الملف السياسي

الأوبك في المعترك السياسي !

08 أكتوبر 2018
08 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط «أوبك» التي تعرف اختصارا باسم «الأوبك» والتي تضم في عضويتها 13 دولة منتجة ومصدرة للنفط تأسست في بغداد عام 1960 وتهدف إلى زيادة العائدات من بيع النفط للإسهام في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، وتمتلك تلك الدول ما يتراوح بين ثلثي وثلاثة أرباع الاحتياطي العالمي من النفط، وهناك أيضا الدول المنتجة من خارج الأوبك ومنها السلطنة.

ورغم أن منظمة الأوبك هي منظمة نفطية اقتصادية إلا أنها دخلت المعترك السياسي من خلال الصراعات والحروب، وضمانا للمصالح خاصة بين الغرب والدول العربية الأعضاء في الأوبك، ولعل أكثر الأحداث حضورا وتأثيرا في استخدام سلاح النفط كمتغير سياسي هو قرار المقاطعة العربية ومنع تصدير النفط إلى الغرب خلال حرب أكتوبر عام 1973 الذي كان له تأثير كبير على مسارات الحياة اليومية في العواصم الغربية.

ولا تزال سلعة النفط تلعب الدور السيو-استراتيجي من خلال المتغيرات السياسية، ولعل أبرزها حاليا دعوة الرئيس الأمريكي ترامب لدول الأوبك بزيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار، وقد ذهب في ذلك بعيدا من خلال التهديد بقانون «نوبك» الذي يريد الكونجرس الأمريكي إعادة العمل به ضد دول أوبك.

بين السياسة والاقتصاد

مع ارتفاع أسعار النفط التي تخطت حاجز 80 دولارا بدأت الأصوات ترتفع من داخل الإدارة الأمريكية بأن ارتفاع الأسعار سوف يؤثر على المستهلكين في الولايات المتحدة وأن على الأوبك اتخاذ خطوات كافية لزيادة الإنتاج بهدف تخفيض الأسعار. ومن خلال الاجتماع الأخير لدول الأوبك في الجزائر اتفقت الدول الأعضاء على بقاء سقف الإنتاج كما هو في إطار الاتفاق بين الدول الأعضاء في الأوبك والأعضاء من خارجها، وأن الأسعار الحالية هي أسعار عادلة.

وهكذا تجد الأوبك نفسها في المعترك السياسي مجددا من خلال التهديدات التي يطلقها الرئيس الأمريكي واتهام الأوبك بأنها منظمة احتكارية لسلعة النفط رغم أن الولايات المتحدة أصبحت من الدول المصدرة للنفط الصخري، وعند انخفاض أسعار النفط فإن الشركات النفطية الأمريكية سوف تتأثر بشكل مباشر.

الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي على الأبواب في نوفمبر القادم، والحملات الانتخابية متواصلة، وتعد نتائج تلك الانتخابات مصيرية للرئيس ترامب، حيث إن فوز الديمقراطيين وهيمنتهم على مجلسي الشيوخ والنواب يضع ترامب في وضع صعب ومعقد من خلال التحقيقات المثيرة التي يجريها مولر، أو تعطيل أجندة ترامب من خلال الديمقراطيين لأسباب حزبية متوارثة في الولايات المتحدة، كما أن تواصل ارتفاع أسعار النفط لا يخدم شعبية الرئيس ترامب تجاه كتلته الانتخابية خاصة بين الطبقات المتوسطة والعمال.

وعلى ضوء ذلك يمكن فهم استياء ترامب من الأوبك وسياستها الرامية للحفاظ على كمية النفط المنتجة والالتزام بها للحفاظ على مصالحها، كما أن الرئيس ترامب طلب مرارا من السعودية زيادة إنتاجها بهدف تعويض نقص الصادرات الإيرانية في ظل الترقب لتطبيق العقوبات الأمريكية ضد إيران خلال نوفمبر القادم، ولكن اجتماع الجزائر الأخير كان واضحا في تمسكه بأهمية الالتزام بالحصص علاوة على أن هناك شكوكا حول إمكانية زيادة الإنتاج إلى مستويات محددة لأسباب فنية تتعلق بالصناعة النفطية ذاتها.

الأوبك لا تزال صامدة في وجه الرياح العاتية الأمريكية من خلال الالتزام بالحصص، كما أن العقوبات ضد الصادرات الإيرانية محل شك خاصة أن الهند أعلنت أنها سوف تواصل شراء النفط من إيران، وربما تكون الصين تسير في نفس الاتجاه، وهناك آلية تم الاتفاق عليها من دول الاتحاد الأوروبي للتعامل تجاريا مع إيران، بهدف المحافظة على الاتفاق النووي مع إيران.

