hader
hader
أعمدة

القطاع الخاص والمسؤولية الاجتماعية

20 أكتوبر 2018
20 أكتوبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

ما زال مفهوم المسؤولية الاجتماعية أو المجتمعية Corporate Social Responsibility (CSR) يحتاج إلى تسليط مزيد من الضوء عليه من خلال وسائل الإعلام المختلفة، وهو معني بالشركات والمؤسسات الأهلية أكثر من الحكومة. فالأخيرة معنية بوضع الأسس والنظم لهذه المسؤولية التي يمكن أن تشمل جميع القطاعات المنتجة في البلاد، لا سيما تلك الأعمال التي تهم فئة الشباب والأطفال والعجزة والمعوقين ورواد الأعمال وغيرهم من الفئات العاملة في المجتمع بشكل عام وفي مختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.

هذا المفهوم (المسؤولية الاجتماعية) يختلط اليوم في المجتمع العماني بمفهوم الرعاية والدعم التي تقدمها بعض المؤسسات والشركات للجمعيات والأنشطة التجارية والثقافية والاجتماعية في المنتديات والندوات، بالرغم من أن الآونة الأخيرة شهدت توجه القطاع الخاص بتبني بعض مشروعات جيدة ومستدامة تدخل في صلب مضمون المسؤولية الاجتماعية لخدمة أفراد المجتمع. وحيث أن هناك توجّها كبيرا بدعم أعمال المؤسسات العمانية من خلال المسؤولية الاجتماعية مستقبلا، فإن عددا من المؤسسات المعنية بدأت تهتم بالمشاريع المتعلقة بهذه المسؤولية. ومؤخرا عقدت غرفة تجارة وصناعة عمان بمقرها الرئيسي جلسة حوارية لمناقشة موضوع المسؤولية الاجتماعية ودور المؤسسات والشركات في هذا الإطار بحضور سعادة قيس بن محمد اليوسف رئيس مجلس إدارة الغرفة، وعدد من أعضاء المجلس، ومسؤولي مركز عمان للحوكمة والاستدامة وبعض الشركات المساهمة العامة والشركات العائلية، وغيرها. وكان الهدف من ذلك هو دعم توجهات المجتمع العماني بدعم التنمية المجتمعية وترسيخ مبدأ الشراكة الاقتصادية مع المجتمع، بالإضافة إلى وضع رؤية مشتركة للمسؤولية الاجتماعية لدى القطاع الخاص العماني. ولا شك أن الغرفة تُشكر على هذه المبادرة وهي من صميم مسؤولياتها وأهدافها تجاه المجتمع العماني في ضؤ تزايد أعداد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المنتمية إليها، والتي تحتاج إلى دعم متواصل لكي تقف على رجليها وتواصل مسيرتها بدون عثرات وتحديات وإخفاقات. وهذا يمكن أن يتحقق من خلال دعم القطاع الخاص لمبادرات هذه المؤسسات الصغيرة من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية. وخلال الجلسة الأخيرة لمسؤولي القطاع الخاص والمقترحات التي تم طرحها بهذا الشأن، فإن الوضع الحالي متاح لتطوير دور القطاع الخاص تجاه مواضيع المسؤولية الاجتماعية، الأمر الذي يتطلب ضرورة قيام المؤسسات الخاصة بوضع استراتيجية لها لربط نفسها بأهداف المسؤولية الاجتماعية.

إن القطاع الخاص العماني ينمو بصورة تدريجية مع دخول الشباب العماني لهذا القطاع في مشاريع اقتصادية حيوية، الأمر الذي يتطلب دعم توجهات الشباب الذين بدأوا في إدارة مشاريعهم من خلال المسؤولية الاجتماعية، بالإضافة إلى تنوريهم وتثقيفهم بالأسس التسويقية والترويجية والإقبال على منتجاتهم ودعمهم للمشاركة في المنتديات والمعارض والمؤتمرات الخارجية لكسبهم مزيد من العلم والخبرات، وفتح باب التواصل مع الآخرين. وهذا الأمر بالطبع سوف يؤدي إلى تحسين الصورة النمطية المأخوذة عن القطاع الخاص العماني بأنه قطاع يدار معظمه بالتجارة المستترة. وهذا ما تم استعراضه في الجلسة الأخيرة لغرفة تجارة وصناعة عمان، حيث طُرحت مجموعة من الرؤى والأفكار الهامة لتطوير دور الشركات والمؤسسات في جانب المسؤولية الاجتماعية، والتأكيد على ضرورة تبني مبادرات مشتركة لهذه المسؤولية من قبل الشركات، وتوحيد الجهود، وتوجيه جزء منها لدعم المؤسسات والشركات الصغيرة والمتوسطة. ومن التوصيات المهمة التي خرجت بها هذه الجلسة هي ضرورة وضع تعريف موحد «لمفهوم المسؤولية الاجتماعية في السلطنة»، بحيث يعمل القطاع الخاص في إطار هذا التعريف وبشكل يساعد على تحديد التوجهات الصحيحة، وبما يخدم المجتمع العماني، بالإضافة إلى ضرورة إيجاد قاعدة بيانات دقيقة وشاملة للمسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص، ووضع الاستراتيجية بهدف وضع الخطط والبرامج لخدمة الأهداف التنموية والمجتمعية المشتركة.

