أفكار وآراء

الاحتباس الحراري.. أجندة سياسية أم خطر يهدد العالم؟

17 أكتوبر 2018
17 أكتوبر 2018

عبدالعزيز محمود -

ما من شك في أن التقرير الذي أطلقه قبل أيام الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ (IPCC) بشأن الاحتباس الحراري يشكل صيحة تحذير للعالم، فهو ينذر بتغيرات غير مسبوقة في مناخ العالم إذا استمر الارتفاع في متوسط درجة حرارة سطح الأرض فوق ١.٥ درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية وذلك بحلول عام ٢١٠٠.

التقرير يقول إن درجة حرارة سطح الأرض اليوم هي أكثر مما كانت قبل ٢٠٠ عام، وهذا ما يعرف بالاحتباس الحراري أو التغير المناخي، وهو ينجم عن زيادة انبعاث الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان وغازات أخرى) لأسباب بشرية المنشأ في الجو.

ولعل أهم هذه الأسباب هو التوسع في استخدام الوقود الأحفوري (النفط، الغاز الطبيعي، الفحم الحجري، الفحم النفطي الأسود)، والذي من المتوقع أن يغطي ٩٠٪ من احتياجات العالم من الطاقة بحلول عام ٢٠٣٠.

وهذا ما دفع الفريق وهو هيئة علمية تابعة للأمم المتحدة تأسس في عام ١٩٨٨ للتأكيد خلال اجتماعه في إنشيون بكوريا الجنوبية من ١ إلى ٥ أكتوبر الجاري على أن الاحتباس الحراري أو تغير المناخ أصبح خطرا يهدد حياة سكان الأرض.

وطبقا للتقرير الذي أعده الفريق الحكومي الدولي، والذي يكتسب أهميته من كونه ملخصا لستة آلاف دراسة و٩١ كتابا من ٤٠ دولة، فإن ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض فوق ١.٥ درجة مئوية (٢.٧ درجة فهرنهايت) سوف يتسبب في ارتفاع منسوب مياه البحر وتغيير هطول الأمطار واتساع دائرة التصحر في المناطق الاستوائية.

كما سيؤدي إلى ارتفاع أكبر في درجة حرارة القطب الشمالي وتراجع الأنهار الجليدية دائمة التجمد وحدوث موجات من الحرارة والجفاف وحرائق الغابات، فضلا عن هطول أمطار غزيرة وفيضانات وثلوج.

ومع تغير درجة حرارة الأرض سوف تنخفض إنتاجية المحاصيل الزراعية خاصة في إفريقيا (جنوب الصحراء الكبرى) وجنوب شرق آسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية، وانخفاض إنتاج المصايد البحرية العالمية بمقدار ثلاثة ملايين طن سنويا.

من جهة أخرى فإن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات سوف يعرض عشرة ملايين نسمة لخطر الغمر الدائم للمياه، إلى جانب انقراض آلاف الأنواع من الكائنات الحية وسط تقديرات ترجح اختفاء ١٨٪ من الحشرات و١٦٪ من النباتات و٨٪ من الفقاريات وموت ٩٩٪ من الشعب المرجانية.

هذه التهديدات دفعت الأمم المتحدة في يونيو عام ١٩٩٢ إلى إصدار الاتفاقية الإطارية المعنية بتغير المناخ والتي وضعت حدودا غير ملزمة لانبعاث الغازات الدفيئة عند مستوى يحول دون أن يشكل التدخل البشري خطورة على النظام المناخي العالمي لكن هذه الاتفاقية لم تتضمن آليات للتنفيذ.

وهذا تحديدا ما دفع المؤتمر ٢١ للأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي لإقرار اتفاق باريس للمناخ عام ٢٠١٥ والذي وقعت عليه ١٩٥ دولة بهدف تخفيف انبعاث الغازات الدفيئة والحفاظ على الزيادة في متوسط درجة حرارة الأرض دون ٢ درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

فأي زيادة عن هذا المعدل سوف تكون النتائج كارثية بسبب غرق الجزر الصغيرة في المناطق الاستوائية والقطب الشمالي، وهو ما يعني حكما بالإعدام على سكان جزر البهاماس والمالديف ومارشال.

وبموجب اتفاق باريس فإن علي كل دولة اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري بما في ذلك الحد من استهلاك الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة، وحظر استخدام الفحم وجميع مركبات البنزين والديزل، والتحول تدريجيا إلى مصادر الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح)، وإجراء تغييرات في أنظمة الطاقة وإدارة الأراضي والعمليات الصناعية وتصميم المدن خلال العقد القادم.

لكن هذه الشروط رفضتها دول متقدمة في مقدمتها الولايات المتحدة التي أعلنت انسحابها من اتفاق باريس للمناخ فور تولي الرئيس ترامب في عام ٢٠١٧، كما رفضت الالتزام مع دول أخرى بتقديم ١٠٠ مليار دولار (أو ١ ٪ من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي) للدول النامية بحلول عام ٢٠٢٠ لمساعدتها على مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري.

ومن جانبه، وصف الرئيس الأمريكي تحذيرات علماء المناخ المتعلقة بالاحتباس الحراري بأنها تخفي أجندة سياسية، رافضا تقديم أية أموال للدول النامية، وهو موقف شاركت فيه دول أخرى من بينها استراليا.

وفي المقابل تعهدت الصين والهند باعتبارهما تحتلان المركزين الأول والرابع عالميا من حيث حجم الانبعاثات الغازية المنبعثة منهما، بتقليص الانبعاثات الكربونية خلال عشر سنوات دون الإعلان عن التزامات محددة.

والحقيقة أن ١٧٠ دولة مسؤولة عن أكثر من ٩٠٪ من انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري في مقدمتها الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند وروسيا واليابان والبرازيل وإيران واندونيسيا وكندا، بينما قدمت الدول النامية خططا للمواجهة غالبا ما كانت مشروطة بالحصول على مساعدات.

ولعل هذا ما دفع الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في اجتماعه الأخير في إنشيون بكوريا الجنوبية للتحذير من أن أي تباطؤ في المواجهة والاستمرار في حرق الوقود الأحفوري وانبعاث الغازات الدفيئة بالمعدلات الحالية سوف يؤدي إلي ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض إلي ٣ أو ٤ درجات مئوية بحلول نهاية هذا القرن.

كما طالب الفريق في تقريره -الذي يعد السادس من نوعه- دول العالم بالتوسع في زراعة الغابات والمساحات الخضراء واستخدام تقنيات الطاقة المتجددة رغم كونها باهظة الثمن حتى لا تستمر ظاهرة الاحترار الكبير خلال القرن الحالي.

والمرجح أن يتحول هذا التقرير إلى خارطة طريق أمام مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالتغير المناخي والذي سوف يعقد في بولندا في ديسمبر المقبل، لكن تنفيذ توصياته يتوقف علي جدية قادة الدول في مواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري التي تهدد الحياة على هذا الكوكب.