Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: الاتكاء على مبررات أخلاقية

05 أكتوبر 2018
05 أكتوبر 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

مما يحز في النفس أن يعتمد كثير من الناس على الاتكاء على مبررات أخلاقية في جلب الأعذار، ويعدون ذلك نوعا من التذاكي على الطرف الآخر المقابل الذي يرمى عليه العذر بكل اطمئنان، وكل ذلك للإفلات من العقاب فقط.

صور كثيرة نعيشها في هذا الجانب، سواء في حياتنا العامة، أو حياتنا الخاصة، ومن خلال صور الـ«مبررات» هذه نواصل مسيرتنا في الحياة، ونظن بذلك أن هذا حقا ما ينبغي أن نكون عليه، كما يلازمنا اليقين أنه بغير ذلك لا يمكن لحياتنا أن تسير سيرا طبيعيا، حتى غدت ممارسة هذه الصور سلوكا يوميا، لا غضاضة في استمراره، واستحضاره في كل موقف.

عندما كنت طالبا في الجامعة، ولأنني مغترب ربما كنت ألاحظ على كثير من زملائي الدارسين يأتون بأعذار تكاد تكون متشابهة، وتكرار تشابهها حاصل لأن المحاضرات يتناوب عليها أساتذة كثر حسب التخصص ولذلك في حالات الغياب أكثر، تجد طالبا ما، يأتي بعذر ما، ويكرر ذلك العذر في الفصل اللاحق، فمثلا، يبرر لأستاذ المادة بأن حالة وفاة والده، أو عمه، أو خاله، أو خالته، أو جاره، أو أحد من أقربائه -يسمي نسبه- حصلت، وحالت دون حضور امتحان تلك المادة في التاريخ المقرر، ولمن ينتبه أكثر، تجد ذلك الطالب في محاضرة أخرى في فصل آخر يكرر نفس العذر لذات الشخصية التي يفترض أن الموت غيبها في الفصل السابق، ولأن الأساتذة يختلفون في كل فصل، يمشي العذر، ويجد هذا الطالب أو الطالبة الفرصة للخروج من مأزق امتحان لم يستعد له أصلا، وهكذا تتكرر الأعذار، وما ينطبق على هذا النوع من الأعذار ينطبق على أخرى -ففي شأن الموظفين مثلا- يبرر تأخره عن الحضور، كأن توقف ليساعد امرأة في تغيير عجلة مركبتها على الشارع العام، أو أنه وجد أحد أطفال الحي، وقد ذهبت عنه حافلة نقل الطلاب إلى المدرسة فأخذه إلى المدرسة، أو أنه سهر الليل؛ لأن جاره تعرض لأزمة صحية، أو أحد أصدقائه، وهناك من يأخذ إجازة اضطرارية لأن جاره قد توفاه الله، وهكذا يستمرئ الإنسان البقاء في مستنقع الأعذار بمبررات أخلاقية، مع أن كثيرا من هذه الأعذار غير صحيحة من جانب، وغير مستساغ تكرارها من جانب ثانٍ، وغير مقنعة من جانب ثالث، ولكن لأنها تلصق بالمبرر الأخلاقي، فإن الناس اتكأوا عليها، وأعدوها مبررا مقبولا في كثير من المواقف، ونتيجة لهذا الاستمراء أصبح الإجماع عليها مقبولا ولا تثير أية شبهة أخلاقية، هذا من جهة المتلقي للعذر المتكأ فيه على الجانب الأخلاقي، ومن جهة مرتكبه هنا يحتاج إلى وقفة تبين مغالبة الضمير في الاطمئنان إلى هذا العذر أو ذاك على الرغم من عدم واقعيته بصورة مطلقة، وإنما هو تحايل للنجاة من العقاب، سواء في جانب الطالب، أو جانب الموظف، وأضرب هنا بمثلي الطالب أو الموظف؛ لأنهما سوف يتعرضان لعقاب وفق القانون والأنظمة المنظمة لعلاقاتهما بجهتيهما: المدرسة أو الجامعة كحال الطالب، أو بالمؤسسة، كحال الموظف، أما بقية العلاقات المتحررة من رد فعل عقاب ما، فالمسألة ربما لا تحتاج إلى اللجوء إلى مبرر أخلاقي.

ولكن هناك صورا مضيئة في ذات الاتجاه، وهو تجاه المبرر الأخلاقي، فعندما نقبل على مساعدة فرد ما، أو أسرة مساعدة مادية، أو عينية على حساب التزامات نراها مهمة ونبرر لأنفسنا أن في ذلك جانبا أخلاقيا أهم، فإن هذا الموقف يعبر عن صورة مضيئة حقا، وتستأهل التكريم والتعزيز، فهذه مواقف تعبر عن النبل والشهامة والأخلاق الرفيعة، بعكس المواقف السابقة التي تعبر عن أنفس ضعيفة، جبانة، متقهقرة، مناقضة لنداءات ضمائرها الحية، خاصة عند تكرار ذات الموقف في كل مرة، خوفا من العقاب فقط، لا غير.