إشراقات

عز المرأة وكرامتها

18 أكتوبر 2018
18 أكتوبر 2018

حمود بن عامر الصوافي -

«على الرغم مما يكال للمرأة وما يخطط لها لم تبق مكتوفة الأيدي بل بقيت مدافعة عن نفسها، أظهرت عزتها وقدرتها على قيادة ذاتها ونأت بنفسها عن ركوب المستقذر من الأفكار والمنحط من الأعمال، وأثبتت قدرتها على الريادة في مختلف العصور وقاومت دعاوى المنتهزين المدعين حفظ كرامة المرأة فوقفت لهم والرجال الشرفاء معها بالمرصاد فلم ينالوا شرفها ولا عزتها ولا أنفتها ولا كرامتها».

المرأة لم تكن بمنأى عن الرجل في صنع الحضارة، وتكوين الأجيال، وإعداد المجتمع بل هي شطر المجتمع فهي الأم والزوجة والأخت والبنت لذلك كان أثرها بمقدر حجمها في المجتمع، وحاجة المجتمع إليها كحاجته إلى شطره الثاني الذي لا يكمله إلا المرأة ولا يمكن أن تستقيم الحياة دونها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا). فالحياة رجل وامرأة فكيف يولد الأولاد؟ وكيف تكون الأسر والمجتمعات؟ وهل يمكن أن نعيش في مجتمع بُتر نصفه الآخر أو قطع وتخلص منه؟! ألم تكن العلاقة بين الرجل والمرأة مجلبة للرحمة والسكينة والمودة والهدوء؟ ألم يجعله الله رابطة مقدسة تسوء علاقة البشر دونها وتضيع الإنسانية دون حفظها قال تعالى:« وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».

ومن هنا كان تأثير المرأة على المجتمعات قويا ووجودها كان شاغلا للإنسان في شتى العصور والأعوام لذلك دائما ما تسمع الكثيرين يتحدثون عن حقوق المرأة؟ أين موضعها؟ وهل نالت حقوقها كلها؟ وهل هي مظلومة؟ وكيف تسترد حقوقها إن ثمة ظلم وقع عليها؟

وكل يطرح حقوقها بما يتناسب مع مجتمعه وحالات المرأة معه، أو ما يتناسب مع قراءاته واطلاعاته، أو ما يتناسب مع أهوائه وملذاته؟ ولا يمكن على إثر ذلك أن نعول كثيرا على الرجل المتقلب مزاجه، والمختلف توجهه فلا بد من استرشادنا بكتاب سموي أو نبي مرسل يبعد عنا الوقوع في الأهواء، قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

فمن لطف الله بنا- نحن المسلمين- اعتمادنا على كتاب ربنا القرآن الكريم وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، جاعلينهما المصدرين مقياسا للمرأة في مدى أخذها حقوقها أو امتهانها فما ناسب ما ورد في القرآن والسنة والقواعد الكلية فيهما فهو من حقوقها وما خالفه فهو من الإضرار بها وظلمها؟ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا). ولو نظرنا إلى حالات المرأة قديما وحديثا لرأينا ممن ممتهن المرأة واستضعفها، وهناك ممن قدسها وبالغ في تقديرها وتمييزها وإخراجها عما خلقت وجعلت له بل وربما عبادتها كما فعل بعض الأقدمين، فقد قال قائلهم مبالغا في المرأة مشبها بالشياطين:

إن النساء شياطين خلقنا لنا * نعوذ بالله من شر الشياطين

وردت عليه أحدهم مشبهة النساء بالرياحين:

إن النساء رياحين خلقن لكم* وكلكم يشتهي شم الرياحين

وقال غيره متوسطا:

إن النساء كأشجار نبتن معا* منهن مر وبعض المر مأكول.

لذلك يجب أن نعامل المرأة معاملة تليق بإنسانيتها فلا ننزلها بما يحط من قدرها كما كان يفعل بعض الجاهليين في الماضي من تحقير المرأة ومنعها نصيبها من الميراث ودفنها حية وإهانة كرامتها وربما ألحقت في زواجها بمن تكره وألزمت أن تكون مع من لا تحب دون مراعاة لمشاعرها الإنسانية وحسها وفكرها وعقلها وضميرها. وهذا حط من قدرها وامتهان لإنسانيتها وظلم لمكانتها وما تمثله من تكامل مع الرجال.

وليس من الإنصاف في شيء كذلك أن تجعل المرأة سلعة للاستمتاع بها وعرض مفاتنها أمام الرجال ولئام البشر ويا للأسف أن يسلك هذا المسلك بعض دعاة الحضارة والتقدم فهم ما يزالون يحاولون أن يبتذلوا المرأة بوضعها في أماكن غير لائقة وإظهار مفاتنها والاستمتاع بجمالها بدعوى الحرية والتمكين وفعل ما تشاء بل وفعل ما يشاؤون هم من إغراء طاغ واستغلال مفرط.

