أفكار وآراء

الأحزاب الألمانية بدأت تستعد لما بعد ميركل !!

19 أكتوبر 2018
19 أكتوبر 2018

سمير عواد -

في اليوم الذي تقرر فيه إجراء انتخاب رئيس المجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي المؤلف من الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري الذي يتزعمه وزير الداخلية هورست زيهوفر، حاولت ميركل وزيهوفر إقناع نواب المجموعة في البرلمان الألماني “بوندستاج” إعادة انتخاب فولكر كاودر الذي يشغل منصب رئيس المجموعة البرلمانية للاتحاد المسيحي منذ ثلاثة عشر عاماً. لكن في هذه الأثناء عقد غالبية نواب الاتحاد المسيحي العزم على القيام بثورة وانتخاب منافس كاودر ليضربوا ميركل وهذا ما تم وظهر على المسرح السياسي في برلين رالف برينكهاوس من نواب الصف الثاني فهل هذه بداية النهاية لعهد ميركل التي تشغل منصب المستشارة الألمانية منذ ثلاثة عشر عاماً وترأس حزبها منذ ثمانية عشر عاماً؟. منذ خسارة ميركل كاودر الذي كان يضمن لها تأييد نواب المجموعة المسيحية في البرلمان الألماني، بدأت ميركل تتأثر . فخسارتها كاودر كشفت عن أنها بدأت تفقد ثقة نواب الاتحاد المسيحي في الوقت الذي بدأ تأييد حزبها يتراجع استناداً لعمليات استقراء الرأي التي تتم أسبوعياً لحساب المحطة الأولى للتلفزيون الألماني. واستنادا لآخر عملية تمت، فإن ألمانيا مقبلة على تغيير في عملية تشكيل الحكومة على صعيد الولايات والحكومة الاتحادية، إذ أن فقدان الحزبين الكبيرين، الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي تأييد الأغلبية، تدعوهما الضرورة لتشكيل ائتلاف مع حزبين آخرين. وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الممثلة في البرلمان بعد الانتخابات العامة الأخيرة في سبتمبر 2017، أصبحت كالآتي: الاتحاد المسيحي، الحزب الاشتراكي، حزب البديل من أجل ألمانيا، حزب الخضر، الحزب الليبرالي، حزب اليسار. وقد أدى دخول حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي، إلى إنهاء الحسابات القديمة بين الأحزاب عند تشكيل ائتلافات. فبينما جرت العادة منذ إجراء أول انتخابات عامة في ألمانيا وكانت بتاريخ 14 أغسطس 1949 بعد أشهر قليلة على تأسيس الجمهورية الألمانية الجديدة على ركام الدمار الذي تسببت به ألمانيا النازية، أن يتم تشكيل ائتلاف من قبل حزبين، والآن أصبح الوضح يتطلب تحالف ثلاثة أو أربعة أحزاب.

ويُحمّل كثيرون ميركل مسؤولية عودة حزب “البديل من أجل ألمانيا” من الاندثار، بسبب سماحها لمئات الآلاف من اللاجئين بدخول الأراضي الألمانية بدون أوراق ثبوتية مما سهل تسلل بعض المتطرفين معهم قاموا باعتداءات أسفرت عن قتلى وجرحى وأضعفت ميركل في بلادها وفي أوروبا وحتى فولفجانج شويبلي، رئيس البرلمان الألماني والرجل القوي في حزب ميركل، قال أخيرا: إن ميركل ضعفت ولم يعد بالوسع الاعتماد عليها في الفوز بالانتخابات. وليس شويبلي فحسب يصفي حساباً قديماً مع ميركل، فعندما خلف المستشار الألماني الراحل هيلموت كول بعد استقالته من رئاسة الحزب عام 2000 بعد الكشف عن تورطه في تهريب أموال لصندوق الحزب إلى سويسرا، لم تدافع ميركل عن شويبلي عندما راح يبرئ ساحته من استلام رشاوى للحزب من تاجر سلاح ألماني، وتركته يستقيل وخلفته في منصب رئيس الحزب. ودخل د. نوربرت روتجن على الخط، فقد حمّل رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة للبرلمان الألماني ميركل كل البلاء الذي أصبح حزبها يعاني منه. وكانت ميركل قد أعفته من منصب وزير البيئة قبل سنوات بعد تعرض حزبها إلى هزيمة قاسية في انتخابات ولاية شمال الراين فستفاليا. وظهر ضعف ميركل بأوضح صوره من خلال قضية هانس جيورج ماسن الرئيس السابق للبوليس السري الألماني، حيث اضطرت لأن تتنازل لغريمها زيهوفر وتتجاهل طلب الرأي العام بإقالة ماسن من منصبه لتقليله من خطر المتطرفين اليمينيين الألمان واتصالاته المريبة مع قادة حزب “البديل من أجل ألمانيا”.

من هنا فإن المراقبين في ألمانيا، ينتظرون بفارغ الصبر انتخابات رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي في ديسمبر القادم، عندما ترشح ميركل نفسها في منصب زعيمة الحزب لكن الجديد هنا أن آخرين قرروا منافستها على منصبها وجميعهم من أصحاب الوجوه الجديدة في الحزب. في نفس الوقت، بدأت وسائل الإعلام الألمانية تنشر أسماء خلفاء محتملين لميركل رغم أن الحكومة الائتلافية الرابعة التي تتزعمها، تنتهي مدتها الدستورية في سبتمبر 2021 غير أن الكثيرين يعتقدون أن هذه الحكومة سوف تنهار قبل إتمام مدتها الدستورية فمنذ أن تشكلت قبل أشهر، تنتقل من أزمة إلى أخرى. في آخر عملية استقراء للرأي أوضحت أن غالبية الناخبين الألمان فقدوا الثقة بقدرة ميركل على قيادة ألمانيا في الفترة القادمة، ويحملونها وزويهوفر مسؤولية تأزم المشكلات الداخلية، وقد فقد الائتلاف المسيحي - الاشتراكي بريقه ولم يعد يُشكل ضماناً لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

منذ عام 2005 عندما استلمت ميركل كأول امرأة منصب المستشار خلفا للمستشار السابق جيرهارد شرودر، خسر حزبها الانتخابات في أهم الولايات الألمانية ورغم حصوله على نتائج أفضل من منافسيه في الانتخابات العامة الأخيرة، إلا أن نتائجه كانت الأسوأ منذ أول انتخابات شارك فيها منذ تأسيس ألمانيا. ولا يتصور أحد في الاتحاد المسيحي أن ميركل ستقود الاتحاد المسيحي في الانتخابات العامة المقبلة. ولم تعلن ميركل حتى اليوم إذا ما كانت سترشح نفسها لولاية خامسة أم لا، لكن غالبية المراقبين يعتقدون أنها سوف تضطر إلى إعلان خليفة لها، ومن أبرز الأسماء كارين كرامب كارينباور، الأمينة العامة للحزب المسيحي الديمقراطي. غير أن فولفجانج ميركل، الخبير الألماني المختص بشؤون الأحزاب، يتوقع بداية منافسة بين الخلفاء المحتملين في الخريف القادم بعد إعلان نتائج انتخاب رئيس الحزب المسيحي لاسيما إذا كانت النتائج سلبية بالنسبة لميركل فإن نهايتها السياسية تكون قد دنت.