oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

أسعار النفط وإدارة الموارد المالية للدولة

01 أكتوبر 2018
01 أكتوبر 2018

لا أحد يحتاج إلى الـتأكيد على حرص الحكومة وما تبديه من رعاية وراحة للمواطنين وتحقيق سبل العيش الكريم لهم، وهو النهج الذي اختطه منذ بواكير النهضة الحديثة، وما زالت تسير عليه، امتثالا للرؤية السامية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – التي تضع الإنسان وسعادته في أولويات التطوير والنماء في البلاد، باعتباره هو هدف التنمية وغايتها وهو صانعها قبل ذلك.

وفي هذا الإطار فإن الظروف المدركة التي يعيشها الاقتصاد العُماني منذ أواخر عام 2014 مع بداية أزمة أسعار النفط، انعكست بشكل أو بآخر على حياتهم في بعض الأمور، ونتج عنها سياسة احترازية تقوم على الترشيد في الإنفاق وإدارة الموارد المالية وفق المتغيرات الحاصلة على الصعيد العالمي وانعكست على الأوضاع المحلية.

لهذا فقد عملت الحكومة في السنين الماضية على أن تبحث عن البدائل الممكنة في إطار سياسة التنويع الاقتصادي، بأن يتم تعزيز المجالات الأخرى كالصناعات التحويلية والأعمال اللوجستية وتعزيز الموانئ والمناطق الحرة، والتوسع في مجالات ريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وغير ذلك، مما يهيئ لاقتصاد حديث لا يعتمد قوامه على النفط كمصدر وحيد للدخل القومي.

هذه السياسة ماضية، وسوف تحقق ثمرتها ذات يوم، لكن إلى الآن فإن النفط يظل هو البند الأساسي في الميزانية العامة للدولة، والرهان عليه. وبرغم أن الأسابيع الماضية شهدت انتعاشة في الأسعار، إلا أن ذلك لا يعني التوقف عن سياسة البدائل أو من ناحية ثانية التراجع عن السياسات الاحترازية وتقنين الإنفاق.

والسبب ببساطة كما هو معلوم أن عملية ارتفاع وأسعار النفط إلى اليوم ليست لها معادلة ثابتة ولم تخرج عن دائرة الحيطة والحذر، إذ ما زال الوضع ما بين الشدّ والجذب، بفضل الأمور السياسية والأزمات الإقليمية والدولية وانعكاسها على هذه السلعة الاستراتيجية في العالم التي تشكل محور صراع وأداة ضغط بين الدول.

والارتفاع الأخير في سعر نفط عمُان لم يكن إلا وليد ظروف معروفة للمراقبين، تتمثل في الحفاظ على إنتاج معين يوميًا من أوبك والدول المتحالفة معها في اجتماعهم الأخير في الجزائر، وحيث تضافر ذلك مع العقوبات الأمريكية على إيران التي تشمل منع تصدير النفط، بالإضافة إلى تراجع المخزون الأمريكي من النفط، ما أدى جملة ذلك إلى ارتفاع مفاجئ وسريع بفعل النقص في المعروض في السوق العالمية.

ومن الصعب في مثل هذه الظروف ضبط الأسعار أو التنبؤ بحركتها ومسارها صعودًا وهبوطًا وهذا يجعل الوضع مضطربًا، ويقود صانع السياسات المالية والاقتصادية إلى التريث في اتخاذ أي قرارات لها تبعات أو تكاليف مادية كبيرة، ما يعني الاستمرار في السياسة المالية المتبعة نفسها إلى حين وضوح الصورة، وهو أمر قد يتطلب فترة أطول لا يمكن تقديرها لحظيا.

محصلة هذا المشهد تفرض المضي في السياسة المرحلية التي صاحبت أزمة الأسعار، والتي نأمل أن تنتهي بها الأوضاع في نهاية المطاف إلى استقرار على وضعية مُرضية، يتم على اثرها العودة إلى التخطيط الاعتيادي والإنفاق المعهود ولكن بعد أن نكون قد أخذنا هذه التجربة بعين الاعتبار في الاستفادة منها في إدارة المستقبل بشكل أفضل.

ولاشك أن أي فائض يتحقق في ميزانية الدولة نتاج زيادة في الأسعار، سوف يكون في الصالح العام وسوف تعود ثمرته على الجميع، بما يحقق المزيد من الحياة الطيبة للمواطنين ويساعد كل فرد للوصول إلى غاياته ومراده في هذا الوطن.