1019561
1019561
تقارير

العلاقات العمانية الفلسطينية.. إرث من المواقف الراسخة باتجـاه «القـضية»

22 أكتوبر 2018
22 أكتوبر 2018

يرى الفلسطينيون أن حكمة جلالة السلطان قابوس لها دور مقدر ومعتبر في دعمهم وترسيخ السلام بالمنطقة -

تصريحات جلالته عن فلسطين موحية ومركزة في التعبير عن حلول مستقبلية تستفيد من الضمير الشعبي وقوته -

ابن علوي: العمانيون سند للشعب الفلسطيني.. ومؤازرة ومبادرات رسمية وشعبية مستمرة في إنشاء المشاريع الخدمية وتقديم المساعدات -

تقرير كتبه: عــماد البليك -

عبر تاريخ طويل يستمر لقرابة سبعين سنة فإن المواقف العمانية من القضية الفلسطينية واضحة وجلية من حيث المبادئ والأسس التي قامت عليها في التضامن مع الحق الفلسطيني ومؤازرة الشعب في الوصول إلى حقوقه المشروعة.

وفي عهد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- فقد باتت هذه الصورة أكثر رسوخا من حيث القيم المتأسسة عليها، ولم تمض مناسبة إلا وكان التأكيد على المرتكزات والدعم المستمر لشعب فلسطين في أزمته وجراحه المتقدة عبر الأزمنة. وتعتبر السلطنة أن القضية الفلسطينية أمر مركزي في القضايا على الصعيد الإقليمي والدولي، إذ لا يمكن فصل مجمل القضية عن الحراك العالمي، وقد أشارت كلمة السلطنة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، إلى ما هو مؤكد من مركزية القضية، والدعوة المتجددة والمخلصة إلى دعم سبل السلام.

ونجد أن الرؤية العمانية في هذا الإطار وفقًا لمعالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، في الزيارة الشهيرة التي قام بها إلى فلسطين المحتلة والقدس في فبراير الماضي تضع في الاعتبار والمقام الأول إقامة الدولة الفلسطينية كهدف استراتيجي يضع حدا للعنف في المنطقة، بل أن معاليه مضى في انتقاد دول العالم لـ«عدم إعطاء الدولة الفلسطينية حقها، مشددا على أنه أصبح هناك ضرورة لإقامة الدولة الفلسطينية».

وقد ظلت السلطنة تضع الظروف الموضوعية والتغيرات الزمكانية في الاعتبار لخلق الأجواء المناسبة للوصول إلى الأهداف المرجوة في إطار الحل السلمي والعادل للقضية الفلسطينية، بل أن زيارة القدس شكّلت نقطة محورية أخذت بالإعجاب، في الوقت الذي ظلت فيه السياسة العمانية تتميز بتفردها في اختيار القرارات دون أن تكون تابعة في القيم العامة التي قد يكون للجميع أن يتبعوها، وهذه سمة عمانية في السياسة الخارجية وفي التعامل مع الحق المشروع للفلسطينيين.

بل أن التصريحات العمانية تأتي واضحة وهي إن جاءت بالطابع الدبلوماسي المميز لعمان، إلا أنها لا تغيّب الحقيقة في الصدع بالقول، فقد وصف ابن علوي قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل بأنه «خلق أجواء غير مناسبة للمضي قدمًا» في السلام المنشود. وكان معاليه قد وصف تلك الزيارة التاريخية بأنها «تهدف إلى التعرف إلى الرؤى الفلسطينية وللبحث عن مخارج من العقد القائمة في وجه إقامة الدولة الفلسطينية، التي تعتبر ضرورة ملحة واستراتيجية في ظل الظروف التي تشهدها المنطقة، وهو ما يراه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم».

الرؤية المتسعة

تكشف المراجعة التاريخية لمواقف السلطنة والخطابات التي ألقتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتصريحات المسؤولين العمانيين، عن موقف مُوحّد صاغته الرؤية السامية لجلالة السلطان قابوس المعظم، في استمرار مساعي السلطنة الدائمة لحل هذه القضية وأن تحقيق السلام يعد ركيزة للأمن والأمان للجميع في المنطقة، وهذا الموقف كان واضحًا منذ أن أيدت السلطنة اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع إسرائيل في 17 سبتمبر 1978 بين الرئيسين المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن بعد 12 يومًا من المفاوضات في منتجع كامب ديفيد الأمريكي.

في الوقت الذي قاطعت فيه أغلب الدول العربية مصر وانتظر بعضها طويلًا لقراءة الصورة الأوضح للمشهد، فقد وقفت القيادة العمانية إلى جوار الموقف المصري، في تفكير استباقي للحلول الممكنة، ومع مرور السنوات وبعد اتفاقية أوسلو في 13 سبتمبر 1993، التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في زعيمها ياسر عرفات مع إسرائيل، فقد بدا جليًا أن كثيرًا من المواقف تتطلب الوقت لفهمها بشكل واضح، وكانت أوسلو قد مهدت لترتيبات حكم ذاتي وانتقالي للفلسطينيين.

