الملف السياسي

القضية الفلسطينية والمجــتمع الـدولي

22 أكتوبر 2018
22 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي  -

منذ أكثر من سبعة عقود والشعب الفلسطيني وقضيته العادلة تتعرض لجملة من الانتهاكات والاعتداءات وسياسة الاستيطان وتقطيع أوصال المدن الفلسطينية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي أمام مسمع وأنظار المجتمع الدولي.

خلال تلك العقود السبعة بذلت جهود سياسية إقليمية ودولية لإيجاد حل عادل وشامل على ضوء قرارات الشرعية الدولية، ومن أهمها قرارا مجلس الأمن الدولي 242 و338 وغيرهما من القرارات ذات الصلة بموضوع الاستيطان وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وإقامة الدولة الفلسطينية علي حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ولعل من المشكلات التي واجهت القضية الفلسطينية طوال السنوات الماضية هو تفرد الوسيط الأمريكي بمفاوضات السلام في عدد من المحطات مثل محادثات كامب ديفيد وواي ريفر وقبل محادثات مدريد للسلام التي أفضت جميعها إلى اتفاق أوسلو في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، وهو الاتفاق الذي نقضته إسرائيل، ولم تلتزم ببنوده، ومن هنا فإن الإدارة الحالية في واشنطن قد اتخذت سلسلة من الإجراءات الأحادية التي أضرت كثيرا بمسيرة السلام وألقت ظلالا من عدم الاستقرار في المنطقة.

تحديات حقيقية

يواجه المشروع الوطني الفلسطيني تحديات كبيرة من خلال سلوك الإدارة الأمريكية بدأت بالإعلان عن نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعتبار المدينة المقدسة عاصمه أبدية للكيان الإسرائيلي، كما تم قطع التمويل المالي الأمريكي عن منظمة الأنروا التي تشرف على شؤون نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني في الشتات وفي فلسطين المحتلة وأخيرا اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب قرارا بإغلاق ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. كل هذه الخطوات هي تحديات تواجه المشروع الوطني الفلسطيني الذي يهدف لاستقلال فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية علي حدود الرابع من يونيو 1967م، وهو ما دعت إليه المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002م، ومن هنا فإن تلك التحديات تتطلب موقفا حاسما من المجتمع الدولي أولا، إضافة إلى أن الوسيط الأمريكي لم يعد ملائما – من وجهة النظر الفلسطينية على الأقل - للقيام بدور الوسيط النزيه من خلال جملة القرارات غير الموضوعية وممارسة ضغوط متواصلة سياسية ومالية لإجبار السلطة الوطنية الفلسطينية علي القبول بالتسوية التي تفترضها صفقة القرن والتي هي جزء أصيل من عملية تصفية القضية الفلسطينية وإسقاط أهم بندين في المشروع الوطني الفلسطيني وهما موضوعا القدس واللاجئين.

الحرب الدبلوماسية

الخطوات الأمريكية السلبية جعلت إسرائيل أكثر تعنتا وأكثر غطرسة من خلال دعم واشنطن لأهداف الاستيطان الإسرائيلي وإسقاط حق العودة علاوة على موضوع القدس، ولعل إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وهو مكتب دبلوماسي وقنصلي يعطي علامة على انتهاء التواصل الدبلوماسي مع القيادة الفلسطينية وتجميد عملية السلام كنوع من العقاب على عدم الاستجابة للخطة الأمريكية حول ترتيبات السلام المفترضة بين الإسرائيين والفلسطينيين.

إن القمة العربية الأخيرة في مدينة الظهران السعودية رفضت أي تسويات سياسية تخرج عن نطاق المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية مما يعني أن الشعب الفلسطيني سوف يظل متمسكا بأرضه وثوابته الوطنية.

إن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن هو إجراء أحادي لا يساعد على تواصل الحوار والنقاش مع الإدارة الأمريكية، ومن هنا إن الأمم المتحدة أصبحت المكان الطبيعي لحل الصراع العربي-الإسرائيلي بشكل عام والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بشكل خاص في ظل الانحياز الأمريكي لإسرائيل، وفي ظل تصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية، وفي ظل الانتهاكات الخطيرة لسلطات الاحتلال خاصة في قطاع غزة الذي تحاصره إسرائيل منذ عدة سنوات؛ حيث يعاني الشعب الفلسطيني من مشكلات وتضييق عنصري متواصل.

الواقع الفلسطيني يمر بمنعطف صعب ومعقد في ظل الإدارة الأمريكية الحالية، وفي ظل واقع عربي مشتت وخلافات تتصاعد يوما بعد يوم، ومن هنا فإن المجتمع الدولي لا بد أن يقوم بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط وأن لا تترك إسرائيل تعبث بالمنطقة من خلال سياستها القمعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزه بشكل خاص.

