salim
salim
أعمدة

إضاءة: ملكات معطلة

04 أكتوبر 2018
04 أكتوبر 2018

ســـــالم الحسيني -

تصور الآية الكريمة 179 من سورة الأعراف حال القوم الذين عطلوا ملكات حواسهم التي ركبها الله سبحانه وتعالى فيهم كي يستدلوا بها إلى مراشد الحق وسبل الهدى، ويسترشدوا بها إلى سبل النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة حتى غدت تلك الحواس والملكات العظيمة عديمة الفائدة فلذلك استحق أولئك هذا النعي الشديد على حالهم ومنقلبهم ومآلهم؛ لأن الآيات العظيمات لم تحرك فيهم ساكنا ولم تزدهم المواعظ والنصائح إلا ضلالا فأي قلوب هؤلاء يحملون، فهم بذلك يوردون أنفسهم مهالكها إرضاء لشهواتهم وجريا نحو متاع زائل ضريبته عذاب مقيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

تلك الآية تصف حال أولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة بصورة بشعة تقشعر منها الجلود وتعتصر لحالها القلوب ألما وحسرة على ما فرطوا في جنب الله الذي أوجد لهم تلك النعم وبين لهم طريق الحق وهداهم سبلهم بما انزله إليهم من كتب وبما أرسل إليهم من الرسل فأبوا إلا أن يسلكوا مسالك الشيطان الذي توعدهم بأن يرديهم مهاوي الردى ويوردهم موارد الهلاك والندم فخالفوا خالقهم العظيم الذي حذرهم منه أيما تحذير، ولهذا فلم يكن حالهم بعد هذا البيان الشافي من خالقهم العظيم بأحسن حال من الأَنْعَام التي لم تستخدم حواسها إلا إرضاء لشهواتها وملذاتها، فكانت هذه الصورة البليغة في الآية الكريمة: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)، لذلك كان حال أولئك القوم كذلك، فهم لم يستخدموا حواسهم في اتباع مراشد الحق والهدى، بل سخروها في اتباع المعاصي واقتراف السيئات، فكان عاقبة أمرهم خسرا.

والناظر المتأمل بعين البصر والبصيرة يجد الفرق شاسعا في واقع الحياة بين من اتبع هدى الله حقا وصدقا وبين من أغواه الشيطان الرجيم فجنح به بعيدا عن سبل الهدى والرشاد في السلوك والأخلاق والمعاني السامية وفي التعاطي مع جوانب الحياة كلها، فمن هداه الله لسبيل الحق يتعامل بتلك الروح الخلاقة حريص كل الحرص على إسعاد من حوله، ساعيا نحو الصلاح والإصلاح، وحاله كذلك مع البيئة من حوله وما تحويه من شجر ومدر وحجر، بعكس من اتبع النهج الآخر، فهو لم يقم وزنا لكل تلك المعاني بل تجده سادرا في غيه منهمكا في شهواته لا يعنيه كل من حوله بشيء، فالأول يرى بنور الله، فلذلك استقام أمره وحسن عمله، أما الآخر فيسعى دون هدى متخبطا في هذه الحياة، وهذه حقيقة مؤكدة في كتاب الله عز وجل: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّه فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، ففارق الحال هنا شتان بين السبيلين، ومن ذلك نجد الكثير في القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى: (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

فإذا هناك سبيلان لا ثالث لهما أكد عليهما الحق سبحانه وتعالى في الكثير من آيات كتابه العزيز، ترك لعباده الحرية المطلقة في الاختيار بعدما أوضح وبيّن وحذر وبشر وأنذر، وفي ذلك عبرة للمعتبرين.