sharifa
sharifa
أعمدة

وتر: هلا بالوظيفة .. هلا بالخميس

24 أكتوبر 2018
24 أكتوبر 2018

شريفة بنت علي التوبية -

لم تكن الوظيفة همّا من هموم الإنسان لكنها أصبحت كذلك، مهموم وهو يبحث عنها ومهموم وهو قد حصل عليها، فلو تأملنا حياتنا كيف تمضي وكيف ابتدأت وكيف تسير نحو نهايتها لوجدناها مرتبطة بكلمة الوظيفة، لأن الوظيفة أصبحت هي كل ما يربطنا بالحياة، فهي مصدر رزقنا وسبب حصولنا على لقمة العيش، فنعتقد أننا خلقنا من أجل الوظيفة فنهيئ أنفسنا لها، فندرس من أجل الوظيفة ونمضي الجزء الأول من حياتنا ونحن ننتظر تلك الوظيفة، وترتبط كل أحلامنا بها، وحينما نحصل على الوظيفة نمضي الجزء الثاني من أعمارنا ونحن ننتظر التقاعد من تلك الوظيفة، وبين هذا وذاك نعيش حالة من التذمّر والشكوى وعدم الرضا، لأن أكثرنا (لا يعمل ما يحب وبالتالي لا يحب ما يعمل) فيغيب الشعور بالرضا لدى أكثر الموظفين الذين استماتوا في بداية الأمر للحصول على الوظيفة، وحينما حصلوا عليها لم يخلصوا لها ولم يستمتعوا بأدائهم فيها، ليعطوا عطاء الواجب فقط وليس عطاء المحبة، فيقدمون ما لديهم وليس أفضل ما لديهم.

لا شك قارئي العزيز أنك قد صادفت ذلك الموظف المتذمر، المشتكي، الضَجِر، الذي لا يُنافس بقدر ما يجد في المُنافِس عدواً له، ويتحايل على ضياع الوقت والحصول على إجازة، كطالب فاشل أرهقه حفظ الدروس، يبحث عن شمّاعة يعلّق عليها أسباب فشله، فأحياناً يكون المدير وأحياناً الزملاء وأحياناً قلة الإمكانيات المتاحة، حتى لا يتبقى له من الوظيفة سوى الحلم الذي يراوده بالخروج منها بعد أن ترهل تفكيره وهرم وشاخ قبل أوانه، فلا تشعر بطفولته أو مراهقته في مراحل عمره الوظيفي، بل يشيخ ويفتقد لروح المشاكسة والمنافسة، يزعجه النهوض مبكراً، ويزعجه (وقت الدوام)، يراقب الوقت منتظراً وصول عقارب الساعة إلى الثانية، يمجّد من الأيام الخميس فيغني (هلا بالخميس)، موظف لا يعنيه ما يعطي قدر ما يأخذ، فالوظيفة مصدر رزق وليس مصدر متعة ويعجز البعض أن يجمع بين طلب الرزق والمتعة.

إنه الواقع الذي يحياه كثير من الموظفين الذين تحولوا مع الأيام إلى آلة دون أن يسأل أحدهم نفسه إذا كان يحب عمله أم لا، لأنه سؤال صعب بزمن لا يبحث الإنسان فيه عن نفسه بل عن لقمة عيشه، ومع تزايد أعداد الباحثين عن عمل تدرك كم أصبحت الوظيفة همّا إنسانيا جديدا، فليس مهم ما تعمل بل أن تعمل وتكسب قوت يومك، ليغيب الإحساس بالمتعة، ومتى غابت المتعة غابت لذة العيش.