Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: حزام أمان.. منطقة منزوعة العداء

23 أكتوبر 2018
23 أكتوبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ينظر اليوم -أكثر من أي وقت مضى- إلى كتم السر، وإلى مستوى الأمان على أنهما شيء من الـ«خرافة»، حيث لم يعد لهما محطة تجريدية واقعية مطلقة، وإن احتفظا بشيء من نسبية التحقق في أغلب الظروف، وهذه في حد ذاتها محنة، وخاصة للذين يرون أن ليس للحياة بغيرهما سبيل، فلم يعد رسم الحدود، والاتفاقيات الدولية الخاصة بها للمحددات الجغرافية أي قيمة من شأنها أن تحقق شيئا من الأسرار المدفونة في ذات المحدد الجغرافي، ولا شيئا من محددات الأمان المطلقة للذين يضمهم هذا المحتوى الجغرافي، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، فالأمور يبدو أنها تخرج عن السيطرة في حالات كثيرة، حيث تتصدر الاختراقات الالكترونية؛ على سبيل المثال، بفعل ثورة الاتصالات الحديثة، قيادة فض بكارة أي أمان؛ يتوقع الإنسان، أنه يحيط به نفسه، ولذلك تتناول هذه الاختراقات تفاصيل التفاصيل لحيوات الناس في أي بقعة جغرافية كانت؛ لأن الكون مربوط بهالة لا متناهية من الخطوط غير المرئية من شأنها أن تقتحم منزلك، وتتلصص على أدق التفاصيل عندك، دون أن تدري، وإذا دريت بعد سبات عميق، فليس بمقدورك أن تواجه هذا الحكم الهائل من حالات التلصص على محتوياتك الخاصة والعامة على حد سواء.

الطرح هنا يذهب أكثر إلى حالة الإنسان الفرد، وينعاه فيما وصل إليه من ضعف لحماية نفسه على أقل تقدير، مع أن جزءا من الواقع يقيم هذه المسألة على أنها تتيح للفرد نفسه حماية نفسه، من مجموعة المتطفلين عليه، على الرغم من كثرتها؛ عددا وعدة، وذلك من خلال إحاطة نفسه بحزام أمان تلخصه جملة «منطقة منزوعة العداء» يستشعر بها الفرد ويؤمن بتطبيقها على نفسه؛ وإن كان ذلك يكلفه الكثير من الاحتباس النفسي، فتعفيه من مظان الناس الكثيرة، وهذه المنطقة «منزوعة العداء» تحتاج -حتى تتحقق- الكثير من التجارب والخبرات، والكثير من العمل على فهم مجموعة الأخطار التي تحيط به، ليس فقط بالطرق التقليدية المعروفة والمباشرة، ولكن بما يحدث اليوم عبر اتساع السماوات المفتوحة، وذلك من خلال وضع هذا الحزام الآمن الذي نحيط به أنفسنا، يعفينا من مشقة اتهام الآخر من ناحية، ويشعرنا بنوع من الاطمئنان، من أن الآخر لن يصل إلينا أيضا بسهولة، ولذلك يأتي التحذير تلو التحذير، سواء من إدارات البنوك التي نتعامل معها، أو من إدارات المواقع الإلكترونية: الفيسبوك، التويتر، البريد الإلكتروني، الـ(Wi-Fi) المنزلي، بضرورة تجديد الرقم السري، كما يأتي التنبيه أيضا بضرورة تضمين الرقم بأرقام وحروف، كل ذلك حتى لا يستطيع من يحاول اختراق الحسابات أن يصل إليها ويعبث بعد ذلك بما يريد العبث به. هذا الحزام يحتاج إلى كثير من كتم الأسرار، وإلى كثير من عدم التعاطي مع الآخر بما يسيئ إليه فـ«الذي بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجر» وإلى كثير من احترام الذات الشخصية فـ«لسانك حصانك» ولـ«الناس ألسن» وإلى كثير من التجرد والموضوعية فـ«مزاوجة الشخصية» حسب المناسبة والظرف ليس من شيم الكرام، وإلا لهدرت اعتباراتك الشخصية، ونشر غسيلك على الحبل المشاع للرؤية، وبلا تحفظ.

والمقاربة ذاته تتجها نحو ضرورة أن يحيط الفرد نفسه بحزام أمني فلا يترك نفسه مفتوحة للقريب والبعيد، فهناك من يتصيد المواقف والكلمات والانفعالات لينسج منها قصصا وروايات، خاصة أولئك الذين يتحينون الفرص، ويتصيدون في الماء العكر، فالبث المباشر الذي تبديه للآخر من حولك لا يستبعد بعد فترة -طويلة أو قصيرة- وفق المناسبة أن يرتد إليك على شكل سهام مسمومة من حيث لا تدري، وهذه الصورة ليست جديدة على ابن آدم، فذلك حاله منذ الأزل، والصورة تراوح مكانها، فقط تستفيد من أدوات العصر.