وفي سبتمبر الماضي أكدت كلمة السلطنة في الأمم المتحدة أن النقاشات الإيجابية تشكل قاعدة وضرورة لحل الدولتين، كما أن السلطنة أعلنت عن استعدادها «لبذل كل جهد ممكن لإعادة بيئة التفاؤل للتوصل إلى اتفاق شامل يضع في الاعتبار مستقبل التعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بين الأجيال الفلسطينية والإسرائيلية».

ورأت السلطنة أن «تحقيق بيئة سلمية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، يعد أساسًا لإقامة السلام في المنطقة»، لهذا فهي تدعو «دول العالم، وعلى وجه الخصوص الولايات المتحدة الأمريكية التي لها دور أساسي في تحقيق السلام والاستقرار في مناطق العالم؛ لأن تنظر إلى مستقبل هذه القضية من منظور دعم توجهات السلام، وتسهيل عمل المنظمات الدولية، وعدم التضحية بالسلام».

سياسة الحكمة

في حوار نشرته صحيفة عمان مع رياض المالكي نشر بتاريخ 20 مايو 2017 أثناء زيارة قام بها لمسقط، فقد أشاد وزير الخارجية الفلسطيني، بموقف السلطنة الثابت، بقيادة جلالة السلطان المعظم، من القضية الفلسطينية وتضامنها ودعمها الدائم والمستمر للشعب الفلسطيني.

ويرى الفلسطينيون أن حكمة جلالة السلطان قابوس لها دور مقدر ومعتبر في دعم قضيتهم، وترسيخ السلام في المنطقة والعالم عامة، ويقول المالكي: «تعلمنا من القيادة العمانية الصبر والهدوء والتروي في اتخاذ القرارات وأصبحنا جزءا من تلك المدرسة السياسية العمانية، في كيفية التصرف بحنكة ومعرفة لتخطي الصعاب وتحملها وفي الخروج من كل القضايا والأزمات»، مضيفا: «نحن ننتمي إلى المدرسة العمانية ونفخر أن نكون جزءا منها».

وفي هذا الإطار فإن القيادة الفلسطينية كانت شديدة الحرص ومنذ وقت مبكر بأخذ الرأي العماني في الاعتبار منذ الزيارات المتواترة لياسر عرفات للسلطنة إلى بداية الألفية الجديدة وقبيل رحيله، وهي مستمرة إلى اليوم، في زيارات الرئيس الفلسطيني محمود عباس رئيس دولة فلسطين، وهي كما يؤكد المالكي لها نتائج مثمرة بالاطلاع على آخر التطورات ووضع الأشقاء في مستجدات الأمور ومراجعة آفاق التوقعات بشكل عام في إطار التباحث المشترك.

تشاور مستمر

إثر وفاة عرفات في 11 نوفمبر 2004 فقد بعث جلالة السلطان بتعزية غير تقليدية إلى روحي فتوح رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المؤقت جاء فيها: «فخامة الرئيس روحي فتوح رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المؤقت بعظيم الحزن والأسى بلغنا نبأ وفاة أخينا الرئيس الراحل ياسر عرفات -عليه رحمة الله- وإننا إذ نبعث إليكم شخصيًا وإلى الشعب الفلسطيني الشقيق بصادق تعازينا القلبية وخالص مواساتنا وتعازي ومواساة حكومتنا والشعب العماني لنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد فقيدنا الغالي بفيض رحمته الواسعة وأن يسكنه فسيح جناته الخالدة مع الصديقين والأبرار وأن يلهمكم والشعب الفلسطيني الشقيق الصبر الجميل على فقدانه.. إنه سميع مجيب الدعاء».

ومن ثم بعث جلالته ممثلا خاصا ووفدا رسميا برئاسة صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد مستشار جلالة السلطان للمشاركة في مراسم تشييع جثمان ياسر عرفات التي جرت في القاهرة.

وتكشف البرقية عن صيغة من المودة الأخوية التي تربط بين القيادتين في البلدين، لاسيما أن ذلك مرتبط بموضوع القضية الفلسطينية ذي الخصوصية الكبيرة والمدركة.

وقد ظلت المشاورات مستمرة بين الطرفين، وكان ثمة حرص من القيادة الفلسطينية على اطلاع الجانب العماني على كافة التطورات في الأوضاع، وفي زيارة قام بها عرفات إلى مسقط في الثالث من مايو 2000 فقد أطلع جلالة السلطان على آخر المستجدات في عملية السلام في الشرق الأوسط وبخاصة على المسار الفلسطيني، واستمع الوفد الفلسطيني إلى آراء جلالة السلطان قابوس حول سبل دفع العملية السلمية الذي يتحقق من خلاله السلام والاستقرار للشعب الفلسطيني وكافة شعوب المنطقة.

