أفكار وآراء

يوم الترجمة وظاهرة غياب المؤسسات الثقافية

30 سبتمبر 2018
30 سبتمبر 2018

أ.د. حسني نصر -

ربما يكون من حسن الطالع أن تتزامن تقريبا مناسبتان تهتمان بالترجمة في وقت واحد، الأولى كانت ملتقى المترجمين العمانيين الثالث 2018، الذي عقد في العشرين من سبتمبر الماضي، والثانية هي الاحتفال باليوم الدولي للترجمة الذي يوافق الثلاثين من الشهر نفسه من كل عام.

والواقع أن المناسبتين وغيرهما من الفعاليات التي تهتم بالترجمة، تؤكدان الاهتمام الوطني والعالمي بالترجمة، وتزايد أهميتها كوسيلة للاتصال الثقافي بين الدول والشعوب في العالم المعاصر، وهو اهتمام محمود، خاصة وأن الجانب الوطني منه جاء بمبادرات من جهات ومؤسسات تبدو في الظاهر غير وثيقة الصلة بالشؤون الثقافية، مثل شركة تنمية نفط عمان التي نظمت الملتقي الوطني الثالث الحالي، وكذلك الملتقي الثاني في العام الماضي، ومن قبله الملتقي الأول في العام قبل الماضي. وعندما بدأ العالم العام الماضي الاحتفال باليوم الدولي للترجمة كانت وزارة البيئة والشؤون المناخية هي المؤسسة الوحيدة في السلطنة التي أخذت على عاتقها الاحتفال بهذا اليوم من خلال دائرة التعاون الدولي بها.

ومع كل التقدير للشركات والمؤسسات التي احتفت بالترجمة ورعت الفعاليات التي أشرنا إليها، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: أين الوزارات والمؤسسات المعنية بالثقافة والتربية واللغة وتعليم الترجمة من هذه الفعاليات، خاصة الملتقيات التي تجمع المهتمين بالترجمة، وكذلك الاحتفال باليوم الدولي الذي أقرته الأمم المتحدة واحتفلت به لأول مرة العام الماضي؟ قد يقول قائل أن عددا كبيرا من الذين شاركوا في ملتقيات المترجمين العمانيين الثلاثة، وفي احتفال وزارة البيئة باليوم الدولي ينتمون إلى مؤسسات ثقافية وإعلامية وتعليمية تهتم بالترجمة، وهذا صحيح، ومع ذلك فإن هذه المشاركات التي تتم في الغالب بمبادرات فردية، لا تغني إطلاقا عن العمل المؤسسي عبر قيام هذه المؤسسات بمسؤولياتها في هذا القطاع المهم من قطاعات العمل الثقافي.

والواقع إن مسؤولية متابعة مثل هذه الأيام الدولية المعنية بالثقافة تقع في الأساس علي عاتق وزارة التراث والثقافة باعتبارها الجهة القائمة على العلاقات الثقافية التي تربط السلطنة سواء بالدول أو بالمنظمات الأممية، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي تنظم الاحتفالات الخاصة بمثل هذه الأيام الدولية. وربما يسأل سائل وما الذي يعود على الوزارة من الاحتفال بمثل هذه الأيام؟ والواقع أن الإجابة عن هذا السؤال تفتح الباب واسعا للحديث عن أهمية هذه المناسبات في الترويج للصورة الذهنية الإيجابية عن الدولة في الأوساط العالمية بأقل التكاليف. فالمعروف أن المنظمة الدولية وقبل المناسبة بفترة كافية تخاطب جميع المؤسسات المعنية في الدول المختلفة، وتحصل منها على برنامج احتفالها باليوم العالمي، وتقوم بنشر هذه البرامج على نطاق واسع عبر موقعها الإلكتروني والصفحة الخاصة بالمناسبة الدولية. وفي هذا الإطار فإن قطاع الثقافة في الوزارة لديه دائرتان كاملتان، هما دائرة المنظمات والعلاقات الثقافية، والمديرية العامة للآداب، وكان من الممكن أن يسند لإحداهما مهمة ترتيب الاحتفال باليوم الدولي للترجمة، حتى وان تم ذلك بالتعاون مع وزارة البيئة في العام الماضي أو مع شركة نفط عمان هذا العام. ويقول موقع الوزارة الإلكتروني إن دائرة المنظمات والعلاقات الثقافية تتولي متابعة «العلاقات الثقافية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وتحديد آليات تنفيذ المشروعات المتعلقة بمجال العلاقات الثقافية الدولية». ومن المؤكد أن الاحتفال بالأيام الدولية ذات الطابع الثقافي التي أقرتها الأمم المتحدة وتتولاها منظمة اليونسكو تندرج ضمن عمل هذه الدائرة، مثل اليوم الدولي للغة الأم في فبراير، واليوم العالمي للشعر في مارس، واليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، ويوم اللغة الإنجليزية، واليوم العالمي للملكية الفكرية في أبريل، واليوم العالمي للتنوع الثقافي في مايو، واليوم العالمي للتراث السمعي البصري في أكتوبر، واليوم العالمي للفلسفة في نوفمبر، ويوم اللغة العربية في ديسمبر.

