أفكار وآراء

الحلم الكوري .. خطوات نحو استعادة وحدة الشطرين !

02 أكتوبر 2018
02 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

أذكر أني سألت أحد رؤساء وزراء كوريا الجنوبية السابقين وكان في زيارة رسمية للسلطنة ماذا يمثل لكم حلم الوحدة بين الكوريتين، فقال إنه حلم لابد أن يتحقق وإن الدم الذي يجري في عروق الكوريين هو دم واحد، وهو يقصد هنا الكوريين في الشطر الجنوبي والشطر الشمالي. ومن هنا وبعد سنوات طويلة من طرح هذا السؤال يكاد هذا الحلم يقترب اكثر في ظل التطورات الدراماتيكية التي شهدها الموضوع الكوري بعد اللقاءات التاريخية بين رئيس كوريا الجنوبية مون جي ان وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج اون، علاوة على التطورات السياسية بعد لقاء الرئيس الأمريكي ترامب بزعيم كوريا الشمالية كيم جونج اون في سنغافورة.

كل تلك التطورات المتسارعة توحي بأن حلم الكوريتين أصبح أقرب مما كان من قبل، خاصة وأن الكوريين في كلا البلدين رحبوا من خلال مظاهر الاحتفالات والتغطية الإعلامية غير المسبوقة من الإعلام الكوري، مما يعطي مؤشرا بأن ما حدث في ألمانيا يمكن أن يحدث في شبه الجزيرة الكورية.

الحرب الكورية والتقسيم

كانت الحرب الكورية والتي اندلعت في إطار الحرب الباردة التي أعقبت نتائج الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة بين عامي 1950 و1953 حربا قاسية، حيث بلغ عدد ضحاياها من الكوريين نحو خمسة ملايين، معظمهم من المدنيين، علاوة على أكثر من 40 ألف جندي أمريكي و100 ألف جريح في واحدة من الحروب المدمرة التي شهدتها منطقة جنوب شرق آسيا. وقد انتهت تلك الحرب بتقسيم شبه الجزيرة الكورية على أسس أيديولوجية حيث كوريا الشمالية تأخذ بالنظام الاشتراكي الصيني تحديدا وكوريا الجنوبية تتبع النظام الرأسمالي الغربي وتحديدا الأمريكي.

ومنذ التقسيم والتوتر يخيم على الكوريتين خاصة مع التواجد العسكري الأمريكي في سول والدعم الصيني لبيونج يانج، علاوة على المناوشات على جانبي الحدود أحيانا، ولعل أقسى نتائج تلك الحرب الكورية هو تشتت العائلات على الجانبين ولا تزال هذه المأساة الإنسانية تذكر الكوريين بالمعاناة، وهناك أقارب لم يلتقوا معا حتى وفاتهم وهذه إحدى نتائج الحروب القاسية.

وقد خيم التوتر على شبه الجزيرة الكورية لأكثر من سبعة عقود من الشك وعدم اليقين وعدم الثقة واتخذ البلدان اتجاهات مختلفة حيث كوريا الشمالية النووية من خلال تجاربها النووية وصواريخها البالستية أصبحت قادرة على أن تهدد بضرب الولايات المتحدة، وهو ما لوح به رئيس كوريا الشمالية، بعد أن هدد الرئيس الأمريكي بتدمير كوريا الشمالية في كلمته المتهورة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي، في حين أن كوريا الجنوبية أصبحت دولة صناعية هامة في آسيا والعالم، وهنا نحن نتحدث عن نموذجين متناقضين وهذا بسبب القوي الكبري وتدخلها المباشر في الحرب وفي إطار صراع الحرب الباردة والتحالفات الإقليمية.

وكان التواجد العسكري الأمريكي في كوريا الجنوبية يشكل توترا على السلام وهو أحد الأسباب التي جعلت زعماء كوريا الشمالية يتجهون إلى إقامة ترسانة نووية على حساب الاقتصاد والتنمية في ظل الأهداف الاستراتيجية والأمن القومي الكوري الشمالي، وهو أمر معروف في ظل توجس كوريا الشمالية وقلقها من التواجد العسكري الأمريكي في كوريا الجنوبية وعلى مقربة من الحدود.

وفي ظل تلك الحالة من عدم اليقين بين البلدين كان الشعب الكوري هو الضحية لتلك التطورات، وأصبح الحديث عن الوحدة بين شطري كوريا هامسا وأقرب إلى الإحباط وهذا يعطي صورة كلية عن المسار السياسي طوال العقود السبعة الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية.

