tahira
tahira
أعمدة

نبـض الــدار : ميكنة حصاد النخيل

01 أكتوبر 2018
01 أكتوبر 2018

د. طاهرة اللواتية -

[email protected] -

كان الرطب والتمر والبسور من اختصاص بلادنا، ومن القدم شهدت عمان تجارة البسور مع الهند والشرق الأقصى وأوروبا، وكاد أن يكون المحصول الأكبر للتصدير في فترات كبيرة من تاريخنا الاقتصادي.

النخلة جزء من تراثنا الحياتي، وكل مفردات النخلة دخلت قاموس حياتنا اليومي والثقافي والاجتماعي، وكان الأجداد يهتمون بالنخلة كما يهتم الأب بولده. وكانت النخلة ولا تزال تعطي بكرم منقطع النظير وان شح الماء أو داخلته الملوحة، أو عانت التربة فقرا.

رغم هذا الحب المنقطع النظير للنخلة، والذي تبدى في زراعتها في كل مكان وبأنواع عديدة وكثيرة، إلا أننا إلى اليوم تمسكنا بالأساليب القديمة والبالية في الاهتمام بها وتنبيتها وخرفها وحصادها، وكان دور الوزارة في تقديم مشورة ودعم تطويرها وميكنتها غير واضح أو مشهود. فما يزال المزارع يطوقها ونفسه بحبل ثم يصعد حافيا واضعا الجزء الأمامي من قدمه على الكرب، متسلقا بحذر شديد، وكم من مرات فلت الحبل أو انقطع، فوجد نفسه واقعا من على شاهق، يتألم من لطمة الأرض أو من كسر ورض وشدخ، أو أسلم روحه من سقوط على أم الرأس.  وكم من مرات طالت النخلة وامتشق قوامها، فتهيب المزارع من تسلقها وتنبيتها أو خرفها تاركا إياها دون استفادة، وكم من مرات غزت النخلة آفات فتركها لصعوبة الارتقاء كل حين لعلاجها، وكم من مرات أصبح الكرب نفسه موطن الداء، فصار هشا، فلم يعد يستطيع وضع قدمه عليه كي يرتقي، فتركها وشأنها، وكم من مزارع تعب من عملية الارتقاء فترك نخيله مهملا، أو أسلمها للوافد وأخلى مسؤوليته. أما في سهل الباطنة فترك ثمرها للحيوانات، فلم تعد الناس تقبل على شراء رطب وتمر الباطنة، لافتقاده إلى الكثير من العمل والجهد والخبرة والمساعدة ليكون جيدا ومنافسا رطب وتمر الداخلية والظاهرة.

الولايات المتحدة واستراليا دخلتا سباق زراعة النخيل وحصاده، وصرنا نشهد محصولهم في أسواق العالم، رطب كبير يانع وطازج، حلو المذاق جميل الشكل.

فقد زرعوها بكثرة في صحاريهم، وميكنوا كل خطوات التعامل معها، رافعة صغيرة خفيفة أغنتهم عن تسلقها كل حين، ونظام حصاد وحفظ وتعبئة غاية في الدقة والأناقة، ونظام تسويق أوصل الثمر إلى إنحاء العالم الأربع. في الأندلس في إسبانيا ذهبوا أبعد من ذاك، فلديهم آلات لإزالة الكرب، وجعل ساق النخلة نظيفا وأملسا، كي لا يكون مكانا لتجمع الغبار وتعشيش العناكب، حتى لا يمرض الثمر بغبار العناكب وغيره من الحشرات، واستخدموا طرقا وقائية تقنية دقيقة كي لا تغزو ساقها الآفات، فصارت اكثر جمالا وأصلب ساقا وعنفوانا وأغزر ثمرا.

النخلة جزء رئيس من تراثنا وحياتنا، لكننا لم نعرف إلى اليوم كيف نجعلها جزءا من واقعنا الاقتصادي المعاصر والمربح جدا !!