997668
997668
المنوعات

مرور نصف قرن على إنقاذ آثار النوبة وأبوسمبل

30 سبتمبر 2018
30 سبتمبر 2018

وسمبل- مصر- «د.ب.أ»: بحلول الرابع من شهر أكتوبر من العام الجاري 2018، يكون قد مضى نصف قرن من الزمان على المشروع الدولي، الذي أطلقته منظمة اليونسكو لإنقاذ معابد أبوسمبل جنوب مصر من الغرق. وتكتسب ذكرى إنقاذ آثار أبوسمبل أهمية خاصة لدى العالم أجمع، حيث يرى كثيرون أن نجاح مبادرة اليونسكو لإنقاذ آثار وتراث تلك المدينة الضاربة في أعماق التاريخ، فتحت الباب واسعا أمام أطلاق مبادرات لإنقاذ آثار مدن أخرى حول العالم.

وقد أعلنت مصر ومنظمة اليونسكو عن إقامة احتفالات محلية ودولية إحياء لتلك المناسبة، وتستمر خلال الربع الأخير من العام الجارى، وحتى العام المقبل 2019. وأبوسمبل الواقعة جنوبي مدينة أسوان، كان بها معبدان منحوتان في الصخر بالجبل الرملي الغربي، وشيدهما الملك رمسيس الثاني.

وأما المعبد الكبير الذي خصص لعبادة إله الشمس «رع. حور. أختي» فقد تزينت واجهته بأربعة تماثيل ضخمة للملك وهو في وضع الجلوس. وقد صور على جدران بهو الأعمدة في المعبد الكبير، تفاصيل معركة قادش التي انتصر فيها الملك رمسيس الثاني، على الحيثيين، والتي انتهت بتوقيع معاهدة سلام هي الأولى في التاريخ، بجانب مناظر دينية وحياتية وحربية رائعة.

أما المعبد الصغير فقد أقامه الملك رمسيس الثاني تكريما لزوجته نفرتاري «جميلة الجميلات» وقد تزينت واجهة ذلك المعبد بستة تماثيل ضخمة، وقد جرى تكريس المعبد لعبادة الربة حتحور. وعند إقامة السد العالي في جنوبي مصر، تعرض المعبدين الكبير والصغير لخطر الغرق، فجرى نقلهما لحمايتهما إلى منطقة مرتفعة فى مشروع هو الأضخم من نوعه في العالم. وقد بنى رمسيس الثاني معبدي أبوسمبل، من خلال رؤية هندسية تحمل دلالات دينية عميقة، ورمزية قومية، تؤرخ لبطولات الملك رمسيس الثاني، ومنجزاته في شتى مناحي الحياة.

وكان المستكشف الإيطالي، جوفاني باتيستا بيلزوني، قد قام في عام 1817، بإزاحة الأتربة عن معبد أبوسمبل الكبير وكان أول من دخل المعبد، وذلك خلال ثلاث رحلات استكشافية قام بها على ضفاف نهر النيل بمصر في الفترة ما بين عامي 1815 و1819 ميلادية. إنقاذ 22 أثرا: وبدأت الدعوة لإنقاذ معابد أبوسمبل، في عام 1961، حين وجه الإيطالي فيتورينو فيرونيزى، المدير العام لمنظمة اليونسكو آنذاك، بإطلاق حملة عالمية لإنقاذ المعبدين الشهيرين من الغرق في مياه النيل.

حيث جرى عقد مؤتمر بمشاركة ثلاثة عشر دولة، اتفق مندوبوها على الإسراع في إنقاذ آثار أبوسمبل، وشملت الحملة انقاذ 22 أثرا ومعلما من آثار النوبة في جنوب مصر، في أكبر مشروع استهدف إنقاذ آثار مهددة في التاريخ. وقد قامت فكرة إنقاذ معابد أبوسمبل على تقطيع آثار المعبدين إلي عدد من الكتل وترقيمها ثم إعادة بنائها مرة أخرى في مكان مرتفع وآمن بعيدا عن المياه.

