1003431
1003431
المنوعات

ترسم لتتنفس.. الأوكرانية أوليجا ڤليكايا: «عندما أرى الزهور يبدأ قلبي بالغناء.. وأحتاج لتلك الموسيقى في حياتي اليومية»

06 أكتوبر 2018
06 أكتوبر 2018

حاورتها: بشاير السليمية

لم أزر أوكرانيا من قبل ولا صادفت أحدا منها، أو أحدا من الذين زاروها، لكن لوحاتٍ كالتي رأيت في أفلام الكرتون وأنا صغيرة، بين الحقول وتحت أشجار البلوط الكبيرة ومساحات الأزهار شغفتني بها، لذلك قررنا أنا وأولجا فيليكايا - فنانة أوكرانية ، أن نلتقي ونتحدث. كان لقاؤنا الأول، ولكن ذلك لم يمنعني من التعرف عليها حين دخلت - ببدلتها البيضاء بزهرة التوليب الحمراء وجاكيتتها الحمراء - حيث ضربنا الموعد، فلوحتُ لها من بعيد. اقتربت وحيينا بعضنا. فانشغلت بترتيب اصيص الزهور الصغير على الطاولة. سألتها:

- تقولين إن الغابات أعادتك إلى طفولتك، حدثيني عنها وعن غاباتها العائدة؟

كنت محظوظة جدا، لأني وعائلتي نسكن قريبا من الغابة، لذلك قضيت طفولتي كلها في الخارج، ألعب وأقود دراجة هوائية، وأقطف الزهور وأمشي إلى الغابة مع كلبنا، وألعب كرة السلة مع الجيران، لم نكن نبقى بالداخل أبدا. إذا كان الطقس سيئا نذهب للخارج، نضع علينا سترة المطر ونخرج، حتى عندما يكون الجو باردا كنا نخرج باستمرار، لم يكن والداي يقلقان علي أن أضيع أو أختطف. عندما كبرت أدركت بالفعل كم كنت محظوظة وقتها بقدر الحرية الذي منحاه لي في قضاء جل وقتي في الخارج، بين الطبيعة ومع الأصدقاء.

- إذن كنتِ برفقة كلب، هل رسمته في لوحة ما، كونه جزءا من تلك الطفولة؟

لا، لم أرسم كلبا قط. أنا شغوفة باثنين في حياتي، الأول هو التصوير الفوتوغرافي والثاني هو الرسم، وحين يكون الأمر متعلقا بالكلب فإني ألتقط له صورا، كما هو الحال مع الأشخاص، خاصة أولئك القادمين من ثقافات مختلفة والذين أميل أكثر لإظهار شخصياتهم وخلفياتهم وثقافاتهم، إضافة إلى الحيوانات، لكني أرسم عندما يتعلق الأمر بالأزهار والطبيعة والغابات والطيور ، وهذا ما يشعرني بقابلية أكثر للتعبير عما يهمني.

- ألاحظ أنك تميلين للتعبير عن التفاصيل المدقعة للوجوه بالتصوير، لكن هل سترسمين بورتريهات في المستقبل؟

سألتقط صورا فقط، أشعر أنها الطريقة التي أستطيع التعبير بها عن نفسي وعن اهتماماتي، التصوير يساعدني على التقاط كل التفاصيل، لكن أن أرسم بورتريها، فأنا لا أشعر بالإلهام في ذلك. الرسم بالنسبة لي هو نوع من العلاج بالفن، فهو يحررني، بل إنه الطريقة التي أكون فيها مع نفسي. دائما أقول أني أرسم لأتنفس، لأشعر بالحرية واللاحدود، ولأعبر عن مشاعري كيفما أردت. في رسم البورتريه أعتقد أننا لا نظهر من يكون الشخص الذي نرسم، ولكننا في الواقع نظهر من نحن، لذلك عندما أرسم شروق الشمس في غابة ما باللونين الأصفر والبني فقط، ذلك لأن هذا ما أشعر به وهذه هي الطريقة التي رأيت بها الغابة، بينما لن أرسمكِ مثلا بالأصفر والبني فليس هذا ما أنتِ عليه وليس كما أراك عليه، لذلك سآخذ الكاميرا وألتقط صورة لكِ.

- حسنا، قلتِ إنك حين ترسمين تتذكرين طفولتك التي قضيتها بين الطبيعة والأزهار، لو كنتِ طفلة عمانية وقتئذ، ما الذي قد تتذكرينه من تلك الطفولة حين تبدئين برسم لوحة ما. أسأل هذا لأنك رأيت عمان وعايشت الناس هنا وربما أتيح لك الاقتراب من الطفولة العمانية؟

هذا سؤال جيد؛ لأنه لم يسبق لي أن تخيلت نفسي كطفلة عمانية، لكن أعمالي القادمة ستكون عن عمان، رسمت مثلا الصحراء والبحر والشاطئ، ونوارس مطرح وفوانيسها كما أني أحب فسيفساء الجامع الأكبر.

أتعلمين؟ عندما زرت الجبل الأخضر شاهدت شروق الشمس، وطوفان من السحب البيضاء، وأحببت غروب الشمس في جبل شمس، كان غروبا مليئا بالألوان بين البنفسجي والبرتقالي والأحمر، وكان مشهدا حالما يجعلك تشعرين بالاسترخاء. وبالأمس زرت وادي طيوي.

