الملف السياسي

الجمعية العامة وكشف الحساب الصعب!!

01 أكتوبر 2018
01 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

كل عام تنعقد الجمعية العامة للامم المتحدة في مقرها في نيويورك لمناقشة اوجاع العالم التي تفاقمت خلال العقود الاخيرة حيث انتشار الفقر والامراض واللاجئيين والحروب في الجزء الجنوبي من العالم خاصة الدول النامية في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية .

ولعل خطاب الامين العام للامم المتحدة البرتغالي انطونيو غوتيريش في الجمعية العامة هو من اهم الخطابات والتي لخص فيها الاوجاع التي تعاني منها البشرية في ظل نظام دولي غير فعال وفي ظل سياسات احادية لاتساعد علي تبني وتطبيق الميثاق الذي قامت عليه المنظمة الدولية ، علاوة علي انتشار الحروب التي ادت الي خسارة الملايين من البشر في اطار الصراعات العسكرية كما ان موضوع اصلاح الامم المتحدة يعد من الامور الاساسية والذي اصبح امرا ملحا في ظل المشاكل الاقليمية التي يعيشها عالم اليوم .

كما ان خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد اعطي جرس انذار عند ما حذر من مصير الامم المتحدة ومقارنتها بعصبة الامم والتي انشئت بعد انتهاء الحرب العالمية الاولي واستمرت حتى قيام الحرب العالمية الثانية ، مذكرا بالمنهجية التي تتبعها عدد من القوي الكبري في الانفراد بالقرار السياسي وهو هنا يشير ضمنا الي الولايات المتحدة الامريكية من خلال الادارة الحالية .

الخطابات التقليدية

الدوره الثالثة والسبعين للجمعية العامة والتي تتواصل اعمالها شهدت عددا من خطابات قادة العالم او من يمثلهم من وزراء الخارجية حيث عكست تلك الكلمات مواقف الدول حول مجمل الاوضاع السياسية في العالم ولعل مما ميز الدورة الحالية هو الاجتماع الخاص لمجلس الامن الدولي والذي تراسه الرئيس الامريكي ترامب علي اعتبار ان واشنطن هي رئيس الدورة الحالية للمجلس وخصصت الجلسة لخطورة انتشار الاسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية .

لكن الذي حدث ان واشنطن عملت على تحويل الجلسة لتكون ضد ايران والي حدما ضد روسيا ، وهذا ما اتضح من خلال كلام الرئيس ترامب وهي سابقة اخرى لاستخدام منصة مجلس الامن لتحقيق غايات سياسية ومن هنا فان الاسبوع الاول للجمعية العامة تميز بالهجوم المتبادل حول سياسات الدول ، وهو امر يتكرر كل عام . ومن هنا اصبحت منصة الجمعية العامة توصيل الرسائل السياسية وتاكيد علي المواقف دون النظر بجدية الى الوضع الدولي وكيف يمكن انتشال العالم من الاوضاع الصعبة والمعقدة التي تعيشها عدد من الدول وشعوبها ، في اليمن وسوريا والصومال وفي مينامار وليبيا وافغانستان حتي موضوع الارهاب يتم تكييفه لصالح عدد من القوي الكبري وفي مقدمتها الولايات المتحدة والتي تري ادارتها ان الامم المتحده تستغل ضد اسرائيل والمقصود هنا الجمعية العامة للامم المتحدة .

الاجتماعات الجانبية

من الامور الملفتة التي شهدتها الامم المتحدة في دورتها الحالية اجتماع وزير الخارجيه الامريكية مايك بومبيو بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي لاول مرة منذ بداية الازمة الخليجية ، وهذا مؤشر جيد خاصة وان التصريحات الامريكية تتحدث عن ضرورة وجود مجلس تعاون قوي لمواجهة التحديات في المنطقة .

وبصرف النظر عن مسالة الحلف الاستراتيجي الذي تمت الاشارة اليه من خلال وجود وزيري الخارجية المصري والاردني خلال ذلك الاجتماع فان المهمة الامريكية تركز اولا علي انهاء الازمة الخليجية ، لتمهيد الطريق لاقامة هذا الحلف الاستراتيجي ، والذي يعد مجرد تصور حتى الآن على الأقل .

من الامور الايجابية في الجمعية العامة هو ان الاجتماعات الثنائية بين القادة ووزراء الخارجية لتبادل الآراء ومناقشة القضايا وتفعيل التعاون ، وهي امور اكثر عملية من القاء الخطب التقليدية . ولعل اجتماعات معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجيه يوسف بن علوي مع عدد كبير من وزراء الخارجيه والمسؤولين من دول العالم المختلفة ، يعطي مؤشرا علي مدي زخم الديبلوماسية العمانية ونشاطها الواسع في نيويورك خاصة وان السلطنة وبفضل الرؤية الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- اصبحت تتمتع بمصداقية واحترام كبيرين من قادة العالم وشعوبها من خلال مواقفها النبيلة والانسانية ولعل نموذج اليمن يعد واضحا في هذا الاطار .

