أفكار وآراء

الأزمات الإقليمية والحاجة لآلية الحوار !

16 أكتوبر 2018
16 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

بعد حروب قاسية في أوروبا خلال الحرب العالمية الأولى والثانية وما خلفته من دمار وضحايا بالملايين من البشر اتفق الجميع بأن عهدا جديدا من الاستقرار لابد أن يسود هذه المنطقة من خلال آليات للسلم والأمن واعتماد مبدأ الحوار فيحل الخلافات بل وإيجاد منظومة تعاون اقتصادي انتهت بقيام الاتحاد الأوروبي المكون من 28 دولة أوروبية.

والحال كذلك ينطبق على آسيا حيث الحروب المدمرة التي مزقت دول القارة وأبرزها اليابان وكوريا والفلبين مما نتج عنه خسائر كبيرة جعلت قيادات القارة ينهجون النهج الأوروبي من خلال التركيز على التنمية الشاملة وانتهاج الحوار كوسيلة حضارية لحل القضايا الشائكة وإيجاد منظومة تعاون انتهت إلى قيام دول الأسيان.

ومن خلال النموذجين المشار لهما فإن المنطقة العربية شهدت هي الأخرى عدة حروب خلال نصف القرن الماضي ورغم وجود الجامعة العربية وقيام مجالس التعاون العربية إلا أن العرب فشلوا في إيجاد آليات تتماشى والمنهجية التي تم الحديث عنها في أوروبا وآسيا بل إن إفريقيا تتجه الآن الى نفس الآلية من خلال المصالحات بين دول القرن الإفريقي، كأحدث تطور في هذا الاتجاه.

هناك نماذج لأزمات في المنطقة لابد أن تحل في هذه المرحلة حتى يتفرغ العرب لحشد جهودهم نحو القضية الأهم وهي القضية الفلسطينية التي تتعرض لمؤامرات لم تعد خافية على أحد من خلال صفقة القرن وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات وعدوان مستمر من قبل الكيان الإسرائيلي.

آلية الحوار

المنطقة العربية تواجه حاليا عدة أزمات أهمها الحرب في اليمن والأزمة الخليجية والأوضاع المتدهورة في ليبيا وسوريا، وعدم انسجام العلاقات العربية-العربية والإشكالات بين بعض دول المنطقة وإيران وغيرها.

وإذا ما تم انتهاج منهجية الحوار كمبدأ أصيل كما حدث في الحالة الأوروبية والآسيوية فإن مرحلة جديدة سوف تشهدها المنطقة، وهو نفس النهج الذي أكدت وتؤكد عليه السلطنة، منذ خمسة عقود تقريبا من خلال خطابات وكلمات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - ومن هنا فإن حل تلك الأزمات ومن خلال ذلك المنظور الحواري سوف يفتح الآمال نحو إعادة وصياغة العلاقات العربية-العربية أولا، وبعد ذلك إيجاد حوار وتعاون مع الجارة إيران، على أسس متفق عليها، وهذا هو المنطق الصحيح في ظل تحديات عديدة وكبيرة تواجهها المنطقة، وخاصة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

إن الإدارة السياسية للقيادات لابد أن تكون حاضرة من خلال اتخاذ خطوات جادة لصالح تحقيق الأمن والاستقرار، واستغلال الثروات لصالح الشعوب بدلا من تكديس الأسلحة، في عالم يتسم بالمنافسة الاقتصادية وتسجيل نجاحات كبيرة على مستوى الصناعة والابتكار وإيجاد الفرص الكبيرة للشباب للإبداع، خاصة وأن العالم على عتبة الثورة الصناعية الرابعة.

المنطقة تحتاج الى إعادة التفكير في السياسات والسلوك من خلال إيجاد منهجية جديدة تتماشى والأخطار التي تتعرض لها المنطقة العربية عموما، فتلك الأزمات التي تمت الإشارة لها لا يمكن حسمها عسكريا كالحرب في اليمن والصراع في ليبيا وان كانت الأزمة السورية في الطريق إلى الحل بعد حرب مدمرة استمرت أكثر من سبع سنوات. وعلى ضوء الوضع الراهن فإن مقدرات المنطقة العربية تستنزف في صراعات لا جدوى منها، وهذا يفرض على القيادات السياسية أن تعيد النظر في المنهجية، وهذا شيء طبيعي عند حدوث ما لا يحقق المصالح العربية، فردية وجماعية، ومن ثم إعادة تقدير المواقف لتوجيهها في الاتجاه الأكثر ملاءمة.

أخطار متعددة في المنطقة

من الصعب التوفيق بين صراعات عسكرية وحروب إقليمية والتطلع الى السلام والاستقرار، حيث إن المنطقة الخليجية على وجه الخصوص قد عانت الأمرين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من خلال الحروب المتعاقبة والنتائج الكارثية التي خلفتها، ومن هنا فإن تكرار نفس السيناريو يعد من الأخطاء الكبيرة التي تضر بالحاضر وبمستقبل الأجيال الجديدة، التي تتطلع إلى مستقبل أفضل وأكثر ازدهارا.

