Randa-New
Randa-New
أعمدة

عطر: نوايا العسل في شهر الأمل

24 أكتوبر 2018
24 أكتوبر 2018

رندة صادق -

العرس هو الفرحة الكبرى، الذي تم التوافق على تسميته، بحكم أن للمجتمعات مصطلحات تصف فيها الفرح والحزن وتحدد مفاهيمها، قد لا تبلغ معنى الحدث وعمقه، ومع هذا تتناقلها الأجيال عرفا لا وصفا.

عمت الزغاريد النهار، وهلت وجوه الأخوة والأحباب، ودار فيهم الدار، رقصا ودبكة وميجانا ولحنا خليجيا، تمايلت على نغماته أجساد موعودة بالفرح الدائم، للموسيقى الغربية نصيبها، فتيات وشباب يقفزون عاليا، عرس الأحبة اليوم. على مدار السنة تقام حفلات الأعراس، ولكن فصل الذروة هو فصل الصيف، الصيف الحُر المنطلق، موسم جيد للحبيبين للإعداد لعرسهما.

للأعراس اليوم طقوس مختلفة دخلت فيها المظاهر، وسيطرت عليها فكرة البذخ، فكلما كان العرس مكلفا كان للعروس قيمة في عيون المجتمع، الحياة الاستهلاكية انسحبت على عالم الأمل ببناء أسرة ناجحة، وهذا موضوع بات إشكالية كبرى تحتاج المعالجة السريعة؛ لأن المجتمع يصنع فجوة كبيرة بين تفاصيل العرس والهدف من العرس. وتقريبا بكل المجتمعات هناك عادة “شهر العسل” فما هي قصته ولماذا سمي بشهر العسل؟

لا توجد قصة ثابتة لهذا التقليد والطقس الذي يلازم مرحلة بداية الزواج، وأن يكن هناك شبه إجماع لرواية مفادها “ان الفكرة مصدرها عدد من الثقافات الأوروبية، يرجح انها انتشرت في القرن الخامس، وهي ترتبط بالتقويم القمري، الذي كان متبعا آن ذلك، فيتم عقد قران العروسين عندما يكتمل القمر، ومن ثم يبقيان في منزلهما حتى يكتمل القمر مرة أخرى، حيث يقدم لهما شراب محلى بالعسل، وذلك لاعتقادهم بأن هذا يضاعف فرص الخصوبة مما يرفع نسبة الحمل الأول.” وهناك رواية أخرى تقول: “إن العروسين يلزمان بيتهما لمدة شهر، يستقبلان فيه المهنئين، وتقدم أم العروس الطعام والعسل للزوجين طيلة تلك الفترة”، ولكن معظم المؤرخين تقريبا يرجحون الرواية الأولى .

وكما كل تقليد تم السطو على فكرته الأولى، وإلباسها ثوب التكلف، لتفقد جماليتها وتتحول إلى عرف استهلاكي مُكلف، فحين يحدد الزواج،أول سؤال يتم سأله: “أين سيقضيان شهر العسل”؟ “شهر العسل” اليوم يعني سياحة خارج البلاد، أي سفر العروسين إلى أماكن تم تسويقها كأحسن اختيار لقضاء شهر العسل، مثل: “ماليزيا والملديف وتركيا وأوروبا وجورجيا..” أماكن كانت أسماء على الخريطة قبل أن تصبح ضرورة لكل عروسين مقبلين على الزواج. أعباء يتبناها العروسان بكل إرادتهما، ظنا منهم أن العرس ناقص ان لمن يبدأ بشهر العسل، مع العلم أنه لم يعد من حيث الأيام شهرا، فمعظم المتزوجون الجدد يقضون بضعة أيام من العسل، غالبا تتسم بجهد كبير وغربة اختيارية، ومواقف مضحكة ومربكة، حيث يجدان أنفسهما أمام ثقافة مختلفة قد لا ينسجمان معها أو قد ينبهران فيها .

العروس اليوم تريد كل شيء: “عرس ضخم ومكلف بمطعم معروف، زينة وأضواء ومفرقعات نارية، ومطرب يغني لها، وفستان من مصمم معروف، وطبعا لا ننسى الألماس” مظاهر غريبة تعيشها اليوم الطبقة المتوسطة، مما يضطرها للاستدانة، خاصة أن بعض البنوك في بعض الدول لديها قروض للأعراس، وأيضا ظهرت إعلانات من نوع “اذا عرسك قريب سفرتك عنا”. وانهالت العروض السياحية التجارية.

وفي حقيقة الأمر أن شهر العسل بات عملية استدراجية استهلاكية بعيدة كل البعد عن الفكرة الأساسية، التي انطلقت منها والتي يمكن تلخيصها: «بأنها فترة تعارف الحواس والفكر والتقارب الجسدي»، وليس السفر والتسوق ونشر الصور على السوشيل الميديا، والتفاخر والتباهي، لتظهر حقيقة مرة تثبت أن التقليد الأعمى ابتلعنا وجعلنا روبوتات تتبع شيفرات السيطرة الاستهلاكية التسويقية .