أفكار وآراء

بريطانيا ومعضلة «البريكست»

06 أكتوبر 2018
06 أكتوبر 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

تواصل الصحافة البريطانية التعرض للقضايا التي تم طرحها في أعمال المؤتمرات السنوية للأحزاب السياسية البريطانية التي عقدت مؤخرا اجتماعاتها في كل من مدينة برمنجهام وليفربول، في الوقت الذي مازال ملف قضية الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي «البريكست» يهيمن على بقية المواضيع والملفات الأخرى في التناول اليومي. فما زالت المخاوف مثارة من قبل العديد من الشخصيات السياسية والتيارات البريطانية الرافضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو بقائها، في الوقت الذي لم يتبق على الخروج إلا ستة أشهر. فرئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي تواجه اليوم معارضة داخلية وأوروبية للخطة التي رسمتها للانسحاب المعروفة بخطة «تشاكرز» وربما يؤدي ذلك إلى الاستقالة من منصبها في حالة عدم التوصل إلى حل مرضي لكل من بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وهذا الأمر ربما يودي الى إجراء انتخابات عامة جديدة مثلما يطرحه زعيم حزب العمال جيريمي كوربين الذي يسعى إلى دفع ماي لإجراء انتخابات عامة على أمل أن يفوز حزب العمال، وبعد ذلك يتم التفاوض على اتفاق في شأن «البريكست» بحيث يحمي بشكل أفضل الوظائف والتجارة وحقوق العمال.

ففي ختام مؤتمر المحافظين، دعت تيريزا ماي الأمة وحزبها المحافظ المتحارب إلى «التجمع» حيث استخدمت كلمة «معا» 16 مرة نتيجة للانقسام الحاصل في حزبه تجاه هذه القضية، محذرة من أنه إذا لم يدعمها الأعضاء في مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد تخسر بريطانيا من هذا الأمر، وربما ستصبح هناك مخاطرة في عملية الخروج على الإطلاق. حزب العمال المعارض يقترح من جانبه أولاً إجراء استفتاء جديد حول النتيجة النهائية لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بينما ترى تريزا ماي أنه لن يكون في مصلحة المملكة المتحدة عقد انتخابات عامة قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مارس 2019.

وهناك اليوم الكثير من اللغط تجاه هذه القضية، بينما تطالب بعض الشخصيات من الحزبين التوقف عن التشاحن بشأن ذلك، والتركيز على الأهداف التي تساعد الناس على حل قضاياهم التي تهم الحياة اليومية، ومنح الناس المزيد من الخيارات، ونشر الرخاء، باعتبار أن هذه القضايا هي التي يمكن أن تحدد من يفوز في النهاية في الانتخابات أو يخسرها. هناك اليوم حالة من الانقسام من جراء الخلاف حول قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي حيث يرفض الشباب الخروج من هذه المنظومة، بينما يبدى الأعضاء الكبار قبولهم لنتائج الاستفتاء الذي قضى بالخروج منه قبل عامين، حيث أيد البريطانيون الخروج من التكتل بفارق ضئيل، بنسبة 52% مقابل رفض 48% منهم.

