إشراقات

تنال حظها من التعليم

18 أكتوبر 2018
18 أكتوبر 2018

د. ناصر بن علي الندابي -

«ونحن نحتفي بيوم المرأة العمانية، فإننا نطالب المرأة أن تنظر إلى الجوانب المهمة التي ينبغي أن تركز عليها في المجتمع، ولا تنجر وراء كل ناعق داع إلى الحرية الجوفاء البعيدة كل البعد عن مبادئ ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة، وعليها أن تستثمر ما تقدمه لها النهضة المباركة في صالح المجتمع، فمن المعلوم أن المرأة هي نصف المجتمع بل لا نبالغ أن قلنا أنها كل المجتمع فهي المناط عليها بتربية النشء التربية الصالحة».

تعد المرأة جزءا لا يتجزأ من كيان المجتمع الإنساني، ومن يروم دراسة أي مجتمع دون المرأة فكأنما يقوم بفصل القلب عن الجسد، فهل من حياة له بعدها، حتما الإجابة لا، فهكذا هي المرأة في مجتمعنا، هي بمثابة القلب النابض الذي يحرك جوارح الجسد، ويعطيها مكانة وكيان، وحيوية ونشاط. وقد شغلت المرأة عبر عصور التاريخ ادوارا مهمة في المجتمع، وكانت تمثل عنصرا فاعلا في تسيير سياسية الدول، وتمثل جزءا مهما في كل قانون بشري عبر عصور الإنسانية في العصور الغابرة، لما تحظى به من تأثير على توجه إلى دولة.

وحين نقترب من الحضارة الإسلامية، فإننا نجد أن المرأة عاشت في عصر الجاهلية في ذل وصَغَار، ولم تكن لها قيمة ولا مكانة، ولا نبالغ إن قلنا أنها بلغت من الازدراء والتحقير أوجه على مستوى المجتمعات العربية حينها، إلا انه بظهور الإسلام أعطى لها المكانة المرموقة في المجتمع، وشملها بالعدل والمساواة، وأعلى من مكانتها، وجعلها في مصاف الرجال، بل فضّلها بعض الأحيان عليهم، كتفضيله للأم على الأب، وأصبحت ركيزة مهمة في حياة المجتمع الإسلامي، وعدّها نصف المجتمع، مما حدا بهنَّ للظهور والبروز في المجتمع إبان العصور الإسلامية، وتجلى ذلك فيما قمن به من أعمال رائدة آتت أكلها في المجتمع. ويكفينا في هذا الصدد أن نذكر أمهات المؤمنين زوجات المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه، والدور الذي قمن به في حياة الرسول عليه السلام وبعد مماته، ثم سارت الصحابيات ومن جاء بعدهنَّ على هذا النهج، وبرزت عدد من النساء في شتى ميادين الحياة.

وحين بزغ نور الإسلام على شبه الجزيرة العربية منطلقا من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصلت أشعته الذهبية إلى عمان، سار المجتمع العماني على ما سار عليه السلف الصالح من الصحابة ومن جاء من بعدهم في الاهتمام بالمرأة، فقد أولى لها المجتمع اهتماما كبيرا، وتكفّل بالذود عنها، وإحسان تربيتها، ولهذا دوَّنَ العلماء العُمانيون في مؤلفاتهم صور الاهتمام بها منذ الصغر، فأمروا وليها بتعليمها، وألزموه الإنفاق عليها ما دامت تحت رعايته حتى تتزوج، فتنتقل مسؤولية الإنفاق إلى زوجها، كما ألزموا الأب بالإنفاق على ابنته المطلقة، إن لم يكن عندها ذرية، أما لو كان عندها أولاد فألزموا مطلقها بالإنفاق على أبنائه، وأوجبوا على الأب أو الزوج الذي يرغب في السفر من أجل التجارة أو الحج أو أي أمر آخر يحتاج إلى فترة طويلة من الزمن، أن يترك لهم نفقتهم، ووصياً عليهم لرعايتهم.

وفي مقابل تلك الرعاية والاهتمام سنّ لها المجتمع بعض الأمور التي ينبغي أن تراعيها؛ لتصون عرضها من أن يدنّس أو تصبح عرضة لمرضى القلوب، فأمرها بإدناء الجلابيب، ورفع الخُمر فوق الأذقان، وستر الناصية، وكل زينتها ما عدا الوجه والكفين. كما مُنعت المرأة أن تجلس في السكك، والخروج في وقت سقوط الأمطار أو الريح العاصفة.

ولقد سمح المجتمع العُماني للمرأة أن تنال حضها من التعليم، فبرزت عدد من النساء العالمات على مر العصور الإسلامية، ومن بين تلك النسوة آمنة زوج الإمام جابر بن زيد العماني التي تلقت العلم على يد عدد من الصحابة الكرام، وكذلك عاتكة بنت المهلب بن أبي صفرة الأزدي العماني التي نالت حظها من التعليم على يد الإمام جابر بن زيد. وكذلك أختها هند بنت المهلب بن أبي صفرة التي تتلمذت على يد الإمام جابر بن زيد. ورُوي عنها بعض الحِكم كقولها:« النساء ما زُيِّنَّ بشيء كأدب بارع تحته لب طاهر»، وبرزت أيضا من البيت المهلبي سعيدة المهلبية التي كان لها مجلس لتعليم بنات جنسها.

