أفكار وآراء

وحدة ألمانيا لم تكتمل بعد 28 عاما من بدئها !!

05 أكتوبر 2018
05 أكتوبر 2018

سمير عواد -

28 عاما مرت يوم الأربعاء الماضي على استعادة ألمانيا وحدة شقيها عام 1990 بعد انهيار سور برلين في نوفمبر 1989، ومازال الجدل دائر في الولايات الألمانية القديمة والجديدة والبالغ عددها معا ست عشرة ولاية، حول ما إذا الوحدة الألمانية حققت التكامل وأهدافها. وبينما يمكن القول إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تُعتبر الرابحة الكبيرة من الوحدة الألمانية، وهي أول امرأة ألمانية تشغل منصب المستشار الألماني منذ ثلاثة عشر عاما، وصحيح أنها ولدت قبل 63 عاما في مدينة “هامبورغ” ولكنها ترعرعت في ألمانيا الشرقية، غير أن سمعتها هناك وصلت أخيرا أقل مستوى، حيث لا يعتبرها الألمان الشرقيون واحدة منهم ولا يتباهون بها، الأمر الذي يوضح بعد سنوات حكمها الطويلة مدى التباعد الذي أصبح قائما بين حكومة ميركل والمواطنين في ألمانيا الشرقية الذين يتهمون قادة بلدهم بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية لعدة أسباب.

وميركل التي شكلت حكومة ائتلافية للمرة الرابعة وعلى الأرجح الأخيرة، يُعتبرها الألمان الشرقيون تنهج نفس السياسة التي مارسها الحكم السابق في ألمانيا الشرقية، قبل الوحدة . فقد كانوا يتوقعون منها عندما استلمت الحكم في نهاية عام 2005، أنها ستحسن أوضاعهم، لكن بعد ثلاثة عشر عاما على وجودها في السلطة، مازال جيش الباحثين عن العمل في الشطر الشرقي مرتفعا، ويعتبر الكثيرون هناك أنهم الخاسرون من الوحدة الألمانية.

وعندما جرت في عام 1990 أول انتخابات لعموم ألمانيا كانت النتائج مفاجأة حين أيد غالبية الألمان الشرقيين الحزب المسيحي الديمقراطي الذي كان يقود حكومة الائتلاف المسيحي - الليبرالي بزعامة المستشار هيلموت كول، لأنه قال في خطاب وسط مدينة “دريسدن” أنه يعد الناخبين بتحقيق مستوى الحياة المعيشية مثل القائمة في ألمانيا الغربية. وتبين لاحقاً أنه كان يخدع الناخبين. وعلى العكس من تحسن أوضاعهم، ازدادت سوءا لأن الكثيرين فقدوا وظائف العمل. وفي التقرير الأخير الذي وضعته الحكومة الألمانية حول الأوضاع في الشطر الشرقي، اضطرت للاعتراف بأن الأجور هناك ما زالت بعد مضي 28 عاما على الوحدة، تبلغ 82% بالمائة من الأجور في الشطر الغربي. ورغم ذلك تسعى الحكومة الألمانية من وراء تقرير الوحدة الألمانية السنوي إلى تسويق سياستها هناك بأنها حققت النجاح.

وبينما اختفى أثر سور برلين ولم يبق سوى بعض أجزائه ليطلع عليها السياح، قام مكانه سور في الرؤوس، وليس من المتوقع زواله في السنوات المقبلة. فهناك العديد من الألمان في الشطرين الذين لم يزورا الشطر الآخر ولا يريدون معرفة شيء عن الآخر ويتمنون عودة سور برلين، كما ما زال الكثيرون يستخدمون تعبير كلمة “أوسي” للشرقيين، و”فيسي” للغربيين”.

