إشراقات

دورها في تنشئة الأجيال

18 أكتوبر 2018
18 أكتوبر 2018

مروة بنت مرهون السيابية -

«المرأة العمانية هي الركيزة الأساسية داخل الأسرة، فهي من تنجب وتربي، وهي من تزرع في نفوس الأبناء كل مبادئ الحياة، هي بحد ذاتها المعلم الأول لأبنائها في بيتها، وإن دورها يعتبر دورا رئيسيا ومهما يساعد على تنشئة جيل قوي قادر على أداء رسالة مهمة في حياته تساهم في رفعة المجتمع وتطويره ورفعة أخلاق أبنائه. وهي الأم والمدرسة والمربية التي تقوم بتنشئة الأجيال الصالحة لتنمية المجتمع ورفعته، وهناك العديد من النماذج العمانية التي أشاد التاريخ العماني بها، بل حتى التاريخ العربي يشهد على ما كانت تقدمه».

الإسلام أكرم المرأة وجعل لها شأنًا عظيمًا ومقامًا جليلًا، فللمرأة دور كبير وفعال في المجتمعات، بل يعتمد عليها في بعض مهمات الأمور، ولذا نجد أن المرأة لها دور كبير في التاريخ الإسلامي، فلما جاء الإسلام أكرم المرأة وأنزلها المنزلة العظيمة التي تليق بها، وفي كتاب الله تعالى سورة يطلق عليها سورة النساء وسورة مريم، وأنزل الله تعالى قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة بسبب خلاف دار بين امرأة وزوجها، يقول الله تعالى في سورة المجادلة: «قَد سَمِعَ اللهُ قَوْلَ التّي تُجادِلُكَ في زَوْجِها وَتَشْتَكي إلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إنَّ اللهَ سميعٌ بصيرٌ».

والمرأة العمانية جزءٌ لا يتجزأ من المرأة المسلمة التي كرمها الإسلام وحفظها ورعاها. فلها دور فعّال في كثير من المجالات: الأدبية والفقهية والدينية والعلمية، فنشاط المرأة لا يقتصر على محيطها الأنثوي، إنما ارتقت وصعدت بنفسها في مصاف كثير من المجالات والمسؤوليات المناطة لها سواء على صعيد المستوى الأسري أو على صعيد المستوى الاجتماعي، بل إنها ساهمت في رفع اسم السلطنة في المحافل الدولية عربيًا وعالميًا.

المرأة العمانية عايشت حضارات عريقة كل حضارة سطّرت تاريخها وأمجادها التليدة، فما كان لهذه الحضارات إلا أن كان لها الدور الرئيسي في صقل وإبراز نشاط المرأة العمانية في شتى الميادين، ولا ريب أن الجيل القديم من النساء العمانيات هنّ من أسسن اللبنة الأولى لبناتِ جنسهن، وأعطت الجيل الجديد الصبر والكفاح من أجل الرقي والتميز.

إن للمرأة في أي مجتمعٍ شأنا عظيما في سيره واتجاهه، فكلما كانت ذات استقامة ودراية وهداية كان لها دورٌ كبيرٌ في استقامة الحياة وسيرها على منهج الله تعالى، منها يستنشق المجتمع عبير الطهر والعفة والاستقامة، ومنها تنتشر المحبة والألفة والتعاون والتكافل بين أفراد المجتمع.

وكلما كانت خارجة عن منهج الله تعالى، كان لها دور كبير حينها في انحراف الحياة عن المنهج القويم والدستور الرباني، ولها التأثير الأكبر في تخبط المجتمعات، فينتشر الحقد والحسد، وتسود العداوة والبغضاء، ويعم الظلم والأنانية أفراد المجتمع، فكيف يكون حال أبناء قد تربوا في أحضان نساء هذا ديدنهن؟!

وقد مارست المرأة العمانية حقوقها في العصر القديم والعصر الحاضر، وتأقلمت مع واقعها الاجتماعي في السابق والحاضر، فهي ذات دور تكاملي في مجتمعها إلى جانب الرجل، بحيث تقوم بالأعمال التي تتوافق مع قدراتها الجسدية، ويساعدها التعليم على أن تقوم بهذه الأعمال على أكمل وجه، فلو أتينا للحديث عنها سابقا نجد أنها قد نهلت من العلم بتعلّمها القرآن الكريم وأمور الدين، والعقيدة ومبادئ الإسلام، وتاريخ الإسلام، وأصول التربية الإسلامية، إلى جانب تعليمها بعض العلوم النافعة في تدبير المنزل وما يحتاجه المجتمع من تدريس وتطبيب النساء. ولا ريب أن تعليم المرأة يساعدها على تأدية مهمتها كزوجة وأم ومربية أجيال.