ان بقاء المنافذ البرية والبحرية والجوية مفتوحة للشعب اليمني الشقيق الذي يعاني الامرين بسبب الحرب القاسية عليه منذ اكثر من ثلاث سنوات هو موقف اصيل للسلطنة وقيادتها والذي لاقي صدي طيبا من الديبلوماسية الدولية في نيويورك ومن اليمن وشعبها ومن هنا فان كلمة السلطنة عكست مواقف عملية ، خاصة حول دعوتها المجتمع الدولي الي عمل تكتل او آلية انسانية تمكن المساعدات من الوصول الي كل المحافظات اليمنية .

الزخم الاعلامي

كان الزخم الاعلامي لتغطية مايدور من احداث في مقر الامم المتحدة كبيرا مما يعطي مؤشرا علي الحدث والتعاطي مع الاحداث بشكل احترافي وتلك التغطية الاعلامية الواسعة اعطت الفرصة للمتابعين لمشاهدة كل مايدور في مقر الامم المتحدة والتناقضات بين المواقف خاصة المؤتمر الصحفي للرئيس ترامب والذي هاجم فيها مرة اخري الصحافة الامريكية خاصة صحيفة نيويورك تايمز والقنوات الاخباريه كمحطة «سي ان ان « مما جعل القنوات الامريكية تفرد ساعات طويلة لذلك المؤتمر المثير للجدل .

القضية الفلسطينية كانت متواجده بشكل قوي خاصة مع التصريحات الايرلندية والاسبانية حول امكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، في حال فشلت عملية السلام ، كما ان خطاب الرئيس الفلسطيني امام دورة الجمعية العامه كان موضوعيا وكاشفا عن الانتهاكات الاسرائلية ، وموقف نتانياهو ضد السلام العادل والشامل الذي يقوم علي قرارات الشرعية الدولية

ورغم ان اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحده والكلمات المتعددة وذلك الزخم السياسي والديبلوماسي الذي يمتد لعدة اسابيع ، لن يغير من الوضع الدولي الكثير، لكن تسليط الضوء اعلاميا علي العديد من القضايا في افريقيا واسيا وموضوعات المناخ والتلوث والصحة والتعليم ، يعد من الامور الاساسية خاصة وان منظمات عديده تهتم بهذه الجوانب ومنها بالطبع « الاونروا» والتي شهدت تبرعات من خلال تعهد بعض الدول باكثر من 185 مليون دولار وهي مبالغ سوف تساعد المنظمة علي الوفاء بالتزاماتها تجاه اكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني في دول مثل لبنان والاردن وسوريا وفي الاراضي الفلسطينية المحتلة .

المواجهات السياسية بين ايران والولايات المتحدة كانت من ابرز المواجهات خلال كلمات الرئيس ترامب ، والرئيس الايراني روحاني ، وهو امر متوقع لكن الموقف الاوروبي كان واضحا من خلال الآلية المتفق عليها لمواصلة التبادل التجاري مع ايران وسوف تكون المواجهة المقبلة بين دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والتي حذرها ترامب ضمنيا بانها سوف تواجه موقف امريكيا صارما اذا اخترقت اجراءات العقوبات الامريكية ضد ايران في نوفمبر القادم والتي قد تشمل منع ايران من تصدير النفط وهي مسالة حساسة لايران وللاتفاق النووي الايراني مع القوي الكبري

كما ان اعلان روسيا وتركيا بانها سوف تتعامل مع ايران تجاريا قد اوقع الولايات المتحده في مازق واضح لأنها لا تستطيع محاربة العالم تجاريا . ومن هنا فان الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الحالية قد كشفت كل الخبايا خاصة في مواقف الدول والمواجهات الساخنة المنتظرة سواء بين طهران وواشنطن ، او بين الحلفاء علي ضفتي الاطلسي ، وهي المواجهة الاكثر صعوبة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية ومن خلال الصراعات الاقليمية ، وحديث ترامب المتكرر عن الربط بين حماية واشنطن للحلفاء في الشرق الاوسط واسيا وبين دفع الاموال فان الامور تتجه الي الاسوا في ظل ادارة ترامب التي تعيش اوضاعا صعبة في الداخل من خلال تحقيقات موللر المثيرة او من خلال المواجهة مع الاعلام اللامريكي او خارجيا من خلال الحرب التجارية مع الصين ، واخيرا الخلاف الحاد مع الكتلة الاوروبية حول الموقف من العقوبات الامريكية ضد ايران .