الآمال تتجدد

ومن خلال التطورات الإيجابية التي شهدتها شبه الجزيرة الكورية والاقتناع المتبادل بين رئيس كوريا الجنوبية وزعيم كوريا الشمالية بضرورة السلام ونزع السلاح النووي وفق آلية بناء الثقة مع المجتمع الدولي وهي عملية سوف تستغرق وقتا فان آمال توحيد شطري كوريا تجددت بين الكوريين، وهناك عدد من استطلاعات الرأي تتحدث نتائجها عن رغبة عارمة لدى الكوريين في لم الشمل والعودة الى كوريا موحدة وقوية وذات صوت مسموع إقليميا ودوليا خاصة على الصعيد الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

وإذا كانت الأجيال الجديدة لم تشهد أهوال الحرب الكورية فإن الأحداث الأخيرة والتي سلطت الضوء على تاريخ كوريا وما شهدته من حروب ومآسٍ للشعب الكوري قد تعطي حماسة كبيرة للأجيال الجديدة بعدم تكرار الماضي الصعب والانطلاق ككوريين نحو المستقبل في ظل وجود أرضية صلبة من العقلية الكورية المتطورة والتي لا تختلف عن مثيلاتها في جنوب شرق آسيا خاصة اليابان وسنغافورة وماليزيا وبقية نمور آسيا وفي ظل بزوغ ذلك الأمل فإن المسار الكوري نحو السلام سوف يتواصل بصرف النظر عن الصعوبات وهي أمر متوقع بعد حرب مدمرة وآثار نفسية واجتماعية تعمقت في النفوس ومن هنا فإن البداية الإيجابية لتحقيق الحلم الكوري قد بدأت.

وإذا كان العالم قد شهد تقسيم للكيانات السياسية في العقود الأخيرة خاصة في البلقان من خلال تقسيم أقاليم يوغسلافيا الستة الى دول وأيضا استقلال تيمور الشرقية عن اندونيسيا إلا أن الحالة الكورية تختلف وهي أشبه بالحالة الألمانية حيث التجانس العرقي ووجود الدولة الموحدة قبل الحرب العالمية الثانية في حالة ألمانيا والحرب الكورية في حالة كوريا ومن هنا فإن حلم الوحدة أصبح أكثر منطقية مع تزايد التقارب والتعاطف بين القيادتين والشعب الكوري في شطري كوريا.

العالم العربي شهد عدة حالات من الوحدة أبرزها الوحدة بين مصر وسوريا في نهاية عقد الخمسينات بوجود زعامة كاريزمية متمثلة في الزعيم المصري جمال عبد الناصر تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة وكان المأمول أن تنضم لها دول أخرى كالعراق وليبيا ولكن ذلك الحلم العربي انتهى بعد 3 سنوات (1961) إلى غير رجعة لأسباب يطول شرحها.

هناك نموذج عربي آخر وهي الوحدة اليمنية والتي لا تزال صامدة رغم الحروب والانتكاسات والتدخلات وهي الآن، أي تلك الوحدة تواجه تحديات كبيرة كما أن اليمن الآن يعيش حربا مدمرة انعكست سلبا على الشعب اليمني الشقيق من خلال الحالة الإنسانية الصعبة والثالوث الذي يفتك باليمنيين وهو المرض والجوع والقتل، ولا شك أن مسألة الوحدة بين الشعوب والدول تحتاج إلى استقرار والى إرادة مشتركة، وبالتالي فإن التجارب العربية لم تنجح قياسا بالنموذج الألماني.

المؤشرات إيجابية

لقد فتح زعيم كوريا الشمالية ورئيس كوريا الجنوبية الباب لإيجاد تسوية سياسية شاملة من خلال وجود آليات ولجان بدأت تتشكل وزيارات متبادلة وروح وطنية تسري في نفوس الكوريين بإن الوقت أصبح مناسبا للوحدة ووجود كوريا الموحدة ولم شمل الكوريين التي قسمتهم الحرب وتدخلات القوى الكبرى.

وسوف يكون الانضباط الكوري مميزا على غرار الانضباط الألماني اذا حل السلام في شبه الجزيرة الكورية لأن كل الأبواب المغلقة والتحفظات سوف تنكسر وتسري حالة من الأمل لتحقيق ذلك الحلم الذي أصبح حديث الكوريين وهم يتابعون التطورات المتلاحقة والتي لم تكن متوقعة قياسا على اللهجة المتصاعدة والتهديدات بشن حرب نووية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. صحيح أن تحقيق السلام لن يأتي بين ليلة وضحاها، كما يقال، ولكن المؤشرات تبدو إيجابية من خلال القناعات لدى زعيم كوريا الشمالية بأهمية السلام وأن تكون كوريا بعيدة عن شبح الحروب، التي كان لها آثار مأساوية على الشعب الكوري لا تزال آثارها باقية على الأقل في نفوس الأجيال التي شهدت تلك الحرب العنيفة.

كوريا الموحدة هي حلم سوف يتحقق يوما ما من خلال إرادة الكوريين والتوجهات الإيجابية لقيادتي شطري كوريا وفي ظل المتغيرات الدولية وفي ظل رغبة كبيرة للشعب الكوري في لم شمل الأسر والانتقال وإيجاد بلد موحد سوف يكون من النماذج الناجحة في آسيا والعالم مع الاعتراف أن العقبات لا تزال موجودة. وهذا أمر طبيعي لصراع محتدم منذ عقود وفي ظل عدم الثقة وتدخلات الآخرين ومع ذلك فان ما حدث في ألمانيا سوف يحدث في كوريا وهي عملية طبيعية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب في الحالتين الألمانية والكورية.