أفكار وآراء

ترامب يغلق أبواب البعثة الفلسطينية والسلام أيضا

29 سبتمبر 2018
29 سبتمبر 2018

روبن رايت- نيويوركر ترجمة قاسم مكي -

خلال أول عشرة أشهر لإدارة ترامب كان يتم استدعاء كبير الدبلوماسيين الفلسطينيين في واشنطن حسام زملط إلى البيت الأبيض كل يومين أو ثلاثة، حسبما أخبرني. انفق زملط ساعات عديدة مع جاريد كوشنر صهر الرئيس والمسؤول الأول عن مفاوضات السلام الذي يعكف على انفاذ خطة ترامب الطموحة لإنهاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. لقد كانت تلك الاتصالات بالنسبة لبعثة منظمة التحرير الفلسطينية (وهي فنيا ليست سفارة لأنها لا تمثل دولة) أهم تعامل مع المسؤولين الأمريكيين منذ افتتاح مكتبها في عام 1994. وفي أحاديث متبادلة بيننا خلال تلك الأشهر الأولى للإدارة بدا زملط شديد التفاؤل إزاء تحقيق السلام رغم العداوات التي امتدت لسبعة عقود. لكنه لم يعد كذلك؟ ففي ضربة ثالثة هذا العام لعملية السلام والتي من الممكن جدا أن تكون القاضية طلبت إدارة ترامب الاثنين 10 سبتمبر من المنظمة إغلاق أبواب مقر بعثتها الدبلوماسية في واشنطن. وهو مبنى من الطوب الأحمر الغامق عند طرف حي جورج تاون الراقي. ستزيل هذه الخطوة دبلوماسيا وماديا قناة اتصال ظلت في قلب عملية السلام خلال أربع إدارات أمريكية. إنها أساسا عقوبة. فقد ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية إخفاق الفلسطينيين في «إطلاق المفاوضات المباشرة والجادة مع إسرائيل» كسبب لإغلاق البعثة، كما اتهمت أيضا قادة منظمة التحرير بإدانة « خطة سلام أمريكية لم يطلعوا عليها بعد.» وقالت انهم «رفضوا التعامل مع حكومة الولايات المتحدة في جهود السلام وغير ذلك». إن تحديد المتسبب في تقويض واحدة من أهم أهداف السياسة الخارجية الطموحة للرئيس يماثل على الأٌقل تحديد أيهما الأسبق الدجاجة أم البيضة. وعلى الرغم من مزاعم وزارة الخارجية إلا أن الإدارة الأمريكية لا تخلو من اللوم. ففي ديسمبر 2017 ووفاء بوعد انتخابي اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل رغم مطالبة الفلسطينيين بجزء من المدينة كعاصمة لهم أيضا. وذلك ما قاد السلطة الفلسطينية إلى وقف المحادثات الدبلوماسية.

ودفع الافتتاح الرسمي لسفارة الولايات المتحدة في القدس في مايو الماضي السلطة الفلسطينية إلى استدعاء زملط من واشنطن. وفي الشهر الماضي قطعت الإدارة العون (المباشر أو عبر المنظمات الدولية) الذي يؤثر على حياة ملايين الفلسطينيين. اقتطعت الإدارة حوالي 200 مليون دولار من مشروعات العون الثنائي المخصصة للتنمية الاقتصادية والإصلاحات الديمقراطية والرعاية الصحية والتعليم والأمن والمسائل الإنسانية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. كما توقفت عن تقديم عون أمريكي بقيمة ثلاثمائة مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة التي تدعم 5.4 مليون لاجئ فلسطيني مبعثرين حول الشرق الأوسط واصفة البرنامج بأنه « معطوب وغير قابل للإصلاح ». وتمول الولايات المتحدة ثلث موازنة الوكالة. وربما أن الأثر التراكمي لكل هذه الخطوات سينسف عملية سلام أكد ترامب في العام الماضي بأنها « ليست بالصعوبة التي قد يتصورها الناس».

