أفكار وآراء

آليات تنشيط السوق الإعلامي

14 أكتوبر 2018
14 أكتوبر 2018

أ.د. حسني نصر -

باستثناء بعض المبادرات المحدودة في مجال الإعلام الإلكتروني، لم يشهد سوق وسائل الإعلام في السلطنة في السنوات الأخيرة تغيرات ملحوظة تواكب التغيرات التي يشهدها السوق الإعلامي العالمي، التي من أبرزها دخول منافسين جدد وزيادة عدد منصات النشر الإعلامية الرقمية سواء كانت مواقع إلكترونية أو تطبيقات هواتف ذكية أو حسابات على شبكات التواصل الاجتماعي.

الذي يحدث في السوق الإعلامي العماني يبدو عكس ما يحدث في السوق العالمي، إذ تتراجع الصحف الورقية ليس على مستوى العدد، وإنما على مستوى المنتج الصحفي الذي تقدمه. فالصحف الورقية في السلطنة تتجه إلى خفض عدد صفحاتها وإلغاء بعض الملاحق والإصدارات الخاصة التي اعتادت على تقديمها لسنوات طويلة، مثل الملاحق الثقافية. والمتابع للصحافة العالمية يستطيع أن يلحظ أن الصحف الورقية وبعد أن وظفت كل منصات النشر الإلكترونية تتجه إلى زيادة صفحاتها وملاحقها وخدماتها الإعلامية حتى تستطيع التجاوب مع المساحات الجديدة التي إضافتها المنصات الجديدة. وعلى مستوى القادمين الجدد فإن السوق الإعلامي العُماني لم يستقبل سوى عدد محدود من المشروعات الإعلامية الجديدة في السنوات الأخيرة، خاصة في مجال الإعلام الجديد، رغم أن معوقات دخول هذا السوق تكاد تتلاشي في العالم كله.

إن فهم ما يحدث في السوق الإعلامي الوطني يقتضي التأكيد على بعض المسلمات. ففي مجتمع المعلومات المعاصر تلعب وسائل الإعلام دورا مهما للغاية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والحفاظ على الاستقرار السياسي وتعزيز الصورة الذهنية للدولة في العالم. وقد غيرت المخترعات في تكنولوجيا المعلومات والاتصال أنماط استخدام الجمهور لوسائل الإعلام وسهلت عملية دخول السوق الإعلامي لمنافسين جدد، كما سهلت تقديم أنماط جديدة من وسائل الإعلام. هذه التغيرات شملت ليس فقط البنية التقنية والثقافية والاجتماعية لوسائل الإعلام، ولكن البنية الاقتصادية لهذه الوسائل. فالجمهور أصبح يستخدم مجموعة كبيرة من الوسائط الإعلامية في وقت واحد لتلبية احتياجاتهم من المعلومات والاتصالات والترفيه. ومن هنا يصبح من الضروري التجاوب مع هذه التغيرات ووضع البني الاقتصادية والتجارية لوسائل الإعلام العمانية مزيدا من الاهتمام.

وقد أدى تحرير سوق وسائل الإعلام إلى خفض معوقات دخول السوق. وبسبب دخول لاعبين جدد إلى السوق وزيادة العولمة في غالبية دول العالم، فقدت الأسواق المحلية القائمة أهميتها، واتجهت وسائل الإعلام الوطنية إلى البحث عن أسواق خارجية لها. ويتم تشكيل التحالفات الإعلامية الاستراتيجية بشكل متكرر أكثر على المستوى الدولي. وقد شهدنا في السنوات الأخيرة كيف غيرت التطورات الجوهرية في تكنولوجيا المعلومات والاتصال صناعات كثيرة. ويعود هذا التغيير في الأساس إلى زيادة سيطرة «الرقمنة» الناتجة عن العصر الرقمي والثورة الرقمية التي دخلت سوق الوسائط الإعلامية المتعددة، وهو ما أدي إلى تغيرات جوهرية في بنية الاتصالات والكمبيوتر والترفيه والصناعات الإعلامية بشكل عام. وعلى وجه الخصوص، أدى انتشار الإنترنت وتحولها الى وسيلة للاتصال الجماهيري إلى ظهور فرص جديدة لاستخدام وسائل الإعلام. أذ تسمح الأشكال التفاعلية باندماج هذه الوسائل بشكل أكثر شمولاً، كما تسمح بإنتاج نسخ شخصية من المحتوى الإعلامي تناسب احتياجات القطاعات المختلفة من الجماهير، وهو ما بات يعرف بظاهرة «شخصنة المنتجات الإعلامية». علاوة على ذلك، تمثل الإنترنت الآن قناة توزيع معتمدة لكل وسائل الإعلام تقريبا، وهو ما جعل استخدام قنوات التوزيع المختلفة ومنصات النشر الإعلامية المختلفة عاملا مهما من عوامل نجاح المؤسسة الإعلامية.

