Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: من منا .. لم يشرب الـ«مرق»؟

19 أكتوبر 2018
19 أكتوبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

في أحيان كثيرة «نتكور» على مفردات معينة، ونرى فيها خصوصية محلية ما، ونتحاشى ذكرها في جمع به لهجات مختلفة؛ حيث نعمل جاهدين على انتقاء كلمات عامة، خوف الوقوع في زاوية «التندر» فنحاول جاهدين الإتيان بمفردة هي مفهومة لدى الجميع؛ كما نعتقد؛ ونظل على هذه الصورة أو القناعة زمنا ما، ولكن تأتي بعض المواقف لتنقض فينا هذه القناعات، حيث نعيد ترتيب القناعات من جديد، سواء في تداول مفردات بعينها، أو في الاتكاء على ممارسة معينة أيضا، حيث تبين هذه المواقف أو الأحداث أننا «عالميون» حقا، وأن ما نعتقده خاصا بنا هو عام بامتياز، وبالتالي علينا أن نجلي كافة الصور التي نخبئها، ونقول للآخر دائما: إننا لا نعيش في جزر معزولة، وإننا نتقاسم الكثير من المفردات العادات، وسلوكيات الحياة المختلفة، وإنه لا يوجد على سطح هذه البسيطة من يولد من فراغ، فلك الفراغات ممتلئة، وأما كيف تبدو للآخرين هنا؛ نعم؛ تختلف التجارب، ولكنها تصل في النهايات الى نتيجة موحدة تقريبا.

تتداول وسائل الإعلام المختلفة في هذه الأيام كلمة «مارقين» ولكثرة ترددها على ألسنة المذيعين أوجدت عندي فضول البحث عنها، وكان أقرب الطرق إلى ذلك هو زيارة المعلم «جوجل»، فهالني ما كتب عن مجموعة المعاني والأمثلة وأبيات الشعر عن كلمة «مارق»، ويبدو أن كل المعاجم تتفق على نفس المعاني، وإن تميزت بعض المعاجم بالإتيان بالأمثلة، وأبيات من الشعر، وبعض مواقف الأشخاص، ومما جاء في معجم الوسيط القول:

«مرق من يمرق، مروقا، فهو مارق، والمفعول ممروق منه، مثال: مرق السهم من الرمية اخترقها، وخرج منها بسرعة من الجانب الآخر، مرقت الرصاصة جسده، مرق الولد من دون أن نراه، مرقت السيارة لتتخطى سيارة أخرى، ومرق الشخص من الدين: خرج منه ببدعة أو ضلاله، أنكره».

وأكثر ما شد انتباهي في هذه المفردات – حسب هذه المعاجم – القول: «سمعت بعض العرب يقول أطعمنا فلان مرقة مرقين؛ يريد اللحم إذا طبخ ثم طبخ لحم آخر بذلك الماء، قال ابن الأعرابي: ومرقت البيضة مرقا، ومدرت مدرا؛ إذا فسدت فصارت ماء، وجاء في تسلسل هذه المعاني بيت الشعر التالي: «

أروني امرأ من قبضة الدهر مارقا: ومن ليس يوما للمنية ذائقا»

كما جاء أيضا في المثل: «رويد الغزو ينمرق» ويضرب هذا المثل – كما جاء في المصدر – في التمكث وانتظار العاقبة، وأصله أن امرأة كانت تغزو، فحبلت فذكر لها الغزو، فقالت هذا المثل، ويقال أيضا: أمرق الشعر، أي تساقط».

فالمرق والبيض المارق، مفردات نستخدمها كثيرا في مجتمعنا المحلي العماني – بدأت تنزوي قليلا اليوم مع الجيل الشاب - ونعتقد أنها تحمل خصوصية مجتمعها فقط، ولكن يبدو حسب هذه المعاني التي أتت بها المعاجم هي عربية خالصة، تشعرنا بالفخر، بأن كثيرا من مفردات لهجتنا المحلية هي مفردات عربية، واستحضر توريات كبار السن، أو إسقاطاتهم لهذه المعاني على صور وتفاعلات حياتهم اليومية، ومن ذلك «هذا الولد بيضة مارقة» عندما يرون فيه دلالا زائدا، أو حدة الطباع أو عنادا.

ولمقاربة معاني كلمة مارق، أو مارقة، أو مارقون، علينا أن نسقطها على كثير من تفاعلاتنا اليومية، وبالتالي فعلينا أن نمرق من معاقل النفس، ومن قبضتها واستحكاماتها، وأن نفرغ مساحة آمنة من حولنا، كما علينا أن نمرق إلى مظان الخير، ومرابض السمو لنبقى أكثر قربا من الفطرة حتى لا تتلوث بسموم الحياة المختلفة، فامرقوا إلى حيث تنأى بكم الأحداث عن مرابض السوء، وامرقوا إلى كل ما يؤوب بكم إلى الدعة والسكون والرضا، فمها طال بنا العمر، سيظل مروقنا من وإلى هو محصلة ما نخرج به من هذه الحياة.