أفكار وآراء

التكنولوجيا المالية والجريمة الإلكترونية

03 أكتوبر 2018
03 أكتوبر 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

التكنولوجيا المالية عبارة عن ابتكارات مالية حديثة بفضل استخدام التكنولوجيا التي يمكنها استحداث نماذج عمل أو تطبيقات أو عمليات أو منتجات جديدة لها أثر ملموس على الأسواق والمؤسسات المالية وعلى تقديم الخدمات المالية.

وما يهمنا في هذا المقام الخدمات المصرفية تحديدا، وبفضل التكنولوجيا، أصبح العمل المصرفي سهلا وسلسا وسريعا. والفضل في هذا يعود لتقنية المعلومات والمجالات المتعددة التي تم ارتيادها بهذه التقنية. وبالرغم من المجالات والآثار والعمليات الكبيرة بفضل التكنولوجيا وارتيادها لآفاق بعيدة في المستقبل المنظور، الا اننا نرجع لبدايات التقنية المصرفية التي أتت بالكثير من الفوائد. ومن الفوائد الملموسة إمكانية تكملة العديد من العمليات المصرفية في سرعة البرق دون الحاجة للذهاب والوقوف في الصفوف، خاصة في هذا العالم المتسارع حيث لكل ثانية قيمة.

وبفضل التكنولوجيا التقنية تطورت الأعمال والخدمات المصرفية وهذا يعود لمصلحة الجميع بدون استثناء. لكن وبالرغم من الفوائد المتعددة التي لا تحصى الا ان هناك عقبات كؤود نسميها جوازا «المخاطر». والمخاطر متعددة، ولكنا ما يهمنا الآن المخاطر المرتبطة بالتكنولوجيا المالية المصرفية التي أتاحت للبنوك العمل على رأس كل ساعة لنيل قصب السبق وتبوؤ أعلى المراتب بسبب أنها تعمل وفق أحدث وأرقى وسائل ثورة تقنية المعلومات.

ومن كل هذه الأوضاع المرتبطة بالتقنية المصرفية تأتي المخاطر على البنوك وعلى رأس الزبائن أيضا لأن الجميع قد يتضرر مما حدث أو يحدث. وهنا توجد مسؤولية على البنوك والزبائن والجهات المرتبطة، لكن أكثرها على البنوك، للعمل قدر المستطاع لتجنب المخاطر أو حسن إدارتها لتأتي العواقب بأقل الخسائر، اذا كان لا بد من ذلك.

يحضر الزبون للبنك ويقول إنه اكتشف سحوبات من حسابه وهو لم يقم بها وأن السحوبات مستمرة لأيام لكن لم يكن لديه زمن للحضور للتبليغ عما حدث ويطالب البنك باسترجاع المبالغ المسحوبة. ويكتشف البنك أن الزبون فقد محفظة نقوده ووقعت في يد شخص، وهذا بدوره لم يتردد في الإسراع بالسحب. ومن هنا يظهر أن «نعمة» الصراف الآلي أصبحت «نقمة». والفرق بين الأولى والثانية نقطة من خيط رفيع لكنه مثقل بالمخاطر لأن البطاقة المصرفية قد يستخدمها صاحبها بنفسه أو يستخدمها شخص آخر من عالم آخر وفكر آخر. وهذا من بنات التكنولوجيا التقنية.

هذه الدراما تحدث في البنوك يوميا وستظل طالما هذه الخدمة متوفرة. إن الصراف الآلي من مميزات التكنولوجيا التقنية المصرفية لكنها ذات مخاطر عالية، والبنوك تبذل جهودا كبيرة في تقليل وتجاوز هذه المخاطر بالتوعية والتثقيف ولكننا من دون شك نحتاج لأكثر من هذا ولا بد من تطويع التقنية لاستحداث طرق تقنية «وتر بروف» تحمي صاحب البطاقة، ونتطلع للتقنية فى هذا الخصوص لمجابهة مخاطر التقنية لأن «المجرم الالكتروني التقني» المتخصص يستطيع انتهاك خصوصية حسابك المصرفي والاطلاع عليه وسرق ما تيسر منه والرقم السري محفوظ عندك في مكان آمن أمين أو تحت وسادتك.

وكل هذه الممارسات التي يقوم بها المجرم الالكتروني التقني تحتاج لممارسات تقنية معاكسة تحول دون اتمام الجريمة الالكترونية. ولكن المخاطر موجودة وستظل موجودة ما دامت الخدمة موجودة ومن لا يرغب فى التعرض لهذه المخاطر عليه الابتعاد تماما عن الخدمات المصرفية الحديثة المفيدة السريعة.. والعودة لممارسة العمل المصرفي اليدوي التقليدي والذي أوشك على أن يكون جزءا من التاريخ، ومن بقايا آثار حياتنا القديمة..

