أفكار وآراء

التنمية تحت وطأة معيقات ناعمة

06 أكتوبر 2018
06 أكتوبر 2018

يوسف بن حمد البلوشي -

هناك أسباب اقتصادية بحتة أضعفت الكثير من البرامج والمبادرات والخطط عن تحقيق أهدافها، ارتبط بعض الأسباب بطبيعة الاقتصاد النفطي والذي لم يحفز تنمية القطاعات غير النفطية، وقاد ذلك الى عدم اتباع حزمة من السياسات متناسبة مع متغيرات المراحل التنموية. وهناك أسباب أخرى - من وجهة نظري- هي الأهم وإن كانت غير واضحة يمكن تسميتها المعيقات الناعمة. سنتناولها بإيجاز للتعريف بها ومحاولة اقتراح حلول للحد منها ومن تأثيرها السلبي على مسار التنمية والوصول إلى تناغم الأداء وتحصين جدار الثقة بين الحكومة ومؤسسات الأعمال والمجتمع.

في ظل الحديث عن الاقتصاد العماني والتحولات العالمية الكبرى يجب أن نشير إلى عدد من الحقائق، الأولى: أن حركة التنمية في دول العالم الناجحة تحررت من نمطية العمل القائم على العلاقات القائمة على المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة (المجاملات) في إدارة وتقييم الأداء . إن اعتماد معايير دقيقة قابلة للقياس يعد أحد التوجهات التي قادت التجارب الاقتصادية العالمية التي كُتب لها النجاح، ونحتاج في السلطنة إلى مسار يقوم على هذا النهج المؤسسي في قياس مستوى أداء كافة أجهزة الدولة للتخلص من التداعيات السلبية للمجاملات المفرطة على التنمية والوطن وفي مقدمتها ما يتعلق ببطء التعامل مع التحديات وليكون مبدأ المحاسبية حاضرا في مسيرة تطوير منظومة الأداء في السلطنة.

والحقيقة الثانية: يجب التخلص من دوامة تبرير الإخفاق وإلقاء اللوم على الغير والتي تبدأ من الموظف العادي الذي يلقي اللوم على المدير والذي يقوم هو الآخر بدوره باللوم على المسؤول في موقع صنع القرار ثم يلقي اللوم على التغيرات العالمية والجيوسياسية، فعلى سبيل المثال فإن قصور دور القطاع الخاص في رفد وتعزيز وقيادة الاقتصاد تبرره الحكومات بضعف أداء القطاع الخاص وبالتالي فهو الملوم في حين يرمي القطاع الخاص الكرة الى ملعب الحكومة بلومها على نقص وقلة الدعم الموجه للقطاع الخاص على المستوى التشريعي والتنظيمي وتهيئة بيئات العمل المناسبة له، وبهذا النهج نوجد دوامة يخسر خلالها الاقتصاد العماني كل يوم جزءا مهما من إنتاجيته واستدامته.

الحقيقة الثالثة: أهمية العمل بروح الفريق لزيادة الإنتاجية وتحسين الأداء حيث من المأخوذ على منظومة الأداء في القطاع العام أن الفريق لا ينسق جهوده وفق إطار متكامل، وهنا الحديث عن علاقة الوحدات الحكومية فيما بينها، ومع القطاع الخاص ومع المجتمع. فمهما كانت الفرص والبدائل متاحة فإن العمل بروح الفريق والتنسيق المستمر هو مفتاح تحقيق النجاح واستقرار المجتمع، ويفتح الباب للنماء. ولقد أصبح العمل الجماعي مطلبًا حضاريًّا وعصريا للتغلب على التحديات التي تعددت أبعادها، وإيجاد حلول لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال العمل كفريق.

والحقيقة الرابعة: ضعف القدرة على تسويق الفرص المتاحة والأفكار الرائدة، بدءًا من تسويق الأفكار الإيجابية والمنتجات والأدوار. فثقافة المجتمع والميل إلى العمل بشكل أحادي أو في مجموعات صغيرة. والتسويق يحتاج إلى مهارات خاصة وقدرة على الإقناع. ولقد اعتادت المجتمعات النامية على فكرة تسويق المنتجات والخدمات وباستخدام وسائل التسويق التقليدية. أما تسويق الأفكار فهو شيء مختلف. والفكرة وإن كانت خاصة لا يمكن امتلاكها. فالفكرة مُلك لمن استطاع أن يطبقها ويقنع بها الآخرين. وعند تسويق الأفكار والفرص المتاحة سواء للمجتمع أو لأغراض جذب المستثمرين والممولين، فإنه يتعين تقديم الفكرة بدقة وإيجاز. وأخذًا في الاعتبار المنافسة الشرسة بين العديد من دول العالم لجذب المستثمرين، فإن السلطنة في حاجة ماسة إلى فريق يمتلك قدرات خاصة على إدارة التحول الاقتصادي من خلال جذب المستثمرين. ويتحمل الدور الأكبر في ذلك رجال الأعمال «المنتجون» الذين يؤدون دورًا مهمًّا في صناعة السوق وبناء الاقتصاد، فإن سعيهم الدائم لزيادة الإنتاج يتوقف إلى حد كبير على زيادة الطلب، سواء عن طريق التصدير وضرورة البحث عن منتجات جديدة تكون مطلوبة أو أسواق جديدة، أو عن طريق زيادة الاستهلاك المحلي. فزيادة الاستهلاك تشجع على زيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج تحفز الاستثمار، ومن شأن ذلك أن يشجع على الادخار لتمويل جزء من هذا الاستثمار محليًّا، ثم السعي للحصول على الاستثمار الأجنبي المباشر لسد الفجوة بين الاستثمار والادخار، وهكذا.

وفي الختام، لا يختلف اثنان اليوم، أن العالم في تغير مستمر وبالتالي فإن مشكلاته وفي مقدمتها الاقتصادية في تغير مستمر أيضا، وهو ما يستدعي تطوير مقاربات مختلفة للقضايا الاقتصادية فالمعالجات الحالية رغم أنها ساهمت في نهضة الاقتصاد في حقب مختلفة إلا أنها مع التطور العالمي السريع ستقف عاجزة، فإذا كنّا نمارس نفس الأعمال ونؤمن بنفس القناعات ونطبق نفس السياسات سوف نحصل بالتأكيد على نفس النتائج.

ان المرحلة القادمة هي مرحلة المهارات الجديدة والقناعات المتجددة، ولا يمكن التعامل معها دون التحول نحو التفكير الناقد والتحليل العميق، وهذا يعتمد بشكل مباشر على تضافر جهود كافة الفاعلين في الاقتصاد والمجتمع كون التغيير يؤديه الجميع. لقد استثمرت عمان في أبنائها بالتعليم والتدريب في أفضل الجامعات والمراكز العالمية وهي بذلك تملك المحرك الأهم في القدرة على التعامل مع رياح العولمة وهي الكفاءات الوطنية، فالتجديد وضخ الدماء الجديدة مطلب أساسي خاصة أن قاعدة سكّن تسلم، لم تعد هي الأمثل والأنسب للمرحلة القادمة. فالأمر بيدينا في معادلة العولمة الجديدة (إما أن نقود أو ننقاد) والحلول تأتي من الداخل لا من الخارج.

[email protected]