- اها. لأجل ذلك قلتِ لي إنك لستِ في العاصمة البارحة!

نعم - قالتها بحماس أثار فينا الضحك - ثم سألتها:

- ترسمين أوكرانيا وأنتِ في عُمان، هل ثمة صعوبة في أن ترسمي مكانا ما وأنت في مكان آخر مختلف تماما؟

أعتقد أنها تجربة مثيرة في أن ترسم شيئا ما يخص مكانا لم تعد فيه، فعندما وجدت عمان ساخنة شعرت لوهلة أن رسم الغابات والزهور سيخبو، لكن فيما بعد كان من السهل نقل نفسي إلى هذا المكان وتذكر تلك الزهور، إلى أن انصهرت مع المكان الجديد واندمجت معه.

- إذن كل تلك المناظر الآن رهن الذاكرة، هذا يعني أنكِ الآن فقدتِ فرصة رسم المناظر وهي أمامك!

لم أكن أرسم في الطبيعة كنت أرسم وأنا في البيت، أي أنني لم أكن آخذ أدواتي وأرسم، لكنني أقوم بعمل بعض «الاسكتشات» في دفتري. في معرضي الأخير كل تلك اللوحات كانت في شكلها الأولي عبارة عن اسكتشات، قمت بعملها وأنا في رحلة مع أصدقائي، كنا نستكشف الطبيعة، فمكثنا في كوخ جبلي ونزلنا صوب النهر والأزهار، لذلك في الطبيعة أقوم بعمل الاسكتشات ولكن في الرسم على «الكانفس» فإني أقوم بها في البيت، الذاكرة والاسكتشات والصور الملتقطة وتذكر الشعور الذي أحسسته وقتها يساعدني في نقل ذلك على اللوح.

- قلتِ في تعليقك على إحدى اللوحات في حسابك على الانستقرام: «عندما أرى الأزهار يبدأ قلبي بالغناء، وفي حياتي اليومية أنا في حاجة لتلك الموسيقى»، ما هو الشيء الذي يمنحك هذه الموسيقى في عمان؟ هل هي الأزهار أيضا؟

هناك زهرة، تشاهدينها في كل مكان في عمان. شاهدتها في الجامع الأكبر أيضا، وقمت بزراعتها في شرفتي، ولدي الكثير منها، وفي الصباح عندما أفتح الباب وأدخل الشرفة وأشاهد ألوانها الوردية والبيضاء يبدأ قلبي بالغناء.

- تبدو شرفة ملهمة، لكن أخبريني السر وراء كل هذا الاهتمام بالأزهار؟ هناك بالطبع الكثير من الناس ومنهم فنانون أيضا يحبون الأزهار، لكن أن يكون هناك فنان يطوع كل إمكانياته ليجعل الزهر ثيمة مهيمنة على لوحاته يبدو وكأن هناك سرا ما.

أعتقد أن الأزهار بالنسبة لي رمز للبساطة، وكل زهرة لها معناها الخاص. أحب أن أقرأ الأساطير والقصص المختلفة عنها، وفي علم الأحياء هناك معنى لكن زهرة يقابله الشعور المتعلق بها، فكل زهرة أرسمها يكون لها ذلك المعنى، الزهرة أكثر من مجرد شيء جميل، ناهيك عن كونها تعبر عن الحالة الشعورية لكل شخص.

- أعددتُ سؤالا عن الحالة الشعورية في آخر القائمة، ولكن بما أنك ذكرتها الآن فسنقفز إليه، كيف سيكون شكل الزهرة التي سترسمينها حين تكونين في مزاج سيء؟ لوحات المعرض لم تكن تشي إلا بمزاج هادئ ومستقر.

رسمت لوحة في الربيع، كانت الزهرة فيها أمام خلفية سوداء. هي مسألة لونية يمكن فعلها مع الزهرة بالأحمر المحروق أو الرمادي.

- اليوم جئت للقائي بفستان أبيض وبه توليب أحمر - بدأت ضيفتي هنا بالضحك - فتابعْتُ: هل يمكن أن أعتبره «Lifestyle»؟

لدي الكثير الكثير من الفساتين المزينة بالزهور، لقد أحطت حياتي بالزهور، في البيت وفي الخارج، ولدي دائما أزهار جديدة، لذلك نعم هو «lifestyle»

- بالعودة إلى ما تكتبين من تعليقات على اللوحات في الإنستقرام، شعرت أن ثمة علاقة تربطك بالكتابة.

أعمل حاليا على كتابي، وهو كتاب رحلات، يتحدث عن رحلاتي في عمان والصين وغيرها من البلدان، وعن الأشخاص الذين قابلتهم وكيف أثروا على حياتي، كما سيضم لوحات من أعمالي.

- حسنا، هناك فنانون تحولوا من الرسم إلى الكتابة، خذي سلفادور دالي مثلا، ما الذي أسعفته به الكتابة ولم يسعفه به الرسم، برأيك؟

الكتابة مثل الرسم، لكنها رسم بالكلمات، وما تعبر عنه في المجالين سيكون التلقي فيه مختلفا بلا شك عند كل شخص، لكن بالنسبة لدالي قد يكون أمرا شخصيا، أو ربما لأنه شعر أنه يستطيع التعبير بشكل أفضل بالكتابة.