كما أن الدبلوماسية الفلسطينية والعربية لا بد أن تتحرك لفضح الممارسات الإسرائيلية غير القانونية، وثانيا لإيجاد آلية دولية تتولى ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، ومن خلال ممارسة الضغط على الكيان الإسرائيلي في ظل حكومة نتنياهو المتطرفة.

الرهان على الشعب الفلسطيني

إن عملية السلام تضررت كثيرا بسبب الخطوات الأمريكية الأخيرة التي أدت إلى تصلب الموقف الإسرائيلي، ورغم تلك القرارات الأمريكية فإن الرهان دوما يبقى على الشعب الفلسطيني المناضل والمكافح لأكثر من سبعة عقود، ومن هنا فإن الشعب الفلسطيني سيظل متمسكا بأرضه وثوابته ومشروعه الوطني، ولا يمكن لإسرائيل حتى مع الانحياز الأمريكي أن يغير من الواقع أن هناك شعبا فلسطينيا تحت الاحتلال وأن هناك احتلالا غير قانوني لا بد من إزالته وفق قرارات الشرعية الدولية، كما أن دور الإعلام العربي ينبغي أن يكون أكثر حيوية من خلال إيصال الرسالة الواضحة للمجتمعات في الغرب وأمريكا اللاتينية وحتى داخل الأوساط الأمريكية.

لقد واجهت القضية الفلسطينية منذ النكبة عام 1948 تحديات ومؤامرات عديدة، ورغم ذلك ظل صمود الشعب الفلسطيني هو الصخرة التي تكسرت فوقها تلك المؤامرات ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، ومن هنا فإن التحديات الحالية والخطط الملتوية سوف تفشل لا محالة.

إن وحدة الشعب الفلسطيني وكذلك قياداته تعد الخطوة الأهم في هذه المرحلة؛إن الكيان الإسرائيلي يستفيد من أي انقسام فلسطيني-فلسطيني وأمام تلك المؤمرات التي تحاك حاليا ضد القضية الفلسطينية فإن المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وخاصة بين فتح وحماس هي خطوة أساسية تصب في مواجهة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي الذي بدأت ملامحه تتكشف من خلال تلك الخطوات التي تمت الإشارة إلى بعضها؛ مما يتطلب وحدة الموقف والهدف خاصة أن القضية الفلسطينية تعيش مرحلة مفصلية في تاريخها، وهذا يتطلب المزيد من اليقظة والحرص والبعد عن الخلافات والتركيز علي الأهداف الوطنية حتى قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.

مسار عملية السلام

في ظل تجمد مسار عملية السلام وفي ظل إصرار القيادة الفلسطينية علي رفض الخطوات الأحادية من قبل واشنطن وفي ظل إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن فإن مسار عملية السلام يبدو في وضع صعب، ومن هنا فإن المسألة تحتاج إلى تحركات دبلوماسية، ولعل كلمة السلطنة في الجمعية العامه للأمم المتحدة التي تتحدث عن دعوة للمجتمع الدولي أن يطلق الحوار وأن إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية هو مصلحة دولية وترسيخ للسلام في المنطقة، كما أن الزيارة الحالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس للسلطنة ولقائه الهام مع جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - يدخل في إطار مساعي وجهود السلطنة لتحريك مسار السلام من خلال ما تتمتع به الدبلوماسية العمانية من مصداقية واحترام كبيرين من المجتمع الدولي.

إن توقف مسار السلام سوف يزيد الأمور تعقيدا، وما يجري في قطاع غزة من مواجهات مع قوات الاحتلال هو مؤشر على أن إسرائيل لا تريد السلام بل تريد قضم المزيد من الأراضي مدركة أن العرب في وضع صعب، ومن هنا يتوجب علي الأمم المتحدة والقوى الدولية كروسيا والصين والدول الغربية أن تجد صيغة لإطلاق مبادرة دولية للسلام في الشرق الأوسط، وأن يكون هناك نقاش موضوعي، وأن تطبق قرارات الشرعية الدولية، ويتم المزيد من الضغط علي الكيان الإسرائيلي، كما أن اعتراف دول العالم بدولة فلسطين سوف يكون خطوة سياسية هامه تجعل إسرائيل في زاوية ضيقة علاوة على تقديم ملفات جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذه الخطوات سوف تحاصر إسرائيل وتحرج الولايات المتحدة، كما أن التحرك مع المجتمعات المدنية والمنظمات الحقوقية والتأثير الكبير للصحافة والإعلام في الغرب سوف يكشف المزيد من الانتهاكات الإسرائيلية ضد عدالة القضية الفلسطينية، وهذا بلا شك يتطلب استراتيجية فلسطينية-عربية يتم التوافق عليها لتبقى القضية الفلسطينية حية في الضمير الإنساني، وفي المحصلة النهائية فإن الاحتلال إلى زوال وهذا ما يخبرنا به التاريخ القريب والبعيد خاصة أن إسرائيل هي آخر احتلال في العالم.