استراتيجية حزب العمال حول مسألة «البريكست» ربما ما زالت محل جدل حيث قال جيريمي كوربين رئيس الحزب في كلمته أمام المؤتمر، أنهم سوف يعارضون أي اتفاق من شأنه الخروج من الاتحاد الأوروبي دون التوصل إلى اتفاق، موضحا أن هناك حاجة ملحة إلى اتفاق بشأن تأسيس اتحاد جمركي بين بريطانيا والتكتل الأوروبي، بالإضافة إلى ضمان الحفاظ على حقوق البريطانيين في العمل، مضيفا أنه في حالة التوصل لمثل هذا الاتفاق، فربما يدعم الحزب هذه الصفقة. من جانب آخر يدعم توني بلير رئيس الوزراء السابق من حزب العمال والذي يعد أحد أكثر الساسة البريطانيين دعما لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي ساهم في توجه قطاع كبير من الشباب نحو تبني نفس رؤيته، حيث أكد في العديد من المرات أن الوقوف أمام «بريكست» ينبغي أن يكون الأولوية القصوى للحزب في المرحلة الراهنة، موضحا أن النجاح في منع بريطانيا من الخروج من التكتل الأوروبي سيكون بمثابة بوابة السلطة بالنسبة للحزب المعارض. أما تيريزا ماي فتقترح بأن تستند علاقتها المقبلة مع الاتحاد الأوروبي على اتفاق جمركي مبسط، بينما يرى الاتحاد بأن قواعد منظمة التجارة العالمية (WTO) يجب أن تفرض بحيث تُفرض الرسوم بمعدلات مختلفة. وهذا من شأنه أن يزيد التكاليف بالنسبة للمستوردين والمصدرين في المملكة المتحدة، مما سيرفع الأسعار، لا سيما بالنسبة للأغذية. فالاتحاد الأوروبي يريد اتفاقية تجارة حرة - دون أن يقدم للمملكة المتحدة نفس المزايا التي تستفيد منها خلال عضويتها - ومجالا متكافئا من خلال التوافق بين القواعد والمعايير بالنسبة للروابط المستقبلية. في حين أن بريطانيا ترى ضرورة إيقاف المعاملة التفضيلية لليد العاملة من الاتحاد الأوروبي بعد «البريكست»، مؤكدة أنها تعتزم جذب مهاجرين يتمتعون بمهارات عالية من أي مكان، أي أن النظام سيكون قائماً على المهارة، وليس المكان الذي يأتون منه. وتعتبر الهجرة من المسائل الرئيسية في حملة «البريكست» قبل الاستفتاء في 2016 على الخروج من الكتلة الأوروبية، وأن حرية تنقل مواطني الاتحاد الأوروبي ستتوقف مع الخروج، الأمر الذي سيؤدي النظام الجديد القائم على المهارة إلى خفض أعداد المهاجرين، مع العمل على تدريب البريطانيين لشغر الوظائف المستقبلية، وهذا يعني أن سياسة الهجرة سوف تتأثر أيضا بالاتفاقات التجارية المستقبلية لبريطانيا. كما يعني عدم منح الأفضلية لعمال الاتحاد الأوروبي بعد الخروج. وبالنسبة إلى مخاوف الشركات من ذلك، تؤكد ماي بإن الخطة سوف تسمح بوصول بعض العمال الأجانب ذوي المهارات المنخفضة أيضا من مختلف دول العالم. أما في حالة توصل بريطانيا إلى اتفاق تجاري مع التكتل الأوروبي فإن الأمر ربما سيختلف بالنسبة للعمالة. كما تستبعد رئيسة الوزراء إجراء استفتاء ثانٍ مشيرة إلى أننا حصلنا على تصويت الشعب واختار الناس المغادرة من الاتحاد، مشيرة الى أنه في حالة إجراء استفتاء ثاني فسيكون ذلك تصويت الساسة فقط.

من جانب آخر فإن قادة الاتحاد الأوروبي يرون ضرورة أن تقدم بريطانيا خطتها وتقدم ضمانات بشأن الحدود بين إقليمها بإيرلندا الشمالية، وإيرلندا الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، قبل أن يمنحوها اتفاق الخروج الذي تريده تلافيا لخروجها من التكتل. وبذلك ستبقى إيرلندا الشمالية تحت إشراف الاتحاد الأوروبي اقتصاديا إذا لم تتوصل لندن والاتحاد إلى اتفاق تجاري يبقي الحدود بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مفتوحة. ويخشى العديد من رؤساء الشركات البريطانية من أن تكون المملكة متجهة نحو انقسام فوضوي، من شأنه أن يفسد الأسواق المالية ويخرج من تدفقات التجارة عبر أوروبا وخارجها، فيما يتشاءم بعض السياسيين من الحزبين تجاه احتمالات انهيار المحادثات المقبلة. ورئيسة الوزراء لا تبدو بأنها تريد تقديم تنازلات الآن تحت ضغط الاتحاد الأوروبي، إلا أن الأيام المقبلة ربما يأتي بالجديد في هذه المسألة خاصة وأنها تتعرض من أقرب أنصارها كوزير الخارجية البريطاني السابق بوريس جونسون إلى نقد متواصل، معتبرا أن ما تقوم به ماي من مفاوضات تعتبر «مهينة» على حد تعبيره. فهو يرى بأنه تم الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي على الجدول الزمني للخروج، على أن تقوم بريطانيا بتسليم 39 مليار جنيه استرليني، إلا ان بريطانيا لم تحصل على شيء مقابل ذلك.

إن احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بدون صفقة» يزداد مع مرور الوقت وبشكل كبير، وأن الخطة التي قدمتها تيريزا ماي منذ أشهر مضت بإنشاء منطقة تبادل حر جديدة للبضائع ومنتجات الصناعات الزراعية مع الاتحاد الأوروبي، تقوم على اتفاق جمركي ومجموعة من القواعد المشتركة لم يتم القبول به حتى اليوم. ولكن هناك بعض من المخاوف التي تنقلها وسائل الإعلام تكمن في المسائل التجارية والاقتصادية التي تهم الشركات العاملة في بريطانيا، إلا أن الاستطلاعات التي جرت بشأن ذلك تؤكد بأن بريطانيا ستبقى منفتحة وشريانا مهما لتدفق الأموال حول العالم لقرون عدة، في الوقت الذي يأمل فيه الجميع التوصل إلى اتفاق سياسي في اللحظة الأخيرة. وأن بريطانيا على حد قول تيريزا تريد أن يبقى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة شريكين قريبين، وألا يؤدي الخروج إلى حدوث عواقب جسيمة للقارة كلها.

[email protected]