الجهة الثانية التي يجب أن تولي اهتماما لمثل هذه الأيام الدولية هي اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، والتي تتمثل رؤيتها كما تقول في صفحتها على فيسبوك في «دعم خطط التنمية والسعي لإبراز الوجه الحضاري والثقافي للسلطنة دوليا عبر مبادرات ريادية من أجل مستقبل أفضل للإنسانية». ورغم أن اللجنة تقول أن لديها موقعا إلكترونيا فإن كل محاولاتي للوصول إليه حتى من داخل صفحة اللجنة علي فيسبوك، والمجمدة تقريبا منذ عام 2013، باءت بالفشل. ومن خلال موقع وزارة التربية والتعليم التي تتبعها اللجنة، فإن الأمانة العامة لها تختص «بالتعاون مع اليونسكو والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الالسكو) والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الاسيسكو) في تنفيذ البرامج والمشروعات التربوية والعلمية والثقافية في السلطنة». وعلى هذا الأساس فإن الاحتفال بالأيام والمناسبات العالمية التربوية والعلمية والثقافية تقع ضمن نطاق عمل اللجنة.

إن الأمر في حقيقته لا يتعلق فقط بالاحتفال باليوم الدولي للترجمة،الذي يوافق عيد القديس جيروم مترجم الكتاب المقدس من مخطوطات إغريقية إلى اللغة اليونانية، ولكن بضرورة اهتمام الجهات المسؤولة عن الثقافة بمسايرة الركب الثقافي العالمي، وتوظيف مثل هذه الأيام الدولية للوصول برسالة الدولة إلى العالم، خاصة وأن لدينا ما يمكن أن نضيفه إلى الحضارة الإنسانية في هذه المناسبات. لذلك أعود فأكرر أنه لا ضير إطلاقا في أن تنظم شركة النفط ملتقى للمترجمين العمانيين، ولا أن تحتفل وزارة البيئة والشؤون المناخية باليوم الدولي للترجمة، أو بأيام وطنية ودولية ثقافية أخرى، على العكس تماما نحن نقدر ونثمن هذه المشاركات التي تؤكد الاهتمام العام بالثقافة. ومع هذا فإن المؤسسات المعنية بالثقافة مثل وزارة التراث والثقافة واللجنة الوطنية للتربية والعلم والثقافة «وفقا للترجمة المعتمدة من اليونسكو»، كانت أحق بمثل هذا الاهتمام، خاصة وأنها تصب في صميم اختصاصاتها، والتي لا تخرج عن ما قالته اليونسكو عن أهمية اللغة في اليوم الدولي للترجمة، «التي تضطلع بدور حيوي في التنمية، وفي كفالة التنوع الثقافي والحوار الثقافي، وكذلك في بلوغ هدف التعليم الجيد للجميع وتعزيز التعاون، وفي بناء مجتمعات المعرفة الشاملة وحفظ التراث الثقافي، وفي تعبئة الإرادة السياسية لتسخير فوائد العلم والتكنولوجيا لأغراض التنمية المستدامة».