أفكار وآراء

البعد السياسي للتكنولوجيا الرقمية في العالم العربي

02 أكتوبر 2018
02 أكتوبر 2018

مازن بن سعيد المقبالي  -

باحث في العلوم السياسية -

شهد العالم مطلع الألفية الثالثة تغيرات سريعة وجوهرية مست جميع مجالات الحياة، وكان سببها الرئيسي هو بروز ظاهرة العولمة، هذه الظاهرة التي ساهمت في تبلورها عدة عوامل أو آليات كان من أبرزها ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، «التكنولوجيا الرقمية»، هذه التكنولوجيا التي مكنت أبناء المعمورة من التواصل ونقل البيانات والمعلومات فيما بينهم بكل سهولة وفي أي مكان وأي وقت، بغض النظر عن أماكن إقامتهم إلى حد ما، متجاوزين العديد من الاعتبارات الجيوسياسية والقيمية وغيرها، كما أسفرت تلك التكنولوجيا الرقمية عن إيجاد وفرة ضخمة في المعلومات، وسهولة الحصول عليها، وتبادلها وتخزينها واسترجاعها، متجاوزة بذلك جملة الاعتبارات الزمانية والمكانية.

فخلال السنوات الأخيرة اقتحمت التكنولوجيا الرقمية المزيج التقليدي للمجتمعات وأمست عنصرا جديدا ومهما من عناصره، لما تتميز به من فتوة وتأثير عظيم على سير كافة مجريات حياة البشر، ومن ثم كان من الطبيعي أن تتغير مخرجات الفكر البشري لتُشكل واقعا جديدا وظواهر وممارسات جديدة، فقد وضعت تلك التكنولوجيا أدوات جديدة لم تألفها البشرية من قبل تخصصت في الإنتاج والتداول السريع للمعلومات على نطاق واسع وبأسعار رخيصة وبسهولة شديدة تُتيح حتى للأميين استخدام بعض آلياتها، وفتحت قنوات للتواصل بين الملايين بصورة غير مسبوقة.

وفي سياق آخر، فإن العالم السياسي اليوم يشهد زخما كبيرا من الأحداث السياسية التي واكبتها ظهور أدوات إلكترونية حديثة مكنت الناس من التعرف على كل ما يطرأ من مستجدات خلال دقائق، فما يحدث في الصين الآن يُمكن لابن البيرو مراقبته وهو على أريكته، وليس هذا وحسب بل يتمكن ذلك الشخص من التعرف على تحليلات ذلك الحدث وأسبابه وتأثيراته ووجهات النظر التي تدور حوله ومن المختصين والمُحللين أيضا، كما وباتت المعلومة السياسية سهلة الحصول عليها وتداولها في هذا العالم الرقمي الذي يعيشه أبناء الألفية الثالثة، نتيجة للبيئة الرقمية التي أفرزتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وبناءً على هذا الواقع المُعاش اليوم، ساهمت هذه التكنولوجيا الرقمية في رفع مستوى الثقافة السياسية لدى أبناء العالم العربي.

ويكاد لا يخفى على أحد الأهمية القصوى التي وصلت لها «المعلومات والاتصالات» وقيمتهما في هذا الزمن من عُمر البشرية، إلى الدرجة التي نُعت بها هذا العصر بــ «عصر المعرفة»، ورغم إيجابية التكنولوجيا الرقمية في تقديمها للمعلومات لكل من يحتاجها وبديناميكية مناسبة وسهلة، إلا أن لإفرازات تلك التكنولوجيا سلبيات عديدة لعل أبرزها ما يُسمى بـ «كثافة المعلومات» هذه الكثافة التي تعني بأبسط حالاتها الزخم الكبير في حجم المعلومات، وبروز حالة عدم اليقين فيها، أي صعوبة تحديد مدى صدقية تلك المعلومات المُقدمة، وتضاربها أحيانا مما يضع المتلقي لها في حالة من الإرباك، تدفع بالكثيرين إلى ردات فعل سلبية، تتمثل إما في البعد عنها بما يُسمى «بحالة الجهل المعرفي»، وإما بتبني معلومات غير صحيحة يُسفر عنها اتخاذ قرارات وتدابير غير سليمة وخاطئة لدى مُتبنيها، كما وأن من سلبيات إفرازات التكنولوجيا الرقمية فيما يتعلق بجانبها الاتصالي هو الاستخدام السلبي لتلك الوسائل الحديثة ذلك الاستخدام الذي لا يكاد يخفى على أحد، وعلى الرغم من الفوائد العديدة للتكنولوجيا على الديمقراطية، وكذا الانتشار العالمي لعمل الحكومات الإلكترونية، إلا أن تلك التكنولوجيا وحدها لا توفر بالضرورة مزيدا من المشاركة الشعبية وأن التدخل الإلكتروني الهائل لا يكفي لإعادة اختراع الحكومات الفعالة.

فالنهاية لا بد من أن تؤخذ بعين الاعتبار متغيرات أخرى في ذلك وأهمها الثقافة السياسية، والأطر المعرفية والعقلية والتقاليد الإدارية للسلطات، بمعنى آخر أن التكنولوجيا الرقمية حتى تستطيع لعب دور فعال في المجتمعات، وفي الديمقراطية والأداء الحكومي، فانه ينبغي لتلك التكنولوجيا الرقمية أن تؤثر بداية في تشكيل ودعم متغيرات أخرى وأبرزها الثقافة السياسية.