المنوعات

«أنا قبل كل شيء» .. قصة كفيفة تتغلب على مطبات الحياة

19 أكتوبر 2018
19 أكتوبر 2018

عرض: خلود الفزارية -

الكاتبة السعودية الجوهرة الرمال تختار شخصية روايتها «ورد»، التي اعترض والدها على تسميتها لحادثة في تاريخه فيناديها «عفيفة»، تدور أحداثها في عائلة تتكون من أم مسكينة وأب متسلط وأخوات وأخ وحيد، وكانت «ورد» الأخت الثالثة بين أخواتها، أحبت الحياة وفساتين صديقتها التي كانت تتمنى لو كان لها واحد مثله، تذهب للمدرسة، ولأن الوالد اختار الزواج بأخرى بحجة واهية هي أنه يريد أن يكون له أولاد صبية، فتبقى المسؤولية كلها على الأم التي تحاول أن تلبي احتياجات الجميع.

ابنتها الكبرى كانت تعاني من التوحد، وكانت تلقى العناية الأكبر من الأم، والبنت الثانية كانت سليطة اللسان، «ورد» كانت طفلة حالمة، أصابتها الحمى في طفولتها، ولكن أصرت والدتها على ذهابها للمدرسة؛ لأنها ترى أن المدرسة ضرورية ولا يجب التغيب عنها، فتسقط مغشيا عليها لتسعفها معلمتها مع حارس المدرسة إلى أقرب مستشفى، ولكنهم يتعرضون لحادث تموت فيه المعلمة، وتبتر أطراف الحارس، وعندما تفتح «ورد» عينيها تكتشف أنها كفيفة.

تبدأ الخيبات مع «ورد»، ويلقي والدها اللوم على والدتها التي لم تحطها بالرعاية، وحين يعود الجميع إلى حياته الطبيعية، تبقى «ورد» مع ذكرياتها وأحلامها ولم يكن لها أنيس ما عدا أختها المتوحدة.

في نفس البيت تعيش عمتها التي حرمها أخوها من الزواج بمن تحب؛ نظرا لاختلاف العرق، فتبقى مكتنزة بالأحقاد على أخيها وأبنائه الذين لم تعطف عليهم يوما، وتحاول الانتقام لسعادة حياتها التي سلبت منها، فتعاملهم بخشونة، وبعد أن فقدت «ورد» الرؤية، أصبحت تعتمد على حاسة السمع التي اكتشفت خلف أستار الظلمة مناجاة عمتها في الليل، وذكرياتها للشاب الذي كانت تحبه، وحين تواجهها بالقصة تحاول العمة الإنكار، ثم تطلب منها ألا تخبر أحدا بحقيقة معاناتها، وتستغل «ورد» الموقف لتطلب من عمتها الراديو الذي يمكن أن تسجل من خلاله، لتبدأ بالتحدث إلى نفسها ومشاعرها، ويوميات حياتها.

تتوالى الأحداث بعد ذلك، وتبدأ أحلام «ورد» بالتلاشي، لتتزوج أختها «جواهر» من الشاب الذي كانت تذهب لملاقاته من على سطح المنزل، ليكون مجبرا على الزواج منها بعد اكتشاف أمره، وتحمل بعد ذلك بطفلة، ويتركها زوجها ويهرب، لتعود إلى منزلها خائبة مع طفلتها التي ولدت بلا محبة، كما تتزوج أختها المتوحدة من رجل كبير في السن فتحزن عليها «ورد» كثيرا لأنها لا تعرف كيف تتعامل مع الآخرين، أما ابن ذلك الرجل الذي كان فارس أحلامها في الصغر فيتزوج من صديقة طفولتها التي كانت تحلم بفساتينها وإنها تتمنى لو تستعير منها الفستان الوردي لتدور به حول نفسها ولو ليوم واحد، ومع وقع هذا الخبر تصعد «ورد» سلم المنزل وتفقد توازنها وتهوي على الأرض، لتفتح عينيها مبصرة من جديد.

«ورد» تكتشف إهمالها لنفسها وأناقتها، بعد رؤيتها لنفسها في المرآة، وتقرر عدم مصارحة أهلها بعودة رؤيتها، وتبدأ بمراقبة الجميع وتحسس طباعهم، ولتعالج من أمور كثيرة أهملتها في فترة استمرت نحو تسع سنوات، ولكن الأمر لم يدم كثيرا، لأن عمتها اكتشفت أنها ترى حين دخلت عليها ووجدتها تساعد أختها المتوحدة في أعمال الخياطة، لتبدأ رحلة جديدة وهي إنعاش روحها، والأهم رغبتها في العودة إلى مقاعد الدراسة، وتواجه بعدم القبول من جانب الأهل، ولكن مع إصرارها تعود إلى نفس المدرسة مع طالبات أصغر منها سنا، وهناك أصبحت صديقة الجميع، فهي المتفوقة في دراستها، ويتم إعلان مسابقة للقصص تقرر أن تشارك فيها لتسجل فيها قصتها، وتغلبها على محنتها، وتشير الكاتبة إلى أن القصة التي حملت عنوان «أنا قبل كل شيء» هي نفس القصة التي تكتبها ورد وتفوز فيها في المسابقة.

الرواية حملت أسلوبا شاعريا، وظفت فيه الكاتبة اللغة بسلاستها لتصف قضايا اجتماعية مختلفة تعاني منها المجتمعات، ابتداء بالذكورية وهيمنة الرجل على قرارات الزواج، وتسلطه على زوجته، ثم قهره لها لأنه أراد الزواج بحجة واهية وهي إنجاب الذكور برغم وجود صبي له في المنزل، كما تطرقت إلى مواضيع العرقية، حيث رفض والدها زواج أخته من شاب له عروق سوداء، وإهمال الزوج للعائلة، وهجر البيت، وتطرقت إلى مسألة اجتماعية هي جهل الناس بالتعامل مع مريض التوحد، فضلا عن التعامل مع الكفيف الذي يلغى من قائمة التشارك في الحياة.