فالحروب هي إهدار للطاقات والمقدرات، خاصة وأن تلك الأزمات، العسكرية منها والسياسية، يمكن حلها من خلال الحوار وهي ليست اكثر تعقيدا من حرب فيتنام القاسية مثلا، ومن هنا فإن المنطقة آن لها أن تستقر وتتخلص من كل تلك الأزمات ويبدو لي أن الوقت أصبح ملائما من خلال حزمة من المبادرات التي تفضي إلى حل تلك الأزمات وفتح صفحة جديدة من خلال الحوار الجاد والشفاف، بما في ذلك بين دول الخليج العربية وإيران، حيث لابد من إيجاد تلك الآلية والتي استخدمت قبل نصف قرن ونحن نرى الآن أوروبا وجنوب شرق آسيا تنعم بالأمن والاستقرار والتقدم الصناعي والتكنولوجي مع الاعتراف بأن هناك خلافات في بعض القضايا ولكن المنهجية استمرت من خلال الحوار ودور الدبلوماسية في حل تلك الخلافات وتقريب وجهات النظر، وطالما هناك مصالح وتنافس بين البشر فالخلاف وارد، ولكن من المهم تجنب العنف والحروب والقطيعة السياسية كمنهج في التعاطي مع تلك النزاعات .

منطقة الخليج هي منطقة حساسة ومهمة للعالم من خلال موقعها الاستراتيجي وما تحويه في باطنها من ثروات من الطاقة التي يحتاجها العالم الصناعي في ظل بروز قوى دولية جديدة تحتاج الى مزيد من الطاقة خاصة عملاقي آسيا، الصين والهند، وعلى ضوء نلك الحقائق فإن مسألة استقرار المنطقة والتركيز على التنمية هو الخطوة الأهم للمحافظة على المقدرات أولا والانطلاق نحو تحقيق الرؤية المناسبة لكل دولة.

فتحقيق الرؤى لا يمكن أن يتحقق في ظل الصراعات والانغماس في الحروب والخصومات السياسية ومن هنا فإن إطلاق حوار شامل يفضي الى إنهاء تلك الأزمات يعد المدخل الصحيح لمنطقة خليجية مستقرة ومنطلقة نحو تحقيق من الآمال والطموحات للشعوب، خاصة وأن دول المنطقة قد حققت طفرة تنموية كبيرة خلال العقود الخمسة الأخيرة.

الأخطار التي تحيط بالمنطقة كبيرة في ظل التنافسية والصراع على المقدرات وفي ظل جبهة عربية غير متماسكه، ومن هنا فإن الرأي العام العربي ينتظر انقشاع تلك الأزمات والدخول في مناخ يتسم بالواقعية السياسية والابتعاد عن الأخطار ودراسة الواقع السياسي بشكل حكيم بعيد عن الحسابات والتقديرات الخاطئة.

مجلس التعاون الخليجي

شكل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تطورا إيجابيا لصالح دول وشعوب المجلس، بل وللمنطقة العربية منذ انطلاقه عام 1981 وكان يمكن أن يكون على غرار التكتلات الاقتصادية في أوروبا وجنوب شرق آسيا من خلال التعاون في المجالات المختلفة، وبصرف النظر عن تنوع الرؤى إلا أن هذا المجلس شكل سياجا أمنيا مهما وكتلة اقتصادية للدول الست والتي تتماثل أنظمتها في كل شيء تقريبا ومن هنا فإن مجلس التعاون يعيش هاجس تلك الأزمات وخاصة الأزمة الخليجية التي حان الوقت لحلها بين الأشقاء الذين تربطهم وشائج كبيرة معروفة، خاصة وأن الخلافات واردة ولكن الجلوس من خلال منهجية الحوار والنقاش يمكن أن تنهي أية خلافات. وكما تمت الإشارة فإن الخلافات تعد شيئا واردا في إطار العلاقات بين الدول ولكن استمرار تلك الخلافات يضر بمسيرة مجلس التعاون والذي يعد المنظومة العربية التي صمدت بعد غياب مجلس التعاون العربي والمجلس المغاربي كما أن الأمل يحدو الجميع في أن تنهض الجامعة العربية من كبوتها وتستعيد دورها القومي وتساهم في إطلاق منهجية الحوار حتى يكتمل التضامن العربي الذي تم الحديث عنه في مقال أمس.

العالم شرقه وغربه ينطلق في مسار التحديث والتكنولوجيا والتطوير وبناء الإنسان بعيدا عن الصراعات والأزمات والحروب وهذا يتطلب من العرب فكرا سياسيا جديدا ومنهجية مختلفة للتعاطي مع عالم اليوم لأن بقاء الوضع على ما هو عليه سوف يأتي بنتائج كارثية على المنطقة والتي تحتاج الى رؤية سياسية جديدة والى تنشيط الخيار الدبلوماسي لحل تلك الأزمات.

إن الوضع في المنطقة والظروف المحيطة بها تعد صعبة وغير مريحة وتنذر بعواقب سلبية المنطقة في غنى عنها، ومن هنا فإن إنهاء تلك الأزمات في هذه المرحلة وفي ظل صعوبة الحسم العسكري والانتصار السياسي فإن المنطق يفرض البحث عن خيارات أخرى، ويبدو أن منهجية الحوار تظل هي الخيار الوحيد لخروج المنطقة من المازق الحالي والدفع بها الى أجواء التفاؤل والعيش بسلام وتعاون بين الدول على ضفتي الخليج بعيدا عن كل تلك المشكلات التي لن تجلب الخير للمنطقة وشعوبها.