1022506
1022506
المنوعات

«بابا الهادي» وثائقي لحفيدة الهادي الجويني عن جدّها عميد الأغنية التونسية

25 أكتوبر 2018
25 أكتوبر 2018

تونس- «أ.ف.ب»: كانت كلير بلحسين في سيارة أجرة في أحد شوارع باريس عندما سألت السائق عن اسم مؤدي الأغنية التونسية التي كان يبثها الراديو، فجاء جوابه صادما: كان صاحب الأغنية جدها الهادي الجويني أحد أعمدة الموسيقى في تونس والعالم العربي.

كانت تلك لحظة فارقة في حياة المخرجة البريطانية كلير بلحسين، استهلت بها فيلمها الوثائقي «الرجل خلف الميكروفون» الذي يتناول جوانب مهمة من حياة الهادي الجويني الذي، على الرغم من كونه من أعلام الموسيقى في بلده، ظلت شهرته التي تجاوزت تونس خفية عنها لثلاثة عقود.

في لقاء مع وكالة فرانس برس لمناسبة انطلاق عرض الفيلم في تونس، قالت كلير البالغة من العمر 42 عاما إن الفيلم «يبحث من خلال المشوار الفني لبابا الهادي عن معنى الانتماء للبلد، عن الهوية الفردية والجماعية».

وأشارت إلى أن الفيلم، وهو باكورة أعمالها الوثائقية، «عبارة عن صورة ممزقة حاولتُ تجميع أجزائها المتناثرة بهدف إعطائها شكلا» لحفيدة ولدت وترعرعت في لندن بعيدا عن جذورها التونسية.

وأوضحت أن العمل «مبني على وثائق وصور وحوارات وشهادات غير مسبوقة» غاصت من خلالها في إرث الهادي الجويني، والأثر الذي تركه على مواطنيه وعلى عائلته التي غادر العديد من أفرادها تونس للإقامة في دول أخرى.

ووجدت كلير بلحسين صعوبة في الحصول على الأرشيف الفني للهادي الجويني في تونس. واستغرق العمل في الوثائقي حوالي 12 عاما تنقلت خلالها بين تونس ولندن وفرنسا لتجميع أكثر ما يمكن من معلومات حول جدها من خلال شهادات مؤرخين وفنانين وأفراد من عائلتها.

وطبع الهادي الجويني الذي توفي عام 1990 عن عمر ناهز 81 عاما، الساحة الموسيقية التونسية على مدى ستين عاما، مع أكثر من 1070 أغنية و56 أوبريتا ونحو 900 لحن موسيقي. وكان يغني ويعزف على العود.

وقد لاقت أغانيه شهرة واسعة في تونس وخارجها، ومن بينها «لاموني اللي غاروا منّي» و«تحت الياسمينة في الليل» و«مكتوب يا مكتوب» و«حُبّي يتبدّل يتجدّد». ولا تزال هذه الأغاني تتردّد إلى اليوم في تونس والبلاد العربية.

يروي الفيلم حياة الفنان المليئة بالتناقضات في مجتمع محافظ ومغلق في زمن ما قبل الاستقلال عام 1956.

وتشكل كلير حلقة الوصل في البناء السردي للفيلم. فهي ابنة فريد، الابن البكر للهادي الجويني، ونينات، المرأة اليهودية التي ارتبط بها الفنان التونسي من دون زواج.

وهذا الأمر كشفه أبوها في الفيلم قائلا «لم يتزوجها، لم يتزوجها البتة»، لكنه أنجب منها ابنتين وأربعة أبناء اختار معظمهم العيش في المهجر.

وتحدث الأبناء في مشاهد أخرى عن حجم المعاناة التي تعرضوا لها على خلفية ديانة الأم.

ويعد الزواج بغير مسلمة بين المسائل الأكثر إثارة للجدل في تونس، وازداد الجدال تحديدا حول مسألة الزواج من اليهود خلال احتدام الصراع العربي الإسرائيلي بعد منتصف القرن العشرين.

ويبلغ عدد اليهود في تونس حاليا نحو 1500 شخص، وكانوا يناهزون نحو مائة ألف قبل استقلال البلاد سنة 1956.

وعلى خلفية هذه العلاقة الغرامية التي عارضتها عائلتا الحبيبين، يسترسل الفيلم في الحديث عن الخلافات حول ميراث الهادي الجويني الذي أدى إلى قطيعة بين أبنائه استمرت أكثر من عشرين عاما.

غير أن الفيلم «نجح في لملمة الجراح»، بحسب كلير التي تضيف «جدي كان متسامحا وأتمنى أن يحمل الفيلم الرسالة نفسها».

منفتح وتقليدي..

على امتداد تسعين دقيقة، ينقل الفيلم أيضا مشاهد من سهرات تلفزيونية وبعض الحفلات الناجحة التي أقامها الهادي الجويني في دول عربية وفرنسا وصورا للقاءات مع شخصيات فنية منذ بدء مسيرته الفنية عندما كان عمره لم يتجاوز العشرين.

كما تجولت كاميرا كلير داخل مقاه ومراكز ثقافية في تونس حيث يستمر حتى اليوم بث أغاني الهادي الجويني الذي دأب التونسيون على مناداته تحببا بـ«بابا الهادي».

لكن مشوار الجويني لم يكن دائما مكللا بالنجاح، فقد فشل مثلا في التلحين لأم كلثوم ولم يُختَر لتلحين النشيد الرسمي لتونس بعد استقلال البلاد. وأطلق عليه لقب «فرانك سيناترا الموسيقى التونسية» لمزجه المُتقن بين الحداثة والهوية. وقالت كلير: «من المفارقات أن نزعة الذكورية كانت غالبة في شخصية بابا الهادي، رغم انفتاحه على الثقافات الغربية»، مشيرة الى أنه «رفض رفضا قاطعا أن تسير بناته على خطاه». كما رفض أن تشارك زوجته في بطولة فيلم «الباب السابع» للفرنسي أندريه زويدا (1946) والذي شارك فيه الهادي الجويني ولحن له الموسيقى التصويرية.

وتابعت أن الفيلم الوثائقي «يبرز دور نينات كامرأة وراء الرجل الذي وراء الميكروفون».

وتستمر عروض الفيلم في تونس حتى مارس المقبل. وسيشارك في «أيام قرطاج السينمائية 2018» في نوفمبر المقبل ومهرجانات دولية أخرى. وهو شارك في مهرجاني دبي ونيويورك السينمائيين.

وانتقدت ابنة الهادي، عفاف الجويني، بشدة «غياب» الدعم التونسي لهذا العمل الوثائقي الذي شاركت في إنتاجه مؤسسة «رومبورغ» في تونس الخاصة الداعمة للثقافة. كما عبرت عفاف عن استيائها «من عدم القدرة على الحصول على نسخة تسجيلية لجنازة» الهادي الجويني.

وقالت كلير بلحسين لفرانس برس: «هناك قلة وعي بقيمة الموروث الموسيقي عموما» في تونس، داعية «السلطات إلى حمايته وتوثيقه للأجيال القادمة».