Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: اجتماعيتنا أدوم.. بقاء

12 أكتوبر 2018
12 أكتوبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

مفطورون على اجتماعية عميقة التشكل والتكوين، نحملها وشاحا نفاخر به في كل محطات حياتنا اليومية، ونرى من خلالها على أننا لسنا شيئا بدون هذه الاجتماعية المتأصلة بين جوانحنا، نشرب ونأكل من خلالها، نقيم علاقاتنا المختلفة بها، نراوح بين خطواتنا الحاضرة واللاحقة عبرها، ننام ونصحو متدثرين بعباءتها الفضفاضة، بل نراهن عليها في كل شؤون حياتنا اليومية، فهذا قريب، وهذا صديق، وهذا تربطنا به علاقة نسب، وهذا جار، وهذا أخ، وهذا يقرب لقريب نعرفه، وهذا جمعتنا به لمة أسرية، أو أخوية، أو صداقة، أو زمالة، أو رحلة عمل، أو رحلة دراسة، أو مصادفة في بلاد بعيدة، وهكذا نستجلب علاقاتنا بالآخر من خلال هذه المواقف المتكررة، والنادرة الحدوث، نقطع المسافات البعيدة بمئات الكيلو مترات؛ لأن فلان من الناس حدث عنده أمر ما من أمور الحياة؛ ولا يصح أن لا نشاركه فعالية ما حدث، في الأفراح والأتراح.

ننتقي أجمل الهدايا وأغلاها لأن فلانا يحتفل بمناسبة ما، نتجشم عناء البحث عن أجمل هدية، عن أغلى هدية، حيث تحمل هذه الهدية بين ثناياها كل مشاعرنا الصادقة، وكل أمنياتنا الطيبة، وكل دعائنا المخضب بالود، يقينا الآخرون لم يطلبوا منا بصورة مباشرة هذه الهدايا، ولم يطالبونا بكل هذا الصدق في مشاعرنا؛ وإن كانوا يتعشمون منا ذلك كله؛ وإنما نحن من نبادر، ونحن من يجب أن يعبر عن مكنونات قلبه تجاه هذا وذاك، ولا ننتظر أبدا أن يطلب منا الآخرون هذا الزخم الشعوري كله، المعبأ بالصدق والمحبة والمودة، ولذلك عندما نسيء من جانبنا في جوانب هذه العلاقات القائمة في أشكالها المختلفة، فإننا بذلك نناقض أنفسنا، وننقض العهد الذي نبرمه كل يوم مع أنفسنا، والأخطر من ذلك أكثر أن نستحضر حلم من وددناهم، ومن قربناهم، ومن أنزلناهم المنازل المباركة فنستمرئ في مغالطاتنا المختلفة، وما أكثرها لأننا نبني تصورات أحلامهم على أنها القادرة على الغفران، وعلى المسامحة، وعلى الرضا، وما كان يجب أن نكون في مثل هذه المواقف إطلاقا، والمخزي أكثر أن نعمق هذا الاستمراء الى حد الاستغلال، حيث تنتقل معززات هذه الاجتماعية كلها من حالة اليسر الى حالة العسر، ومن حالة الصدق الى حالة الكذب، ومن حالة الاطمئنان، الى حالة التوجس والخوف، ومن حالة الرضا الى حالة الزعل والصدام، ومن حالة الأخوة الى حالة العداوة، ومن حالة الأنسنة الى حالة الشيطنة.

اجتماعية الإنسان مشروع جميل، وممتد، ومعقد، ومتداخل، ومتشعب، وبقدر مكاسبنا الكثيرة منه في تعزيز تقاربنا كبشر، بقدر خسائرنا الكثيرة عندما ننزله منازل الاستغلال، واقتناص الفرص، والذهاب به الى حيث مبدأ الربح والخسارة، حيث تكون الخسارة كبيرة، لأن تجريح للمشاعر، وتقويض للبنى الإنسانية المختلفة المعززة؛ أصلا؛ للبقاء والاستمرار، ولذلك فالذين لا يتريثون في التعامل الحذر مع معززات هذه الاجتماعية يتعرضون الى خسائر قاسية، لأن بقاء الإنسان واستمرار وجوده في هذه الحياة لن يكون قائما؛ فقط؛ على معززات مادية فقط (أكل، شرب، وسائل نقل، أدوات لاستعمالات مختلفة) وإنما قائمة أكثر على ثيمة اجتماعية تتوغل بين مفاصل هذه الأشياء كلها.

استكثروا من معززات اجتماعيتكم أكثر، فذلك بقاؤكم عبر امتداد جغرافية المكان الذي تعيشون فيه، وتتفاعلون من خلاله، فهذا جار من ذوي القربى، وهذا جار تجمعك به جغرافية المكان، وكلاهما ينضحان بالود، فذلك رهان بقائكم جميعا عبر امتداد المكان، وعبر امتداد الزمان، لا تقولوا ماذا يفيدنا هذا أو ذاك، فقربه منكم تعزيز لوجودكم، وكلما اقتربت النفوس أكثر، اقتربت الأماكن أكثر، وكلما تلاحمت المشاعر أكثر، كلما قويت البناءات الإنسانية أكثر، وحتى إن استقوت عليكم المدن وحاولت ابتلاع ما تبقى من اجتماعية متناثرة هنا أو هناك، فقاوموها، فانتصاركم أكثر تأثيرا من قدرة الكتل الإسمنتية على ذوبان اجتماعيتكم المباركة.