غضب الفلسطينيون من إغلاق بعثتهم، وكنت قد اتصلت بزملط هاتفيا يوم الاثنين أثناء اجتماعات الأزمة مع القيادة الفلسطينية في رام الله . لقد أُخطِر بإغلاق المكتب بمكالمة هاتفية من وزارة الخارجية الأمريكية أعقبها خطاب رسمي. قال لي « من المؤكد أن عملية السلام كما أعرفها تلقَّت رصاصة قاتلة في القلب». وأضاف «هذه الإدارة تستخدم تكتيك فرض الإرادة بالقوة وتحاول ابتزازنا». ووصف الإعلان الأمريكي بأنه تصرف طائش وتنفيذ أعمى لقائمة رغبات إسرائيل التي بدأت بالقدس». وفي بيان قرارها ذكرت الإدارة أنها « لاتزال مؤمنة بأن المفاوضات المباشرة بين الطرفين هي السبيل الوحيد إلى الأمام.» رغم ذلك من المتوقع طرح خطة كوشنر للسلام والتي طال انتظارها هذا الخريف على الرغم من تأجيلها مرارا دون توضيح السبب. وفي يوم الاثنين حذرت وزارة الخارجية الفلسطينيين من تنظيم احتجاجات عنيفة ردا على القرار الأمريكي الأخير. وقالت الناطقة باسم الوزارة هيذر ناويرت في بيان « يجب ألا يُستغَل هذا القرار من طرف أولئك الذين يسعون إلى لعب دور المثبطين لصرف الانتباه عن وجوب الوصول إلى اتفاق سلام . نحن لا نتراجع عن جهودنا لتحقيق سلام شامل ودائم». واتسم رد فعل الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين بالارتياب . فدانييل كيرتز وهو دبلوماسي أمريكي سابق عمل في إسرائيل ويدرس الآن بجامعة برنستون قال لي « يا للعبث. من يسمون بصانعي السلام في هذه الإدارة تحولوا إلى قساة بوقفهم تمويل مستشفى فلسطيني والخدمات التعليمية والاجتماعية الفلسطينية . وهم الآن يقطعون الاتصال بين الفلسطينيين والشعب الأمريكي. العار على مسؤولينا.» إن احتمال نجاح خطة ترامب للسلام ضعيف أصلا. فقد وجد مسح مشترك لآراء الفلسطينيين والإسرائيليين نشرت نتائجه الشهر الماضي أن 43% فقط من كلا جانبي الصراع لايزالون مؤيدين لحل الدولتين. وما هو أخطر أن استطلاعا للفلسطينيين هذا الصيف وجد» أقلية كبيرة تؤيد العودة إلى الانتفاضة المسلحة» إلى جانب ارتفاع عام في نسبة مؤيدي « المقاومة الشعبية.» وكانت الانتفاضة الأولى ( التي احتدمت في فترات متقطعة بين عام 1987 وحتى توقيع معاهدة أوسلو في 1993) قادت إلى ظهور حماس. وهي حركة إسلام سياسي متشددة كسبت الانتخابات التشريعية في 2006 وتحكم غزة الآن.

ومات أكثر من ألف فلسطيني في أعمال العنف خلال تلك الفترة. أما الانتفاضة الثانية فاندلعت في عام 2000 واستمرت لأكثر من أربع سنوات ومات فيها ما يقدر بحوالي ثلاثة آلاف فلسطيني وأكثر من ثمانمائة إسرائيلي. وهذا الربيع نظم الفلسطينيون في غزة ولفترة ستة أسابيع «مسيرة عودة كبرى» على طول الحدود مع اسرائيل وأفضت إلى صدامات قُتِلَ فيها العشرات وجُرح الآلاف وهددت بإشعال انتفاضة ثالثة. كما حاولت إدارة ترامب أيضا ربط قرارها بإنهاء الوجود الدبلوماسي لمنظمة التحرير، بالطلب الفلسطيني في مايو الماضي لإجراء تحقيق بواسطة محكمة الجنايات الدولية في ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك استهداف مدنيين غير مسلحين بالذخيرة الحية خلال مسيرة العودة الكبرى في غزة. ففي أول خطاب رئيسي لجون بولتون منذ تعيينه مستشارا للأمن القومي في إدارة ترامب في أبريل أدان الطلب الفلسطيني بالتحقيق. وخاطب الجمعية الفيدرالية يوم الاثنين 10 سبتمبر بقوله «تؤيد الولايات المتحدة عملية سلام مباشرة وقوية وسوف لن نسمح لمحكمة الجنايات الدولية أو أية منظمة أخرى بتقييد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس.»

وذُكِرَ أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يخطط لمطالبة المنظمة الدولية بترفيع السلطة الفلسطينية من «مراقب» إلى عضو كامل في الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحالية . وسيحتاج عباس إلى تأييد 9 أعضاء من جُملة 15 عضو في مجلس الأمن الدولي . لكن من المؤكد تقريبا أن الولايات المتحدة ستستخدم حق الفيتو. أخبرني زملط أن الفلسطينيين الذين يتعرضون لضغط متزايد من ترامب للامتثال لكل ما تنطوي عليه خطة كوشنر التي لاتزال سرية سيتجهون إلى المجتمع الدولي لشغل الفراغ. وقال « نحن صامدون.» وجاء في بيان صدر قبل ايام عن بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وربما هو بيانها الأخير « في حين أن اليوم هو يوم أسود للسلام في الشرق الأوسط ولتعددية الأطراف وسلامة النظام السياسي والقانوني العالمي إلا أننا سنواصل كفاحنا بتوظيف كافة الوسائل القانونية والسياسية الممكنة لتحقيق السلام والاستقلال وحقوقنا المشروعة دوليا.» لكن التوقعات المستقبلية لا تدعو إلى التفاؤل.

• الكاتبة مؤلفة كتاب بعنوان « هُزَّ القصبة: الغضب العميق والتمرد حول العالم الإسلامي»