وقد ارتبطت الكثير من الأسماء الدولية بمشروع إنقاذ معبدي أبوسمبل وآثار النوبة، وبخاصة بعض الشخصيات الإيطالية، مثل الإيطالى فيتورينو فيرونيزي، المدير العام لمنظمة اليونسكو، وصاحب مبادرة إنقاذ آثار أبوسمبل والنوبة، والطبوغرافي الإيطالي، انجلو بيريكولي، وشركة ساليني ايمبر يجيلو الإيطالية التي أوكل لها مهمة تقطيع الآثار التي جرى نقلها لموقع آمن لحمايتها من الغرق في النوبة وأبوسمبل، حيث استعانت الشركة بخبراء من محاجر مدينة كارارا، الذين يعرفون بخبرتهم الكبيرة في ذلك المجال.

لكن أكثر ما أدهش العالم، بالنسبة لمشروع نقل وإنقاذ معبدي أبوسمبل، هو أن عملية النقل تمت برغم صعوبتها، بدقة هندسية عالية، ساهمت في استمرار حدوث ظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني، داخل قدس أقداس أبوسمبل، كما كان يجرى في الموقع الأصلي للمعبدين. ولا يزال العالم يتابع حتى اليوم، طقوس تعامد الشمس على معابد أبوسمبل، في شهري أكتوبر وفبراير من كل عام.

ولا تقتصر أهمية أبوسمبل على وجود المعبدين الشهيرين اللذين شيدهما الملك رمسيس الثاني، وأنقذتهما منظمة اليونسكو من الغرق، إذ تحتوي ابوسمبل على مواقع تاريخية مهمة، مثل وادي النبطة الذي عثر به على أول ساعة حجرية وأول بوصلة عبر التاريخ القديم، ومعالم أخرى كشفت عن الكثير من أسرار الفلك والتقويم ومعرفة الجهات الأربع وغيرها مما تفردت مصر القديمة من علوم الفلك والهندسة.

وقد صاحب مشروع إنقاذ معبدي أبوسمبل، و22 أثرا قديما في منطقة النوبة جنوبي مصر، من الغرق في مياه نهر النيل، إنشاء مدينة أبوسمبل الحديثة، والتي قسمت عند إنشائها إلى ثلاثة أحياء، فكان هناك حي رمسيس الذي كان يقيم به المهندسون المشرفون والمنفذون لمشروع إنقاذ آثار النوبة وابوسمبل، وكان هناك حي منشية القباب النوبية الذي أنشئ على غرار البيوت النوبية القديمة، والذي يعرف اليوم باسم منشية النوبة، وكان يقيم فيه الفنيون بالمشروع، وكان هناك ما كان يعرف بحي الصفيح وكان يقيم به صغار العمال.

وقد وضع صندوق إنقاذ آثار النوبة القائم منذ إنقاذ آثار المنطقة وحتى اليوم، عددا من المشروعات الإثرية الجديدة فيما يسمى بمعابد النوبة، وذلك بهدف وضع عدد من المزارات التاريخية في المنطقة على الخريطة السياحية للبلاد. ومن تلك المشروعات التي وضعها صندوق آثار النوبة بمصر، إعادة تركيب مقاصير أبريم وأبو عودة وعدد من اللوحات الأثرية في منطقة السبوع، وإخضاع مناطق أثرية أخرى لمشروعات تطوير وترميم وحماية لمعالمها، مثل مناطق جزيرة فيلة وجرف حسين ومقصورة بدون والسبوع والدبكة والمحرقة وعمدا الجديدة ومعبد الدر ومعبد عمدا ومقبرة بنوت وبقايا قصر أبريم.

وآثار النوبة وأبوسمبل هي جزء من المناطق الأثرية الواقعة في محافظة أسوان، التي تمتد آثارها من صحراء الكاب شمالي مدينة ادفو، وحتى أبوسمبل جنوب المحافظة بـ 280 كم، وتضم أسوان بجانب آثار النوبة وأبوسمبل، معابد إدفو وكوم أمبو وفيلة وغيرها.