ولعمري ما هي إلا طرق من طرق ظلم المرأة وجعلها في وضع لا يليق بإنسانيتها ووسيلة لاستغلال جسدها وعقلها وفكرها وتفريغها من مشاعرها الإنسانية.

ولكن على الرغم مما يكال للمرأة وما يخطط لها لم تبق مكتوفة الأيدي وتنجر انجرار البهيمة إلى هؤلاء الطغام أو أولئك اللئام بل بقيت مدافعة عن نفسها، أظهرت عزتها وقدرتها على قيادة ذاتها ونأت بنفسها عن ركوب المستقذر من الأفكار والمنحط من الأعمال، وأثبتت قدرتها على الريادة في مختلف العصور وقاومت دعاوي المنتهزين المدعين حفظ كرامة المرأة فوقفت لهم والرجال الشرفاء معها بالمرصاد فلم ينالوا شرفها ولا عزتها ولا أنفتها ولا كرامتها.

ولنا في أمهات المؤمنين خير مثال على حضور المرأة وقوة شخصيتها ومشاركتها زوجها في كل ما يقوي الأمة ويرفع مكانتها فهذه خديجة بنت خويلد تخفف من روع النبي صلى الله عليه وسلم وقد جاءها خائفا فزعا مما جرى له في غار حراء وذكرته بماضيه، وحسن تعامله مع الآخرين، وأخبرته أن أمثاله لا يمكن أن يضيعوا أو يضعفوا أو يصابوا بمكروه أو وهن لجميل أفعالهم وعظم خلقهم فقالت له بلسان المرأة القوية الواثقة عند المصاعب والملمات:«كلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ».

وأسماء بنت أبي بكر تشارك النبي صلى الله عليه وسلم وأباها في الإعداد للهجرة النبوية وتوفير الطعام للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى أنها اضطرت يوما إلى شق نطاقها نصفين فسميت بذات النطاقين، وتحملت الأذى من أبي جهل في سبيل كتمان الخبر وعدم وصوله إلى لئام قريش، وغيرها من الأدوار التي قامت بها في سبيل نجاح الهجرة

وعائشة رضي الله أختها كانت تشارك زوجها النبي صلى الله عليه وسلم وتتعلم العلم منه وتبلغه وتفتي الصحابة والتابعين؛ فقد نقلت الكثير من آثاره صلى الله عليه وسلم لا سيما ما يختص بعالم حواء وما يشترك فيه الذكر والأنثى. والمرأة العمانية أيضا لم تكن بعيدة عن ذلك فقد أثبتت وجودها وبزت الرجال في أحايين متعددة فها هي الشيخة عائشة الريامي تصل منزلة عالية من العلم والمعرفة وتفتي الرجال والنساء جميعا في مسائل الدين. وتبوأت المرأة اليوم مناصب رفيعة في الدولة وظهرت كفاءتها وقدرتها على إدارة الأزمات والتخلص من العقبات وما زالت تؤتي ثمارها في كل حين فلا يمكن لجيل أن ينفصم عن نصفه الآخر أو يقلل من قدرته لأنه لا شك سيخسر الكثير، وعلى المجتمع أن يوفر السبل للنساء مساواة بالرجال، والفرص لا تقتصر على إيجاد الوظائف بل أعم من ذلك وأشمل في وجود فرص توفر لها الراحة وتجعلها مهتمة بالجيل أو الأجيال تربيهم وتعلمهم الحكمة وسلوك القدوة فلا نريد من المرأة أن تكون آلة كالمصنع أغلب خطواتها إلى المصنع بل نريد امرأة مربية تحرص على تربية أبنائها وإيجاد وقت للسؤال عنهم ومذاكرة دروسهم والجلوس بينهم فلا يمكن أن تترك هذه المهمة الخطيرة للخادمة أو العاملة وتبقى الزوجة وكأنها حالة استثنائية أو ثانوية في البيت بل يجب أن تكون المرأة قوية تجمع بين الأمومة والزوجة والأخت والبنت، وتسهم في تربية أبنائها وصنع وطنها والإسهام بما تعلمته من علوم ومشاركة الرجل في صنع الحضارة ولا يقتصر – كما ذكرنا- صنع الحضارة على العمل في وظائف حكومة أو قطاع خاص بل تعد تربية الأولاد وتنظيف البيت وكنسه وجعله أنيقا مشاركة في الحضارة والتقدم، قال تعالى:«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».