وكشفت السنوات الأخيرة عن فرق واضح في المواقف تجاه التطورات التي شهدتها ألمانيا، مثل أزمة اللاجئين في سبتمبر 2015 وكانت قمة القضايا التي أصبحت تعمق الهوة بين الشرقيين والغربيين، ذلك أن سماح ميركل بدخول مئات الآلاف من اللاجئين إلى الأراضي الألمانية، قوبل بقلق في الشطر الشرقي الذين لم يكن لهم علاقات مع شعوب العالم خلال عهد “جمهورية ألمانيا الديمقراطية” التي كانت منذ تأسيسها حتى انهيارها محسوبة على الاتحاد السوفييتي ومعسكر حلف “وارسو”. بينما استقبل الألمان الغربيون اللاجئين في محطات القطارات الرئيسية ووزعوا عليهم الماء والطعام وأهدوا أطفالهم الألعاب. لكن بعد وقت تغير موقفهم أيضا تجاه اللاجئين لكن ليس إلى حد العداء مثل الشرقيين.

وقد استغل العنصريون والشعبويون في ألمانيا الشرقية هذا القلق فتأسس حزب “البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي في عام 2013 وبعد عام حركة “باجيدا” العنصرية، وعاد الفارق بين الألمان الشرقيين والغربيين يكبر. منذ أسابيع قليلة أصبح حزب “البديل من أجل ألمانيا” استناداً لعمليات استقراء الرأي، ثالث أكبر حزب في ألمانيا وأكبر حزب في ألمانيا الشرقية ويتقدم على الحزب المسيحي الديمقراطي الذي تتزعمه ميركل وكان يتزعمه كول. ويطمح في العام المقبل بالفوز بأغلبية الأصوات في الانتخابات المحلية لولاية “زاكسن” بحيث تصبح أول ولاية يحكمها، بشرط عدم اتفاق الأحزاب التقليدية على تشكيل تحالف موسع لمنعه من استلام السلطة في الولاية المذكورة.

وعوضا عن أن تسير الأمور إلى الأمام يبدو أن التباعد يتنامى بين الألمان الشرقيين وحكومة بلدهم من جهة والألمان الغربيين من جهة أخرى. وبينما كان الجدل في مثل هذه الأيام يتعلق بمواضيع تحسين أوضاع الألمان الشرقيين والإنجازات التي تحققت هناك بفضل ضخ برلين مليارات طائلة سنوياً، فإن الجدل يدور هذه الأيام حول انفجار العنف والحقد ضد النظام ومؤسسات المجتمع المدني والأجانب. واعترف كريستيان هيرتي مفوض الحكومة الألمانية لشؤون الشطر الشرقي عند تقديمه تقرير الوحدة الألمانية الأخير للصحافة أن الكثيرين من الألمان الشرقيين يشعرون أنهم عبارة عن مواطنين من الدرجة الثانية لا أحد ينصت لهم وهذا له عواقب خطيرة وسبب تأييدهم حزب”البديل من أجل ألمانيا” الشعبوي وحركة “باجيدا” العنصرية. لكن بعض الخبراء يعتقدون أن الأسباب تكمن في عملية تحقيق الوحدة، حيث أسفرت عملية خصخصة ألمانيا الشرقية إلى فقدان ملايين الألمان الشرقيين وظائف العمل. كما توافد موظفون حكوميون من الشطر الغربي لبناء مؤسسات الشطر الشرقي ونشأ شعور عند الألمان الشرقيين أنهم أصبحوا مستعمرين للألمان الغربيين. وبحسب هيربيرت برانتل المعلق الألماني المعروف في صحيفة “زود دويتشه” التي تصدر بمدينة ميونيخ، فإن التطورات الأخيرة تؤكد أن وحدة ألمانيا لم تكتمل بعد، وطالب بإعادة النظر بالدور الذي قامت به الحكومة الألمانية قبل 28 عاماً في خصخصة ألمانيا الشرقية وما أسفرت عنه من نتائج مدمرة للمجتمع الألماني الشرقي الذي كانت الوحدة بالنسبة له خسارة وليس ربحا.