من قصص الدراما أيضا، تصل للبنوك تعليمات من الزبائن عبر الوسائل الالكترونية التقنية المتفق عليها لتحويل مبالغ من حسابهم ومثل هذه الخدمة «الخاصة» تمنح لزبائن خاصين لأوضاعهم الخاصة، وعبر هذا العمل تتم الاستفادة من التقنية المصرفية ويفرح الزبون «الخاص» وكذلك البنك بما تم من إنجاز. ولكن، فجأة يحضر أحد الزبائن ويقول إنه لم يطلب تحويل مبلغ من حسابه ويحدث الخلاف. وكل هذا من مخاطر التكنولوجيا التقنية، لأن هناك من يتلصص ويتدخل في الخصوصية بين البنك والزبون ويطوع التقنية ويلوي عنقها ويطبخها ويأكلها... وهذا المجرم التقني قد لا نعرف مكانه أو اسمه وقد يكون من أقرب الأقربين. والتكنولوجيا التقنية المصرفية هي من يساعد لاستمرار العلاقة أو العكس، لأنها ذات وجهين وعلى الأطراف الاستعداد لمجابهة أي من الوجهين وهنا تظهر أهمية مجابهة المخاطر وحسن ادارتها قدر المستطاع لتأتي «أكلا طيبا» وليس «غثا كريها» لا يمكن للزبون أو البنك الاستفادة منه.

أيضا هناك خلافات متشعبة تحدث فيما بين البنوك بعضها البعض وقد تقود لمنازعات كبيرة حادة وهذا يعود لمخاطر التكنولوجيا التقنية المصرفية من حيث اساءة استخدام الرقم السري أو كود السويفت مثلا، والمخاطر في أن العملية تتم دون معرفة مسبقة للطرف الآخر أو التحدث معه، لأن كل الأمر يتم بواسطة المستندات المنقولة عبر وسائل التقنية، واذا هناك خطأ مقصود أو غير مقصود لا يتم اكتشافه الا بعد فوات الأوان واكتمال العملية التي قد تكون «اجرامية» وبسببها يتعرض الزبون أو البنك للخسائر المادية والمعنوية... «وحينئذ لا ينفع الندم».

هذه بعض الأمثلة الواقعية الحقيقية التي تتكرر وبالرغم من أن العمليات التي تتم عبر التكنولوجيا التقنية لا تحصى ولا تعد والجميع يعتمد عليها في خدماتهم، الا ان هذه العمليات كما نعلم محفوفة بالمخاطر التي يجب على البنوك، وبمساعدة الزبائن، دراستها لأخذ الاحتياطات المطلوبة. وهذا يتطلب اعداد السياسات الضرورية لمجابهة كل المخاطر مع اصدار التوجيهات اللازمة للامتثال بهذه السياسات وتطبيقها بمهنية عالية، وكلما توفرت المهنية كلما أتت النتائج أفضل لتجاوز المخاطر وحسن ادارة كل ما يرتبط بها.

وبموجب السياسات المدروسة يتم اعداد الوثائق القانونية مع ضرورة حسن صياغتها، واضافة لهذا لا بد من التدريب المتجدد لملاحقة التقنية الإجرامية ومقارعتها، مع الحرص على تقديم التوعية والتثقيف للزبائن وكافة الجمهور عبر الوسائل الالكترونية التقنية لعلاقتها المباشرة بالموضوع ولمخاطبة أصحاب العقول التقنية أو من له علاقة بالتقنية. ان الحاجة لكافة العمليات المصرفية تزداد يوميا، وضرورة تسارع خطى الحياة تستدعي الاستفادة من التكنولوجيا التقنية المصرفية بل والاعتماد عليها وهذا أمر حميد ولكن بـ «ثمنه» وعلينا الموازنة بمعيار دقيق بين الأمور للاستفادة من التقنية مع الحرص التام على تقليل أو تجاوز كل المخاطر المرتبطة بها. ومن هذا الواقع المتلاطم بحذر تتطور الخدمات وأيضا بسرعة أسرع تتطور التكنولوجيا التقنية المصرفية لتقديم أفضل الخدمات الآمنة. ومن هذا الواقع المعاش، نطالب بضرورة الاستعداد بكل الاحتياطات لمجابهة المخاطر المتعددة القادمة لنا مع ومن التكنولوجيا، وقد تكون المخاطر القانونية من أولها. وليستعد الجميع للتكنولوجبا المالبة القادمة لرشف فوائدها وتجنب مخاطرها، ودمتم في أمان وأمن.