1009231
1009231
العرب والعالم

إزالة الأنقاض من شوارع مخيم اليرموك في دمشق بانتظار إعادة الإعمار

12 أكتوبر 2018
12 أكتوبر 2018

اليرموك (سوريا) - (أ ف ب) - بين أبنية مدمرة، تشق جرافة صفراء طريقها لتتوقف أمام تلال من الركام تحجب الرؤية عما خلفها، قبل أن يبدأ سائقها برفع الأنقاض تدريجياً ونقلها إلى شاحنة قريبة في أحد أحياء مخيم اليرموك في جنوب دمشق الشاهد على سنوات النزاع.

وتحول مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين خلال سنوات الحرب رمزاً لمعاناة قلّ نظيرها، بعدما شكل ساحة معارك بين أطراف عدة تناوبت على السيطرة عليه، وتعرض لقصف عنيف وحصار محكم دفع سكانه للفرار منه.

في أروقة المخيم الخالي من سكانه، يطغى مشهد الدمار على ما سواه. ولا يتردد في أنحائه إلا ضجيج جرافات وشاحنات تتنقل بين شوارعه الضيقة، بعد نحو خمسة أشهر من سيطرة القوات الحكومية عليه إثر طرد تنظيم داعش منه.

ومنذ ثلاثة أسابيع، بدأت عملية إزالة الأنقاض من المخيم في إطار خطة مشتركة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة السورية يتوقع أن تستمر شهراً إضافياً.

ويقول المهندس محمود الخالد (56 عاماً)، عضو لجنة الإشراف على المشروع، لوكالة فرانس برس «عندما دخلنا في اليوم الأول، كان المشهد مرعباً وصادماً للغاية، لكن الصورة بدأت تتضح بشكل أفضل بعدما باشرنا التنظيف».

ويوضح «أزلنا 50 ألف متر مكعب من الأنقاض، وفتحنا كل الطرق الرئيسية، والهدف التمهيد لإعادة إعمار المخيم وإعادة السكان إلى بيوتهم» في مراحل لاحقة.

وأظهرت نتائج مسح أولي للأضرار، الحاجة إلى إزالة 20 في المائة من أبنية المخيم بشكل كامل، بينما يحتاج 40 في المائة إلى أعمال ترميم وتدعيم، بينما البقية صالحة للسكن.

ويُعد مخيم اليرموك أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وكان يعيش فيه قبل اندلاع النزاع 160 ألف شخص بينهم سوريون. لكن الحرب التي وصلته في العام 2012 مع سيطرة الفصائل المعارضة عليه وحصاره من القوات الحكومية ثم تسلل تنظيم داعش إليه في 2015، أجبرت سكانه على الفرار داخل سوريا وخارجها.

في بداية العام 2014، نشرت الأمم المتحدة صورة تعتبر حتى الآن من أكثر الصور تعبيراً عن مآسي المدنيين في سوريا، تظهر حشوداً ضخمة تخرج سيراً على الأقدام بين الأبنية المدمرة في اليرموك للحصول على مساعدات وصلت إلى المخيم.

بانتظار «قرار الحكومة»

ويكاد لم يسلم شارع أو حارة من الدمار جراء الغارات والقصف على المخيم. ونقل مراسل فرانس برس مشاهدته لأدراج معلقة بأبنية، ومنازل لم يبق منها سوى بضعة جدران أو أعمدة، وأخرى تحولت إلى تلال من الحجارة.

على نقطة أمنية عند مدخل المخيم، يضع جنود سوريون كمامات لتجنّب تنشق الغبار المتصاعد من عملية إزالة الأنقاض. وفي الأزقة الضيقة، ينهمك سائقو الجرافات برفع حجارة ضخمة وقضبان حديد ملتوية، بينما تغادر شاحنات تباعاً لإفراغ حمولتها.

يشير الخالد، ابن مخيم اليرموك، إلى منزله المتضرر ثم مكتبه المدمر وبيوت عائلته، ويقول «أعرف كل زاوية في المخيم. هنا ترعرعتُ وكبرت وأنا متفائل بعودته إلى سابق عهده».

وتضع دمشق إعادة الأعمار على سلم أولوياتها.

وكرر الرئيس بشار الأسد مراراً إن بلاده ستعتمد على دعم «الدول الصديقة» في إعادة الإعمار في وقت قدرت الأمم المتحدة كلفة الدمار في سوريا بنحو 400 مليار دولار.

ولم تتضح الخطوات المقبلة التي ستلي عملية إزالة الأنقاض من شوارع اليرموك، إذ تحتاج إعادة الإعمار إلى «جهود دولية»، وفق الخالد.

ويوضح مدير الإدارة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في سوريا أنور عبد الهادي لفرانس برس أن بدء «إعادة الإعمار بانتظار قرار الحكومة السورية» التي تدرس مخططاً لإعمار كافة المناطق المحيطة بدمشق.

ورداً على سؤال عما إذا كان يتم التواصل مع جهات دولية للمساهمة في إعادة إعمار المخيم، يقول «سنتواصل مع الجميع عندما نتفق مع الدولة على خطة إعادة الإعمار».

وأدت إزالة الأنقاض إلى فتح الطريق الرئيسي المؤدي إلى «مقبرة الشهداء» الشهيرة التي دفن فيها مئات المقاتلين الفلسطينيين الذين حاربوا إسرائيل، فضلاً عن قيادات مهمة أبرزهم القيادي العسكري في حركة فتح خليل الوزير والمعروف بأبو جهاد ومؤسس حركة «الجهاد الإسلامي» فتحي الشقاقي.

ويطلق الفلسطينيون على مخيم اليرموك تسمية «عاصمة الشتات». وقد شكل قاعدة أساسية لأهم الفصائل الفلسطينية على رأسها فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وانطلق منه العمل المسلح ضد إسرائيل بقيادة ياسر عرفات في العام 1965.

وقتل المئات من أبناء المخيم أيضاً في المعارك مع الإسرائيليين خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982.

«أسى شديد»

ويبدو أن عودة السكان إلى المخيم «صعبة جداً» في وقت قريب، وفق الأمم المتحدة، جراء غياب كامل للبنى التحتية من مياه وكهرباء ومنشآت صحية وخدمات أساسية.

ولم تدخل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى المخيم منذ العام 2015، أي منذ سيطرة داعش على الجزء الأكبر منه. كما لم يُسمح للمدنيين بالعودة اليه منذ مايو.

وتقدّر المنظمة فرار 120 ألف فلسطيني من سوريا خلال سنوات النزاع، بينهم عدد كبير من سكان مخيم اليرموك.

ورغم تقدّمه في السن، يشارك إبراهيم عم علي (74 عاماً) في الإشراف على عملية إزالة الأنقاض. يتجول بين الجرافات غير مكترث بالغبار والتراب الذي ملأ شعره وثيابه.

ويقول الفلسطيني، ابن اليرموك وأحد أعضاء لجنة إزالة الأنقاض، «شعرتُ بأسى شديد حين شاهدتُ المبنى الذي عشت فيه وإخوتي مدمراً .. اليوم تشتّتنا وتبعثرنا».

ويتمنى «مساعدة الدول الصديقة في إعادة إعمار المخيم»، ويقول «كل ما له بداية، له أيضاً نهاية. وها قد بدأنا».

ويتابع «قد لا أشهد إعمار المخيم بشكل كامل، لكن يكفيني أنه كان لي شرف المشاركة في البداية».