salem
salem
أعمدة

نوافذ: ســطــوع الذاكـرة

08 أكتوبر 2018
08 أكتوبر 2018

سالم بن حمد الجهوري -

[email protected] -

المؤتمر الدولي السابع الذي افتتح يوم أمس تحت عنوان «العلاقات العمانية البريطانية» الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية يعد فرصة كبيرة ومهمة للعامة أن يطلعوا على نموذج دولي من العلاقات بين الدول، وللباحثين للتزود بأهم التفاصيل حول ديمومة تلك العلاقات بين البلدين التي استمرت 4 قرون من الزمن دون تقريبا أي منغصات فيها.

هذا المؤتمر الدولي الكبير الذي احتشد له المهتمون من بقاع الدنيا، للدلالة على مكانة عمان أولا على وجه الكرة الأرضية ودورها الكبير في التأثير بتلك الأحداث طيلة الفترة إقليميا ودوليا، وثانيا توسعها جغرافيا فيما وراء البحار التي أثرت بهويتها ونمطها على عدد من الشعوب، ونشرها للإسلام بشرق إفريقيا ووسطها التي توغل فيها العمانيون وصدوا عديد الحملات الاستعمارية فيها، وكذا في شرق وجنوب آسيا.

تسليط الضوء من خلال المحاور التي حددت وهي السياسي والتاريخي الذي يعد الأهم والاقتصادي والثقافي، وكلها تهدف إلى إلقاء الضوء على أبعاد العلاقات العمانية البريطانية وآثارها في مختلف المجالات، وعلى المعاهدات والاتفاقيات في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية ومجالات التعاون الأخرى، وتأثير المواقف البريطانية على الأوضاع الداخلية في عمان والتعريف بدور الأسطول العماني والتجاري في المحيط الهندي، واستعراض وتحليل الوثائق والمخطوطات المتعلقة بالسلطنة التي تضمها المكتبات والأرشيفات البريطانية.

اليوم نحتاج إلى مراجعات لحالة هذه العلاقة المتميزة بين مسقط ولندن، وكيف استطاعت أن تصمد كل هذه الفترة منذ توقيع الإمام ناصر بن مرشد في صحار الذي افتتح عهد اليعاربة 1624م، تلك الاتفاقية عام 1646 مع مندوب الشركة الهندية الشرقية البريطانية نهاية النصف الأول من القرن السابع عشر الميلادي حتى اليوم، وكيف استمرت وتطورت وازدهرت في مراحل الدولة البوسعيدية، وتناغمت فيها العلاقة في كثير من مراحلها، وتفند بعض الجلسات في المؤتمر طبيعة تلك العلاقة القديمة وتعرفها، فهل كانت تلك المعاهدات التي تلاحقت في أزمنة أخرى «صداقة أم تبعية»، خاصة في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وكيف جنبت تلك الاتفاقات والتعاون بين البلدين عمان الإقليم، الكثير من المتاعب بعد التوسع البرتغالي والإيطالي والفرنسي، وهو عصر انتشار القوى الأوربية في المنطقة والعالم، وهي المرحلة التي أوجدت خلال القرون الثلاثة الماضية مستعمرات لها في العالم إلى اليوم.

كل الاتفاقيات التي وقعت كانت لها دوافع سياسية وعسكرية وأمنية، ولم تكن معاهدات تبعية كما شكك البعض، بل كانت تنافسية خاصة في عهد الأسطول العماني الذي بلغ ذروته في عهد اليعاربة، وبسط سيطرته على أجزاء من المنطقة ودافع عنها وحفظ العديد من الكيانات التي أصبحت اليوم دولا.

وكان الحضور العماني في كتب الرحالة والمستكشفين الإنجليز وغيرهم من الأوربيين حاضرا في استعراض تاريخ المنطقة وتتبع أحداثها والصراعات التي أدت إلى تفوق قوى عسكرية من المستعمرين والدول الباحثة عن النفوذ في المنطقة، كون أن عمان كانت حاضرة بقوة في الأحداث واستطاعت أن توجه العديد منها إلى مسارات معينة، ولم تكن طرفا تابعا لأحد طيلة تاريخها.

المعرض المصاحب للمؤتمر الذي ضم العديد من الوثائق المهمة الخاصة بالمراسلات التي كانت بين حكام عمان وزنجبار إلى الحكومات البريطانية المتعاقبة وبعض الدول الأخرى، وجانب من منشورات الصحف البريطانية حول عمان وأوضاعها السياسية، لهو فرصة تاريخية نادرة لأبنائنا أن يطلعوا على هذه الحقبة من تلك العلاقات التي نحتاج إلى التوقف عندها اليوم ونفهم العديد من الأحداث التاريخية وكيف استطاعت عمان أن توازن بين مصالحها الداخلية والمواقف الدولية في القرون الأربعة الماضية، والتعرف على السياسة العمانية الناضجة والمتقدمة في مواقفها التي لم تأت صدفة بل هي إرث يمتد لقرون من امتهان السياسة.