدلالات الرمزية؛ فعلى سبيل المثال؛ ينظر إلى المدرس، او قادة الرأي، أو الواعظ، او المنظر في القيم الاجتماعية المختلفة، او حتى الطبيب، على أن هؤلاء هم قدوة في المجتمع، وبالتالي فلن يقبل منهم أن يأتوا بأفعال تناقض مهنهم، او وظائفهم، وإذا حدث ذلك فسوف تقوم عليهم «ثائرة» من الانتقادات، والعتب، وقد يوسمون في أخلاقهم، وينعتون بأقسى الألقاب والسباب، ذلك لأنهم خالفوا ما ينادون بهم، بل قد تكون بعض المهن «لعنة» إن تجوز التسمية، على أصحابها أو على أبنائهم من بعدهم، حيث تنزل بعض هذه المهن منزلة الدنو والعيب في بعض المجتمعات، كدباغة الجلود ؛مثلا؛ أو العمل في مهنة النعل، وغيرها من المهن، خاصة عندما تقترب المسألة إلى الارتباط الأسري.

فهذه الأمثلة وغيرها، مفاهيم اجتماعية، أكثر منها مهنية، تعارف أفراد المجتمع عليها، وعلى أنها تمثل قيمة معنوية لأمر ما من أمور الحياة، وبالتالي تأخذ طريقها نحو التطبيق بالدلالات والمعاني التي يقرها أفراد المجتمع على أنفسهم، وينظرون إليها على أنها منهج حياة، ولا يمكن التفريط فيها، أو غض البصر عنها، خروجا عن دلالاتها المختلفة، سواء كانت هذه الرموز مادية، او أعراف، أو معاني، حيث يتحد الفهم الشعبي؛ أكثر؛ على أنها تقبل بتجريديتها المباشرة، ولا يمكن التنازل عنها بأي حال من الأحوال، وأتوقع أن لا فرق كثيرا بين مجتمعات تقليدية أو مجتمعات متحررة قليلا من القيود الاجتماعية في الإيمان بهذه الدلالات والمعاني، أما الرموز الأخرى التي من شأنها أن تنظم حياة الناس اليومية كشواخص المرور وغيرها، تبقى فارضة نفسها بحكم أهميتها.