إن غرفة تجارة وصناعة عمان تولي اهتماما متواصلا لمفهوم المسؤولية الاجتماعية منذ أن أطلقت جائزتها الأولى في هذا الشأن عام 2014، وتواصل نفس النهج منذ ذلك الحين لتوسيع دائرة المؤسسات والشركات المحلية والعالمية المنتسبة للغرفة لإبراز دولاها وتميزها في المساهمة بالمشاريع المستدامة التي تقيمها لدعم أفراد المجتمع، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى تحسين صورة هذه الشركات أمام المجتمع العماني. فهذه البرامج يمكن أن تشمل مسؤولية مجالات البناء والتشييد ودعم المشاريع التي يحتاج إليها الأفراد في المجتمع العماني سواء في مجالات الصحة والشباب والشؤون الاجتماعية والرياضية والأكاديمية والدينية أيضا، بجانب دعم برامج التدريب والتأهيل والمساهمة في أنشطة المؤسسات الصغيرة وصقل مهارات العاملين في تلك المؤسسات. فهذه المساهمات جميعها ستعود بالمردود الإيجابي على إنتاجية الأفراد والمجتمع، وتسرّع في الوقت ذاته في إيجاد مؤسسات عمانية ناجحة، كما تسرّع من العجلة التنموية في البلاد وبناء اقتصاد مستدام. وهذه المشاريع بالتأكيد سوف تعطي صورة حقيقية لدور القطاع الخاص في بناء أفراد المجتمع واهتمامه بالشراكة في تنمية كل ما هو جديد لتحقيق المصالح المتبادلة.

لقد سبقنا الكثير في هذا المجال بالتأكيد على أهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات. فقد نبّه كلاوس شواب مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي مؤسسات القطاع الخاص العالمي بأهمية المسؤولية المجتمعية للشركات، وأنها تقاس وفق تحسينها لأوضاع المجتمعات والبيئة، في حين أن المسؤولية الأخلاقية تتعدى ذلك لتعكس حاجة الشركات إلى أن تواجه مبادئ أساسية مثل شمولية الجميع والكرامة والمساواة في المجتمع. كما أكد الآخرون في ذلك أيضا مطالبين بضرورة أن يتمعن أصحاب المؤسسات والشركات بـأن المسؤولية المجتمعية ليست وقفا ولا صدقة ولا تطوعا، وليست هي القيمة المضافة التي تقدمها الشركات، وليست تبرعات ورعاية للمؤتمرات والمناسبات فقط. فما تقوم به المؤسسات الخاصة من دعم وتنمية وبناء لتلك المشاريع إنما هي من نتاج إقبال أفراد المجتمع على الشراء والتبضّع لاحتياجاتهم اليومية من تلك المؤسسات من خلال صرف الملايين من الريالات عليها.

ومن خلال المسؤولية الاجتماعية للشركات يمكن تشجيع نمو وتطور المجتمع في أي مكان، كما يمكن القضاء على الممارسات التي تضر في المجال العام. فهناك اليوم حاجة كبيرة وطلبا قويا على الشركات بتبني قضايا المسؤولية الاجتماعية. فمسؤولية أي مؤسسة هي بالدرجة الأولى مسؤولية اجتماعية، كما ورد في هذا المصطلح لأول مرة عام 1923، وأن بقاء أي مؤسسة واستمرارها يحتم عليها أن تلتزم وتستوفي مسؤوليتها الاجتماعية عند أدائها لوظائفها المختلفة. فقد أصبح هذا المفهوم يلقى اهتماماً متواصلا من قبل الباحثين، والأكاديميين والمنظمات الدولية نظراً للتأثير الذي يمكن أن تحدثه المؤسسات في محيطها الداخلي والخارجي من خلال التأثير في سلوك مختلف المتعاملين معها وتطويرهم ورفاهيتهم، بجانب تحقيـق التوازن بـين مختلف الأطـراف المرتبطة بالمصـالح والحاجـات.

وفي كل مرة نجد أن هذا المفهوم (المسؤولية الاجتماعية) يأخذ حيزا من التفاعل بين أفراد المجتمع، وقد زادت حدته وبروزه بصورة كبيرة بعد الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية التي عصفت بالعالم عام 2008، خاصة في عالم المال والأعمال والاقتصاد، وبدأ معها ترسيخ مبدأ مسؤولية الإدارة تجاه تبديد الثروات الناجمة عن تلك الأزمة، الأمر الذي كان يتوجب عليها تحقيق التوافق والتوازن بين أصحاب المصالح المتعارضة في المجتمع نتيجة لغياب التكامل والترابط بين الأخلاق والقيم من جهة، والاقتصاد والمال والأعمال من جهة أخرى. فعلى الإدارات ومؤسساتها في عالم التجارة والمال والاقتصاد أن تربط نفسها بأفراد المجتمع وضرورة النظر إلى نفسها كجزء من هذا المجتمع الذي تعمل فيه، وليست كيانًا مستقلًا منفصلًا عنه، الأمر الذي يتطلب منها العمل لصالح المجتمع ودعم مؤسساته ورفد مصالحه بالمشروعات التي تؤدي إلى نمو مستدام له وفي أبعاده الثلاثة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.