الملف السياسي

خطوة أمريكية تعيق إحياء عملية السلام

22 أكتوبر 2018
22 أكتوبر 2018

د.أحمد سيد أحمد -

خبير العلاقات الدولية -

فى الأهرام -

يمثل قرار الإدارة الأمريكية بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية رسميا في واشنطن، خطوة أخرى ضمن الخطوات السلبية التي انتهجتها الإدارة تجاه الفلسطينيين، فقد سبقها قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ثم جاءت الخطوة الأمريكية بالانسحاب من منظمة اليونسكو تحت دعاوى انحيازها للفلسطينيين ضد الإسرائيليين.

ثم قرار إلغاء المساعدات الأمريكية للأونروا، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، والتي تقدر بـ200 مليون دولار. ثم الخطوة الأمريكية بإغلاق مكتب المنظمة في واشنطن وإنهاء التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني بعد 24 عاما منذ افتتاح المكتب في عام 1994 تحمل العديد من الدلالات والتداعيات الخطيرة على عملية السلام ودور أمريكا فيها من عدة زوايا:

أولا: الخطوة تعكس وجود سياسة ممنهجة من جانب إدارة الرئيس ترامب ترتكز على ممارسة أقصى الضغوط على السلطة الفلسطينية، سواء ضغوط سياسية أو اقتصادية أو نفسية، لكى تستجيب للرؤية الأمريكية بشأن عملية السلام وخطة السلام التي تعدها إدارة ترامب والمعروفة إعلاميا باسم صفقة القرن، والتي لا ترتكز على تحقيق السلام العادل والشامل الذي يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967وعاصمتها القدس الشرقية وفقا للمرجعيات الدولية وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن الدولي وأبرزها القرار 242 والاتفاقيات التي تم إبرامها بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومنها اتفاق أوسلو، كذلك ضمان حق العودة اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة رقم 194، وإنما ترتكز الرؤية الأمريكية على استبعاد القدس الشرقية من مفاوضات الوضع النهائي وكذلك استبعاد قضية حق العودة للاجئين وحصرهم في أقل من نصف مليون لاجئ فقط يمكن التفاوض بشأنهم. ولذلك عندما طرحت الإدارة الأمريكية خطتها المرتقبة للسلام عبر تسريبات إعلامية، ووجدت رفضا من السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن، أخذت في تصعيد حدة الضغوط على الفلسطينيين عبر الخطوات العديدة التي اتخذتها ومنها إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن.

ثانيا: إن خطوة إغلاق مكتب المنظمة لن تكون الخطوة الأخيرة في سياسة الضغط الأمريكية على الفلسطينيين في ظل استمرار حالة الرفض للصيغ الأمريكية التي تطرحها لعملية السلام، خاصة أن الضغوط الأمريكية تتزامن معها أيضا تصعيد الضغوط الإسرائيلية على الفلسطينيين سواء بحجب أموال السلطة الفلسطينية التي تقوم الحكومة الإسرائيلية بتحصيلها من دافعي الضرائب ورسوم الجمارك، أو من خلال إغلاق المعابر خاصة مع قطاع غزة، أو عبر زيادة حدة النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتصاعد عمليات تهويد مدينة القدس عبر زيادة المستوطنات في القدس الشرقية لتغيير هويتها العربية، إضافة إلى تزايد حالات الاقتحام للمسجد الأقصى وباحاته من جانب المستوطنين المتشددين، وغيرها من الإجراءات التي تستهدف أيضا ممارسة أقصى الضغوط على الفلسطينيين للقبول بالسلام ولكن على الطريقة الإسرائيلية، وهي إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وغزة أشبه بكانتونات، متقطعة الأوصال، ومنزوعة السلاح مع استبعاد القدس، والسماح للفلسطينيين فقط بزيارة الأماكن المقدسة في القدس الشرقية.

ثالثا: إغلاق مكتب المنظمة والخطوات الأخرى التي سبقتها من جانب الإدارة الأمريكية يؤثر سلبا على عملية السلام ويؤدي إلى استمرار حالة الشلل التي تعاني منها منذ سنوات، بعد فشل أخر محاولة لإحيائها في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عبر وزير خارجيته جون كيري ضمن ما عرف بخطة كيري وتعثرت بسبب التعنت الإسرائيلي، كذلك فشل المبادرة الفرنسية في عام 2016 لإقامة مؤتمر دولي لإحياء عملية السلام في الشرق الأوسط، وفشلت أيضا نتيجة لرفض الحكومة الإسرائيلية أية مبادرات للسلام تطرح من جانب أي طرف غير الولايات المتحدة، ولذلك فإن الإغلاق يؤدى إلى قطع قنوات الاتصال بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، وغياب هذه القنوات يعني توقف أية مشاورات أو محاولات لإحياء عملية السلام مرة أخرى.