المرأة العمانية هي الركيزة الأساسية داخل الأسرة، فهي من تنجب وتربي وهي من تزرع في نفوس الأبناء كل مبادئ الحياة، هي بحد ذاتها المعلم الأول لأبنائها في بيتها، وإن دورها يعتبر رئيسيًا ومهمًا يساعد على تنشئة جيل قوي قادر على أداء رسالة مهمة في حياته تساهم في رفعة المجتمع وتطويره ورفعة أخلاق أبنائه.

وكما أسلفنا فالمرأة العمانية هي الأم والمدرسة والمربية التي تقوم بتنشئة الأجيال الصالحة لتنمية المجتمع ورفعته، أما الطريقة الصحيحة لهذه التنشئة فهي عن طريق غرس الأخلاق الحميدة في نفوس أبنائها، وتعزيز القيم الثابتة التي تشبعهم بها كالتعاون والتعامل الراقي مع المجتمع المحيط بهم، كما يجب أن تكون قدوة صالحة يقتدى بها في انفعالاتها وتصرفاتها، فهناك العديد من النماذج العمانية التي أشاد التاريخ العماني بها، بل حتى التاريخ العربي يشهد على ما كانت تقدمه، فالعالمة عائشة بنت راشد الريامية الفقيهة العابدة استطاعت أن تتبوأ درجة من العلم، حيث تتلمذت على يد كبار المشايخ العلماء في عصرها، حتى أصبحت فقيهة، وهي أول مفتية عمانية يفد إليها طلاب العلم من كل حدب وصوب؛ ليستفتوها فيما أشكل من أمور الدين وغمض من أحكام. كما كان لها دور سياسي مؤثر شاركت في توجيه الحكم في عصر اليعاربة في عمان.

وقد ساهمت المرأة العمانية في التعليم لتنشئ أجيالا صاعدة، كالشيخة زهرة بنت أحمد الكندية، امرأة فاضلة ملازمة للقرآن حريصة على حفظه، ولها مجلس للناشئة تعلمهم القرآن الكريم، وهي شديدة الحذر مما يغضب الله. وكذلك الصالحة شيخة بنت مهنا الحرملية، اعتنت بالقرآن الكريم، وكانت مثابرة في حفظه، فكان نورا تستضيء به في حياتها، وقد درست التجويد وصارت معلمة لتجويد القرآن الكريم. أما عن الشيخة غثنى بنت علي الفرقانية فقد أجادت الكتابة والقراءة وحفظت شيئا من القرآن الكريم ودرست مبادئ العلوم وأتقنت كتابة الخط العربي، لها جهود في تدريس القرآن الكريم والفقه، إذ كانت تستقبل الإناث في أي سن بينما الذكور إلى سن العاشرة والحادية عشرة.

هذه هي المرأة العمانية التي كانت وما زالت تسطر في التاريخ العماني أمجادًا من الأدوار والتضحيات التي قامت بها بداية من محيطها القريب منها من أسرتها الصغيرة ومرورا بمجتمعها الخارجي ووصولًا إلى العالم أجمع، فهي تلعب دورا مهما وفاعلا في بناء المجتمع وتطويره، فساهمت أسوة بالرجل في كل المجالات المجتمعية الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وقد نالت العديد من الجوائز بجدارة بسبب الأدوار البطولية التي قامت بها، ومن أمثال النساء العمانيات المعاصرات: زهرة العوفية الملهمة في مجال العمل التطوعي حيث أسست اثنتي عشرة مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في المناطق الجبلية النائية، اجتهدت لنشر العلم والمعرفة للنساء اللاتي لم يحظين بتعليم القرآن في السابق، ولأنها تستحق كرمت بجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي.

ومثل هؤلاء النساء العمانيات هناك العديد ممن بذلن حياتهن في تعليم الناشئة وتحفيظهم القرآن الكريم وعلوم الدين، فكان لهذا البذل والعطاء أثر في صناعة الجيل الحالي والأجيال القادمة بإذن الله تعالى، فقد كُنَّ مربيات خرجن علماء أجلاء أعطوا العلم والدين حقه، أناروا المنابر بتلاواتهم وخطبهم وفقههم، فكان حري بنا أن نقف على أخلاق وأسلاف وأمجاد وإنجازات أسلافنا من النساء العمانيات لنُكَوّن المسلك القويم والمنهج الرصين الذي نسلكه لنبني أجيالًا وأخلاقًا وحضارةً قادرةً على مجابهة الأمم الأخرى بل وتعلو عليها.