قانون «نوبك»

في ظل احتدام الخلاف بين الإدارة الأمريكية والأوبك بدأت واشنطن بالتلميح بإحياء قانون «نوبك»، من خلال تقديم المشروع للكونجرس. ويهدف القانون إلى معاقبة الأوبك وغيرها من مصدري النفط بحجة أنها تمارس سلوكا احتكاريا بتحكمها في أسعار النفط، ومن ثم يدعوها إلى عدم التحكم في الإنتاج والأسعار، وهكذا دخل السجال السياسي بين دول الأوبك والولايات المتحدة منعطفا جديدا، كما أن مشروع القانون يتيح محاكمة الدول المنتجة للنفط أمام المحاكم الأمريكية، ومن هنا تدخل الأوبك في صراع سياسي قانوني تواجهه لأول مرة منذ عقود مما جعل الأوبك تستعد لذلك الإجراء الأمريكي المحتمل من قبل الاستشارات القانونية للحفاظ على مصالح أعضائها والأعضاء من خارجها؛ لأن سلعة النفط واستقراراها يمثلان أهمية قصوى لاقتصاديات تلك الدول التي تعتمد على عائدات النفط بنسب كبيرة تتعدى بعضها 90 في المائة في ظل تعثر سياسات التنويع الاقتصادي وظروف المنطقة، حيث الحروب والصراعات الإقليمية المتواصلة منذ عدة سنوات، ومن هنا فإن الأوبك أصبحت هدفا واضحا لإدارة ترامب والتصريحات أمام الناخبين في الولايات الأمريكية متواصلة، ولكن يبدو أن خطة الضغط المتواصل للرئيس ترامب لن تنجح، في ظل تماسك دول الأوبك والدول المنتجة للنفط من خارجها؟؟؟.

ومن خلال التحليل الموضوعي فإن قانون «نوبك» سوف تعترضه عقبات قانونية كبيرة، وهناك جهات دولية مثل منظمة التجارة العالمية التي يريد ترامب إلغاءها، كما أن الانتخابات النصفية للكونجرس أصبحت قريبة، وقد تأتي النتائج، وتتغير عدد من الأمور الجوهرية في الولايات المتحدة.

كما أن الضغوط الأمريكية لا تستند إلى أسباب موضوعية، بل تأتي لأسباب انتخابية وقتية حتى يظهر الرئيس ترامب لناخبيه بأنه يهتم بهم ومن خلال كلماته الأخيرة فإن النبرة الانتخابية واضحة للحصول على مزيد من الأصوات لحزبه الجمهوري الذي يواجه بعض الانقسامات بسبب سياسات ترامب المثيرة للجدل.

وحدة الأوبك

إذا استمرت دول الأوبك في وحدتها من خلال الاتفاق مع الدول المنتجة من خارجها فإن صيحات الرئيس ترامب لن تجدي نفعا، حيث إن مصالح الدول المنتجة للنفط هي أكبر بكثير من مصالح انتخابية لأي رئيس دولة، حتى لو كانت الولايات المتحدة، ومن هنا فإن الأسعار الحالية تبدو منطقية في ظل تنامي الاقتصاد العالمي وفي ظل أهمية بقاء الاستقرار في السوق النفطية علاوة على أن الدول الكبيرة المستهلكة مثل الصين والهند واليابان لم تتحدث عن الأسعار.

كما أن انتعاش اقتصاديات الدول المنتجة هو في صالح الغرب والولايات المتحدة من خلال زيادة الاستهلاك وشراء منتجات الصناعات الغربية، علاوة على الاستقرار السياسي والاجتماعي لدول النفط عموما من خلال تنشيط تلك الاقتصاديات، وخلق فرص العمل للشباب، حيث إن تدهور أسعار النفط التي تدهورت إلى ما دون 30 دولارا خلال الأعوام الأخيرة شكل ضغطا كبيرا على موازنات الدول النفطية، كما أنه خلق ضغوطا شعبية، ومن هنا فإن بقاء الأسعار مستقرة في حدودها الحالية هو في صالح المنتجين والمستهلكين.

إن منظمة الأوبك هي منظمة نفطية تحافظ على استقرار السوق النفطية في العالم من خلال توافقها مع الدول من خارج المنظمة ومنها السلطنة وروسيا، ومن هنا يبقي ذلك الاتفاق الذي أكد عليه مؤخرا الرئيس الروسي بوتين وتلتزم به بقية الدول المنتجة والمصدرة للنفط، بمثابة السياج الذي من خلاله تحمي الأوبك مصالح أعضائها ومصالح بقية الدول المنتجة من خارجها، بعيدا عن التقلبات السياسية التي تريد واشنطن الزج بالمنظمة فيها، وهذا يدخل المنظمة في إشكالات كبيرة خاصة أن أسعار النفط تحددها قوانين العرض والطلب، وهي قاعدة اقتصادية غربية.

إن إدارة الرئيس ترامب سوف تواصل تصريحاتها المثيرة للجدل، وسوف تهدد بقانون «نوبك»، ومع ذلك فإن الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الأوحد في السوق النفطية من حيث الاستهلاك، فالعملاق الصيني أصبح هو المستهلك الأول عالميا، وهناك الهند عملاق آسيا الآخر التي تستهلك كميات أكبر من خلال اقتصادها الذي ينمو بشكل قوي، ولعل الاتفاقيات الأخيرة بين نيودلهي وموسكو هي مؤشر على التعاون بين الدول بعيدا عن واشنطن وإجراءاتها الأحادية.

وتبقى منظمة الأوبك متماسكة في ظل وحدة موقفها والمحافظة على مصالحها مع توافقها مع بقية الدول المنتجة حتي يحافظ السوق النفطية على آليات الأسعار التي تبدو متسقة مع المتغيرات والتطورات الاقتصادية في العالم.