رابعا: هذه الخطوة تفقد الطرف الأمريكي مصداقية في عملية السلام، فالولايات المتحدة هي الراعي الرسمي لعملية السلام منذ مؤتمر مدريد عام 1991، وهى التي تتولى رعاية المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين للتوصل إلى اتفاق سلام عادل وشامل، ولذلك فإن قرار نقل السفارة إلى القدس وتقرير مصيرها قبل مفاوضات الوضع النهائي وإنهاء التمثيل الدبلوماسي للفلسطينيين يعني أن الولايات المتحدة فقدت مصداقيتها كراعي نزيه في عملية السلام، ويضع علامات استفهام وشكوك كبيرة حول جدية ورغبة الإدارة الأمريكية في إحياء عملية السلام، ويؤكد أنها منحازة إلى الطرف الإسرائيلي، فرغم أن الرئيس ترامب في لقائه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، أشار لأول مرة إلى أهمية تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وفقا لحل الدولتين، لكن المعضلة أن الخطاب الأمريكي يتناقض تماما مع الخطوات التي تتخذها الإدارة على أرض الواقع والتي لا تخدم تهيئة البيئة الحقيقية لإحياء عملية السلام مرة أخرى، فالخطوات الأمريكية تدفع الطرف الفلسطيني إلى التشكيك في جدية الإدارة الأمريكية في تحقيق السلام خاصة بعد قطع قنوات الاتصال معها، وهذا يعنى أنه لا يمكن إحياء مفاوضات عملية السلام في المستقبل في ظل استبعاد الطرف الأساسي وهو الفلسطينيين وفى الوقت ذاته ممارسة أقصى الضغوط عليه لكى يقوم بتنازلات جوهرية، وهو أمر من المستحيل تحقيقه لأنه من الصعب على الفلسطينيين والقيادة الفلسطينية التخلي عن القدس الشرقية أو المساومة عليها، فالقدس لا تخص فقط الفلسطينيين بل أنها تخص أيضا أكثر من مليار ونصف مليار شخص من العرب والمسلمين. كما أنه من الصعب التخلي عن حق العودة لأكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني يعانون منذ سبعة عقود من التهجير واللجوء في الخارج والداخل والعيش في ظروف إنسانية قاسية، حيث تفتقد المخيمات الفلسطينية إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وتعليم وبنية أساسية وغيرها، وقد تفاقمت أوضاعها بشكل متزايد بعد قرار وقف الولايات المتحدة تمويل الأونروا.

السلام لن يتحقق بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلا وفقا لصيغة السلام العادل والشامل الذي يحقق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأن أي صيغة أخرى تطرحها الولايات المتحدة أو إسرائيل لن تجدي وستواجه مصير الفشل الذي واجه كل مبادرات السلام السابقة، وأن أية محاولات لفرض السلام، وفقا للرؤية الإسرائيلية، على الجانب الفلسطيني لن تنجح أيضا مهما كانت الضغوط. فالمعادلة بسيطة وواضحة وهي أن تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة يكون فقط من خلال تسوية القصية الفلسطينية عبر السلام العادل، وهذا وحده الكفيل بتحقيق الأمن والاستقرار لإسرائيل كما أنه يخدم المصالح الأمريكية ويحقق أيضا الأمن والاستقرار في المنطقة، وهذا ما يجب أن تدركه الإدارة الأمريكية الحالية ومعها إسرائيل.

الولايات المتحدة تشكل دورا مهما في تحقيق السلام كونها الراعي الرسمي لعملية السلام وكونها الطرف الوحيد القادر على الضغط على حليفتها إسرائيل لتقديم تنازلات جوهرية في عملية السلام وأن تتوقف عن سياسة التعنت والمراوغة وسياسات التهويد والاستيطان وأن تقبل بحل الدولتين، وإذا لم يتحقق ذلك ستظل جهود السلام تدور في حلقة مفرغة وتؤدي إلى إضاعة المزيد من الوقت، وسيظل غياب حل عادل للقضية الفلسطينية مصدرا أساسيا لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وبالتالي إذا أرادت الإدارة الأمريكية الحالية فعلا تحقيق إنجاز تاريخي لعملية السلام يجب أن تراجع سياستها ورؤيتها تجاه السلام وتراجع خطواتها التصعيدية تجاه الفلسطينيين.