tunis
tunis
أعمدة

تواصل: في ثنايا الحالة !

09 أكتوبر 2018
09 أكتوبر 2018

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول : « ما قبل الحالة »

فور إعلان المؤسسات المعنية بالأرصاد الجوية عن حالة مدارية متوقعة قد تتعمق لتصبح إعصاراً مدارياً ، تبدأ العديد من الحسابات الشخصية لعدد من المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي في سرد تفاصيل ما ستترتب عليه الحالة الجوية المدارية ، وتوقع المحافظات التي ستتعرض للتأثير المباشر لتلك الحالة رغم أن المؤسسات المعنية بالأرصاد الجوية لم تعلن حينها ذلك لكنهم يعرفون أكثر منها بكثير فبحسبهم البحث في محرك البحث « جوجل » مكنهم من أن يصبحوا متخصصين أكثر من متخصصي الأرصاد الجوية ، وذلك أيضاً خولهم لإقلاق الأقل وعياً من المحيطين بهم مباشرة أو عبر النشر في الرسائل الجماعية في الواتس أب أو وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى بادعاء معرفة فداحة الوضع الذي ستؤول إليه المناطق التي ستتأثر بالإعصار ربما بالاستناد على تقارير دولية غير موثوقة عن توقعات الحالة المدارية ، يفعلون كل ذلك ثم يقولون : هذا والله أعلم !!

مشهد ثانٍ : « خلال الحالة »

يتبادل بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات لأودية وما يبدو كفيضانات في الشوارع وتحطم في بعض اللوحات الإرشادية في الطريق ويكتبون أنها تصوير اليوم في منطقة يحددونها بحسب معرفتهم لأماكن تركز الإعصار المداري أو المنخفض الجوي العميق، ينشرونها في حساباتهم ثم تنتشر وتدخل الذعر في قلوب القريبين من تلك المنطقة خوفاً من وصول التأثيرات المماثلة لهم أو حتى على أحبتهم في تلك المناطق المتضررة بحسب الفيديو ، مع أن تلك المقاطع المرئية قد تكون عائدة لسنوات ماضية ولحالات مدارية أكثر سوءًا من الحالة المدارية المعلن عنهم في توقيت تداولها ، يفعلون ذلك بقصد التمتع برؤية ردات الفعل الخائفة ربما بجهالة وسوء تقدير للعواقب المترتبة على رؤية المشاهدين لتلك الفيديوهات ، ثم عندما ينبههم أحد المستخدمين لخطأ نشرهم هذا الفيديو أو ذاك في هذا التوقيت الحرج بكل ما يشهده من مغالطات ، قد يقولون ببرود واضح إن ردوا: المؤسسات الرسمية لا تخبر عن كل المعلومات بشفافية ونحن نقصد من النشر هو التنبيه والتحذير فقط !!.

مشهد ثالث : « ما بعد الحالة »

يتنافس بعض المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي في الذهاب للمناطق المتأثرة تأثيراً مباشرا من الحالة المدارية كي يثبتوا أنهم بالقرب من أحداث المجتمع، بالتالي هم يستحقون أن يلقبوا بناشطي مجتمع ، أو كي يلتقطوا فيديوهات لأنفسهم وهم في قلب الحدث وكأن وجودهم سيعجل من إعادة الأمور إلى نصابها من انسيابية الحركة وعودة الحياة الطبيعية خصوصا في حالة الأعاصير المدارية ، ستشعر لوهلة في أن من لم يذهب لتلك المنطقة المتأثرة سيشكك في حرصه على التفاعل مع أزمات المجتمع وبالتالي لن يتم تكريمه مستقبلاً في كل ما هو متعلق بتقدير الحكومة للناشطين الاجتماعيين!.

تستنفر المؤسسات المعنية بالأرصاد الجوية في كل مرة ترصد فيها حالة مدارية تستدعي تنبيه المواطنين والمقيمين وتصدر بيانات دورية تطلعهم على ما استجد من تطورات في الحالة سواءً عبر المؤسسات الإعلامية أو حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي ، وقد بنت هذه المؤسسات مع المركز الوطني لإدارة الحالات الطارئة مستوى من الثقة مع المواطنين والمقيمين عبر السنوات الماضية، إذ أظهرت التجارب السابقة في تعاملها مع الأعاصير أو المنخفضات المدارية العميقة مستوى من النضج والخبرة في إدارة هذه الحالات المدارية ، كما انتقل هذا بدوره على حرص مستخدمي التواصل الاجتماعي في الحصول على المعلومة من حسابات المصادر الرسمية في تلك المنصات لكن مازال هناك من يستهويهم نشر الإشاعات بالتهويل وادعاء أن المؤسسات الرسمية لا تعطي المعلومات الكاملة عن حقيقة الوضع في المناطق ذات التعرض المباشر للحالة المدارية خصوصاً في حالة الأعاصير ، وبالتالي تنشط لديهم الرغبة في تقمص دور أخصائي الأرصاد الجوية الذي يحلل الخرائط ويقدر شكل الخسائر المستقبلية في مناطق التأثر المباشر ، وهو بدوره لا يكتفي بأن يوهم نفسه بأنه مطلع ولديه ثقافة عالية في هذا الجانب بل يدفعه تعظيمه لمستوى اطلاعه بأن يصول ويجول في نشر المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي ألفها بمفرده أو ربما بالاستناد على بعض التقارير الدولية في الأرصاد الجوية التي ربما لم يقرأها بشكلها الدقيق.

هناك أيضاً من المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي من يحول حسابه بالكامل خلال فترة الحالات المدارية العميقة التأثير إلى حساب إخباري يبث من خلاله أخبار الحالة وجديدها وهذا يحسب لهؤلاء في حالة كانت المعلومات دقيقة وتم استقاؤها من مصادر رسمية موثوقة لأن عدد متابعيهم قد يصلون لعشرات أو مئات الآلاف وبالتالي تحديثات الحالة المدارية قد تصل لأكبر قدر ممكن من المتابعين ، لكن هناك من هؤلاء المؤثرين من تدفعه الرغبة في الظهور وإشعار متابعيه أنه أسرع في نقل المعلومة من الصحفي والإعلامي المتخصص في بث معلومات غير موثوقة استناداً على معلومات وردت من مصادر قيل له أنها من نفس منطقة الحدث يتبين لاحقاً أنها كانت مبالغة جداً أو غير حقيقية .

رغم مستوى المؤسسات المعنية بالأرصاد الجوية ووعي نسبة كبيرة من المواطنين والمقيمين في استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية ، تأتي الحالات المدارية العميقة في كل مرة وتأتي معها ممارسات غير مقبولة في نقل المعلومات لا تحدث إلا في ثنايا الحالة!.