adel
adel
أعمدة

قبل عشر سنوات

17 أكتوبر 2018
17 أكتوبر 2018

عادل محمود -

كتبت هذا المقال في 25/‏8/‏2008. وحنا مينه حي ... وأجده مناسباً وحنا مينه

غائب. أزيد على صفحات الموت، لهذه المناسبة بأنه نوع من النجاة.

*

أرسل حنا مينه وصية إلى جريدة الثورة السورية في أغسطس 2008 يقول فيها: “عندما ألفظ النفس الأخير، آمل وأشدد على هذه الكلمة ألا يذاع خبر موتي في أي وسيلة إعلامية مقروءة أو مسموعة. فقد كنت بسيطاً في حياتي وأرغب أن أكون بسيطاً في مماتي”.

ثم يطلب عدة طلبات غريبة:

“... أن يدعوا نعشي محمولاً من بيتي إلى عربة الموتى على أكتاف أربعة أشخاص مأجورين من دائرة دفن الموتى”.

“...لا حفلة تأبين. فالذي سيقال بعد موتي سمعته في حياتي...”

ثم يختم: “كل ما أملك في دمشق واللاذقية يتصرف به من “يدّعون أنهم أهلي”.

لا أدري ما الذي حدث لحنا مينه؛ حتى يكتب هذه الوصية، فلا بد أن يكون هناك سبب لهذا النزق الوداعي، فليست الشيخوخة، باقترابها الطبيعي من الحافة، ما يسبب هذا الرجاء بتصنيع نسيان غير ممكن، وإهمال مستحيل لكاتب كبير معروف كحنا مينه.

لقد تجاوز في طلبه كل ممكن. فمن غير المعقول ألا يذاع أو ينشر خبر وفاته، بعد عمر أطول كما نرجو، ومن غير الممكن ألا يسري التكريم الذي لقيه، في حياته، عند وطنه ودولته ومواطنيه... على ذكراه ومناقبه ومزاياه، في موته كما في حياته.

وإذا كان لهذه السطور أن تحاول اكتشاف أسباب الوصية، فليس هناك سوى ذلك الخوف من الموت. الموت الذي دائماً يطرق أبواب المطلوبين، فجراً وليلاً ونهاراً وهو ـ الموت، هذه الأيام ـ قد أكثر من الزيارات المفاجئة ... آخرها زيارته لمحمود درويش. ولا بد من أن حنا مينه قد هزه بعنف، غياب محمود الذي يصغره بسنين.

سيخالف الجميع وصية حنا مينه ... من أولها إلى آخرها بما في ذلك الإرث (الذي يبدو أنه موضع أخذ ورد بين من يدّعون القرابة)، فما زال لحنا المكان اللائق به في الحياة. وما دام يستيقظ كل صباح، ويتمطى فارداً أمامه كأس كونياك وجريدة ... فإنه يجب أن ينشد نشيد النصر على الموت يوماً آخر، كما كان يفعل بطل لورنس داريل في رباعية الإسكندرية، وكما فعل بطله النموذجي زوربا اليوناني.

.........

وأنا في جنازة حنا أردد: إن الموت يا أستاذ حنا ... ليس “حادثة” وحسب، بل هو “حديث” طويل أيضا، ولكن في مكان ناء ومجهول. وثمة هلاك ذكي في هذه الدنيا يمكن ترتيبه بهذه الجملة العبقرية:

“أنا لست أخشى الموت لأنني ـ ببساطة ـ لا أعرفه”.

وما من جملة أبلغ غموضاً في وضوحها من “الناس نيام إذا ماتوا... انتبهوا”.

ويكفي الحزن شرفاً ـ في هذه الأيام أن يكون مؤجلا ولكنه لم يؤجل .

............................

رحل حنا مينه، كأي سوري عادي هذه الأيام، محمولا على أكتاف أهله .

كان عدد الوزراء والمدراء أكثر من الكتاب والشعراء.