وتكررت مثل هذه الزيارات في إطار الجهود التي تبذلها السلطة الفلسطينية لاطلاع القيادة العمانية على آخر تطورات عملية السلام والعقبات التي تواجهها والأخطار التي تتعرض لها مدينة القدس والأراضي المحتلة، وبخاصة النشاط الاستيطاني المستمر لتهويد المدينة المقدسة. وخلال عامي 2000 و2001 على سبيل المثال فقد زار ياسر عرفات مسقط ثلاث مرات، ما يقود إلى إدراك رغبة الفلسطينيين في الأخذ بمعرفة والإلمام بالرأي العماني بالمستجدات والأخذ بحكمة جلالة السلطان قابوس المعظم في هذا الخصوص، وخبرته في السياسة العالمية والاستفادة من علاقاته شخصيًا والعلاقات العُمانية عامة مع كافة الأطراف والقيادات الدولية.

الضمير الشعبي

على الدوام كان لجلالة السلطان آراء مميزة وجلية في إطار الأوضاع الفلسطينية المستجدة نشر بعضها مباشرة في وسائل الإعلام أو في حوارات صحفية، كرأيه في الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي وصفها جلالته وقتها بأنها «انتفاضة أهل الأرض، وهي انتفاضة تلقائية.. وهي أفضل تعبير للعالم عما يعانيه الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من ظلم وقمع ويأس».

ورأى جلالته بأن الانتفاضة «جعلت الرأي العام العالمي يشعر بالمأساة الحقيقية التي يعيشها الشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة» و«إنَّ الانتفاضة الشعبية الفلسطينية جاءت نتيجة ليأس فلسطينيي الداخل من أن العالم العربي لم يستطع إحداث أي تغيير في الموقف المتدهور طوال الفترة الماضية فخرجوا يعبرون عن أنفسهم بانتفاضة الحجارة تعبيرًا عن رفضهم للظلم والقهر الذي عاشوا فيه بلا أمل منظور».

وكان جلالته ينظر إلى قوة الضمير الشعبي في تحريك القضية الفلسطينية، لهذا ركّز على أنه «لا يجب استغلال هذه الانتفاضة العظيمة لتحقيق أهداف سياسية خاصة لصالح أطراف معينة خارج إطار أصحاب القضية أنفسهم»، وقال جلالة السلطان: «إن علينا واجبًا هو دراسة الطرق والوسائل التي تساند أصحاب القضية الحقيقية ودراسة الإمكانيات المتاحة في الوقت الحاضر لمساندة هذا الشعب الأعزل دون أن نعطي للجانب الآخر فرصة لوقف أو عرقلة هذه المساندة العربية».

فقد ركز جلالته على ضرورة إجلاء الحقائق وأن الممارسة والإرادة الشعبية هي الأوضح في ذلك دون أي صور أخرى قد تبدو مزيفة أو قاتمة، فالانتفاضة هي «أفضل وسيلة لاطلاع العالم على حقائق ما يجري».. أيضا: «علينا أن نُطلِعَ باستمرار الرأي العام العالمي على حقائق الأحداث الدامية والمأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة».

وقد كانت كلمات جلالته في هذا الإطار موحية ومركزة وقوية في التعبير عن حلول مستقبلية تقوم على الاستفادة من الضمير الشعبي وقوته، وأنه من الذكاء أن نخاطب الشعوب باللغة التي تفهمها «ولا تكون وفقًا للوسائل والطرق القديمة التي تعودناها في فترات سابقة»، كذلك الابتعاد عن التوظيف الشخصي للأمور، إذ يقول جلالته في هذا الإطار «إنه لا يجب أن يدّعي أحد لنفسه دورًا في هذه القضية حتى لو كان له دور فلا يجب أن يستخدمه لمصالحه الشخصية».

محبة شعبين

أخيرًا فإن ما يكنه ويحمله العمانيون تجاه القضية الفلسطينية من الصعب أن تحتويه الكلمات، فهو تراث كبير ومستمر عبر العقود الطويلة، وهم يعيشون الجرح نفسه الذي يعيشه أهل فلسطين.

لهذا فإن العمانيين خرجوا يؤازرون الفلسطينيين في مناسبات مختلفة، ولم يتوانوا عن المبادرات الرسمية والأهلية التي تدعم الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وغزة، من حيث إنشاء المشاريع الخدمية والمدارس وتقديم المساعدات الضرورية والممكنة في شتى الظروف، وهو جهد مستمر وقائم وفق الإرادة الشعبية والمحبة المتبادلة بين الطرفين. وقد عبّر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، عن هذا العمق الرسمي والشعبي، وقال في تصريح في فبراير الماضي: إن «مواقف جلالة السلطان قابوس بن سعيد غنية عن التعريف بالنسبة للقضية الفلسطينية وهو يوليها اهتمامًا كبيرًا»، كما أكد عريقات على عمق العلاقات بين الشعبين، في حين يؤكد ابن علوي من جهته: «تربطنا بفلسطين والرئيس محمود عباس علاقات قديمة ومتينة وندرك جهوده أمام العالم لنيل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس» ويشــــدد بأن «العمانيين هم سند للشـــعب الفلسطيني».