ومن النساء اللواتي ظهرن أيضا في القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي الزهراء السقطرية فاطمة بنت حمد الجهضمية التي أرسلت أبيات شعرية تستغيث بها بالإمام الصلت بن مالك الخروصي حين نقض النصارى العهد في جزيرة سقطرى وقتلوا والي الإمام، ومما جاء في تلك القصيدة:

قل للإمام الذي ترجى فضائل

بأن يغيث بنات الدين والحسب

كم من منعت بكر وثيبة

من آل بيت كريم الجد والنسب

ما بال صلت ينام الليل مغتبطا

وفي سقطرى حريب بادها النهب

واستمر ظهور المرأة في ميادين العلم بعد ذلك فظهرت لنا الشيخ العالمة عائشة الريامية في دولة اليعاربة التي كانت لها مكانة سامقة في المجتمع في أواسط علماء عصرها، مما جعل الإمام سيف بن سلطان اليعربي – قيد الأرض- يستشيرها في أمر الإمامة ومبايعة الإمام.

ولم تتوقف مشاركة المرأة العُمانية في المجتمع على تربية النشأ والتعلم فحسب، بل شاركت الرجل في معترك الحياة. فبرزت في العديد من المهن كالغزل والنساجة، وطحن الدقيق، وحياكة الملابس، والمشاركة في موسم حصاد الثمار، بل بعضهن تعدين هذا الجانب إلى المشاركة في النشاط التجاري، فقد تعرضت المصادر لبعض النساء اللواتي مارسن البيع في الأسواق، ولكن لم تكن لهنَّ حوانيت دائمة، وإنما اقتصرت مشاركتهن على البيع لفترة وجيزة، ثم يخرجن من السوق بمجرد انتهاء السلعة التي يعرضنها والتي كان في أغلبها التمور.

وحينا نطل على كتب التاريخ وما أتحفتنا به من حضارة ونهضة ثقافية في عمان، نجد أن للمرأة دورا ونصيبا كبيرا منها، فلا تخلو قرية أو مدينة إلا ونجد فيها تلك المعلمة التي تقضي طوال نهارها في تدريس الفتية القراءة والكتابة، ثم توليهم اهتمام بقراءة كتاب الله عز وجل، ويظل الطالب في مدرستها حتى يختم كتاب الله تعالى قراءة وترتيلا، فيخرج من هذه المدارس وقد أمسك بزمام المهارات الأساسية التي تعينه للولوج إلى حلقات العلم الكبرى التي يقيمها عادة علماء عمان في الكثير من المساجد.

هكذا كانت تعيش المرأة العماني في العصور الإسلامية فقد عاشت في عزة وتمكين وحرية كفلها لها الإسلام، وظلت هكذا عبر عصور عمان، وحين أطلت النهضة المباركة على عمان، لم تنسى المرأة بل جعلتها في المكانة التي تستحقها، وأعطتها من الحقوق ما تكفل لها العيش بحرية واحترام واجلال.

وعليها أن تستثمر ما تقدمه لها النهضة المباركة في صالح المجتمع، فمن المعلوم أن المرأة هي نصف المجتمع بل لا نبالغ أن قلنا أنها كل المجتمع فهي المناط عليها بتربية النشأ التربية الصالحة، فكما يقول الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق

وحقيقة الأمر إن كان من كلمة يمكن أن نسطرها في هذا المقال ونحن نحتفي بيوم المرأة العمانية، فإننا نطالب المرأة أن تنظر إلى الجوانب المهمة التي ينبغي أن تركز عليها في المجتمع، ولا تنجر وراء كل ناعق داع إلى الحرية الجوفاء البعيدة كل البعد عن مبادئ ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة. وحين يطل عليها هذا اليوم فعليها أن تستثمره في صالحها فيما يخدم مصالحها ومصالح بنات جنسها، فتوصل صوتها إلى أصحاب القرار  في الحصول على حقوقها التي تجعلها تعيش حياة عزيزة كريمة، خاصة تلك التي تتعلق بالنسوة اللاتي ترملن أو تطلقن.

كما عليها أن تستثمر وسائل الإعلام المختلفة التي ستسلط الضوء عليها في هذا اليوم لتبث عبر هذه الوسائل المختلفة المبادئ والأسس التي ينبغي ان تسير عليها المرأة وأن تنبه أخواتها ان هناك دعوات مغرضة هدفها النيل من المرأة واستغلال جسدها في أغراض مادية سواء في الدعاية أو الإعلانات التجارية، أو استخدامهن في جلب الزبائن أو غيرها من الأمور الممتهنة التي ينبغي أن تتسامى المرأة عنها.

وتجعل من هذا اليوم منبرا للدعوة إلى الخير، والوصول إلى المرأة لتوعيتها للحفاظ على قيمها الإسلامية، وعادتها وتقاليدها التي تفخر بها، في ظل الهجمات الكبيرة الداعية إلى التحرر من ربقة هذه القيم، وهي لا شك أنها دعوات مغرضة تهدف إلى فساد المجتمع وجعل فتياته تنسلخ عن هويتها الإسلامية وعاداتها وتقاليدها العمانية الاصيلة. وعليها أن تقول للمجتمع بصوت عال أنها ما خلقت لمثل ذلك وإنما خلقت لتبني مجتمعا صالحا ومواطنا وطنيا يعرف حقوق الأمة ويرقى بمجتمعه إلى مراتب السمو والتحضر، وإن عليه أن يقف إلى صفها في وظيفتها المشرفة هذه.

ولا يمكن أن تنكر أي امرأة اليوم ما تقوم به السلطنة حكومة وأفراد من توفير فرص العلم والتنوير للمرأة في كل المؤسسات الأكاديمية والثقافية، فلا يبقى أمامها ولا يطالبها المجتمع إلا باستثمار كل هذه الفرص المتاحة لتجعل منها منطلقا للدعوة إلى الخير وإصلاح المجتمع، فصلاح المرأة هو صلاح المجتمع بأكمله وفسادها فساده.