الواقع أن وسائل الإعلام في السلطنة لم تتخلف عن الركب العالمي في هذا المجال، إذ أصبح للصحف ومنذ سنوات طويلة مواقع على الويب تم تطويرها وتحديثها مرات عديدة، كما استفادت الصحف من منصات النشر الجديدة الناتجة عن ثورة شبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية. ومع ذلك فان السوق الإعلامي ما زال في حاجة ملحة للمزيد من المنصات والتطبيقات الإعلامية التي تلبي حاجة الجمهور من جانب وتزيد ربحية وسائل الإعلام من جانب آخر.

إن الأمر بات يتطلب ما هو أكثر من الأمنيات الطيبة وما هو أكثر من الرضا بالوضع القائم بزعم أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان. إذ أصبح بالإمكان بالفعل تطوير وسائل الإعلام والاستفادة من الثورة التكنولوجية، بما يعود بالنفع على وسائل الإعلام الوطنية، ويحقق مفهوم السيادة الإعلامية الوطنية، ويعزز التواجد الإعلامي للسلطنة في السوق الإعلامي العالمي. لقد حان الوقت ليس فقط لبحث وتحليل تطور الصناعات الإعلامية المختلفة في السلطنة، ولكن أيضا لمناقشة الفرص التي وفرتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال في إدارة الشركات الإعلامية المختلفة وكيفية الاستفادة منها بالإضافة إلى تحديد المخاطر المتوقعة وكيف يمكن تجنبها. لقد أصبحنا أمام مفهوم جديد لوسائل الإعلام يتجاوز التقسيم التقليدي كما يتجاوز الحدود التقليدية التي ما زلنا نستخدمها في الفصل بين وسائل الإعلام الوطنية بعضها البعض بناءً على التكنولوجيا المستخدمة في إنتاجها، وتوزيعها على الصحافة والإذاعة والتلفزيون. إن المفهوم الجديد لوسائل الإعلام الذي يجب أن نتبناه يشمل كل الوسائط أو الأدوات التقنية الضرورية لنقل وتبادل المعلومات في أشكال مطبوعة أو مرئية أو مسموعة، بالإضافة إلى المؤسسات والمنظمات التي تتولي ذلك والتي تعمل في مجال إنتاج المعلومات وتوزيعها على الجمهور. وعلى هذا الأساس فإن كل الشركات التي تقدم المحتوى المعلوماتي والترفيهي لجمهورها أو لأسواق الإعلان تنتمي إلى قطاع وسائل الإعلام. ويشمل ذلك بالطبع الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والسينما والكتب والموسيقى والإنترنت. إن من الضروري تغيير نظرتنا القديمة إلى مؤسساتنا الإعلامية، ومواكبة الاتجاهات الحديثة في هذا المجال. وأول خطوات هذا التغيير يتمثل في التعامل مع هذه المؤسسات بوصفها كيانات اقتصادية تتولي إنتاج المعلومات والترفيه وتوزيعها على الجمهور، أي إنتاج وتسويق المنتج الإعلامي. ويرتبط بذلك الاهتمام باقتصاديات وسائل الإعلام، ونعني بها الأنشطة المالية والتجارية للشركات التي تعمل في مجال الصناعات الإعلامية المختلفة. والمعروف أن اقتصاديات وسائل الإعلام تهتم بكيفية قيام الصناعات الإعلامية بتوفير الموارد لإنتاج محتوى معلوماتي أو ترفيهي يلبي حاجات الجمهور والمعلنين والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وكذلك كيفية استخدام هذه الصناعات الموارد المحدودة لإنتاج محتوى يتم توزيعه على الجمهور.