أفكار وآراء

استشراف وصناعة المستقبل «2»

29 سبتمبر 2018
29 سبتمبر 2018

يوسف بن حمد البلوشي -

من قراءتنا لتقارير استشراف المستقبل يتضح جليا أن المستقبل يتسم بدرجة عالية من عدم اليقين والغموض على مختلف الأصعدة، وسيكون الهدف في المستقبل هدفا متحركا يحتاج إلى التعامل معه بديناميكية ومرونة وسرعة في التفاعل مع الأحداث. ولقد تم الاهتمام بقدر كبير بالتغيرات المتسارعة في جوانب الطاقة والتي تحتل أهمية خاصة للسلطنة كونها تعتمد بشكل رئيسي على النفط والغاز كمصدر للدخل القومي (ففي جانب العرض هناك تحول تدريجي لاستخدام مصادر الطاقة البديلة المتجددة وانخفاض تكلفة توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتقدم التقني لإنتاج النفط الصخري، وفي جانب الطلب من خلال زيادة استخدام السيارات الكهربائية والحد من استخدام اللدائن/‏‏البلاستيك)، والثورة الصناعية الرابعة في تقنية المعلومات والاتصالات (إنترنت الأشياء، وسائل التواصل: الاجتماعي الفيس بوك وتويتر ولينكدن وغيرها، وسلسلة الكتل الرقمية، والروبوتات، والذكاء الاصطناعي، والعملات الافتراضية والبلوك تشين وطابعات ثلاثية الأبعاد)، والنقل (سيارات آلية القيادة والسيارات الكهربائية والسفن العملاقة)، وكذلك سوق العمل ومستقبل الوظائف وانعكاسات كل ذلك على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية. كما استرعى انتباهنا التغيرات في الجغرافيا السياسية في المنطقة وما تحمله من تداعيات في مستقبل القوى والعلاقات الدولية والتغيرات، تحتاج إلى الاستعداد وإعادة ترتيب الأوراق، أخذا في الاعتبار التبعية الاقتصادية المفرطة لاقتصادنا الوطني للخارج، حيث تشير الإحصاءات المتوفرة لتدفقات المالية إلى الخارج في ميزان المدفوعات إلى أنه في عام 2016م بلغت 17 مليار ريال عماني وهناك تركز سلعي وجغرافي حيث شكل النفط في عام 2016م مانسبته 56.3% من إجمالي عوائد الصادرات و 68% من الإيرادات الحكومية ونسبة 27.4% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن جانب آخر ما يقدر بأكثر مما نسبته 40% من إجمالي قيمة صادرات السلطنة اتجه إلى الصين وأكثر مما نسبته 48% من إجمالي قيمة وإرادات السلطنة أتى من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومن المهم الإشارة إلى أن التغيرات المتوقعة – وغير المتوقعة – قد تداهمنا على حين غرة ولذلك يتعين الاستعداد لها بسياسات استباقية لأن سياسات رد الفعل ستكون مكلفة وتحرم السلطنة فرصة أو مساحة كافيه للانتقال إلى نموذج جديد من النمو يتماشى مع التغيرات العالمية واللاعب الرئيسي هم الأفراد ومؤسسات الأعمال. من هنا، فإننا نأمل في أن نتقدم بثقة كاملة لتحقيق مستقبل أفضل للجميع، فلا بد من مشاركة الجميع وحشد هممهم وتغيير قناعاتهم بإمكانية التحول إلى نموذج للنمو والتنمية المستدامة أساسه الإنتاجية، خاصة لو أخذنا في الاعتبار الإنجازات السابقة ومستوى الجاهزية. ولا يخفى أن التغيرات والأحداث تأتي -في الغالب- تباعا ولا تأتي دفعة واحدة، فلابد من رؤية واضحة وتخطيط سليم.

إن ضمان الإنجاز والمحافظة على المكتسبات يحتم على قادة القطاعات الإنتاجية والخدمية تبني أدوات جديدة لإطلاق طاقاتها وذلك خلافا للقول المأثور «القبطان الذي يرغب في الاحتفاظ بسفينته لا يأخذها خارج المرفأ».

وبشكل عام، فإن نمط النمو والتطور الإنتاجي في السلطنة لا يحاكي الأنماط وسرعة استجابة نظرائه في دول المنطقة والعالم. ولذلك فإن التحول لاقتصاد أكثر إنتاجية ليس أحد الخيارات، بل أصبح اليوم مطلبا أساسيا لاستباق التحديات والاستجابة لها بسرعة ومرونة وتكلفة مناسبة. ومن الأهمية أن ندرك أن مصطلح «التنمية» على بساطته كمصطلح شائع الاستخدام هي عملية معقدة ومتشابكة وتتطلب مراجعة العديد من الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مع مراعاة خصوصية المجتمعات، والإيمان بأن لكل مجتمع نسيجه ومقوماته الخاصة والتي هي انعكاس لتراثه الحضاري وموارده الطبيعية وبنيانه الاقتصادي. وليس بالضرورة أن تكون النماذج والأفكار المطروحة في بعض الدول مناسبة لنا، ويتعين على الحكومة وبالتعاون الصادق مع أفراد المجتمع والقطاع الخاص (مؤسسات الأعمال) أن يغزلوا نسيج المستقبل بما يتناسب مع الخصوصية والمقومات المحلية. وعلى الجميع أن يدرك أن عمان أشبه بسفينة تبحر وسط بحر تحيط بها الرياح والأمواج من كل جانب، وسلامتها تكمن في ثباتها وتحصين جدار الثقة بين الحكومة ومؤسسات الأعمال وأفراد المجتمع وعلينا جميعا أن نجتهد كل في مكانه وحسب قدراته لبث روح العمل والإنتاج والتعامل مع أية رياح عادية أو موسمية والتجديف في الاتجاه الصحيح لتصل السفينة بأمان.

الخلاصة أنه يتعين الانفتاح على العالم ومحاولة اقتناص الفرص المتاحة وتهيئة البيئة الداخلية، حيث إن التقوقع لا يفيد، والتحول ليس رفاها أو خيارا ولكنه ضرورة ملحة للتعامل مع التحديات المحدقة، وإننا نمتلك كل المقومات والموارد لتغيير هذه المعادلة خلال فترة وجيزة، وللانتقال إلى وضع مستدام يعمل وينتج وينعم فيه الجميع بالرفاه والسعادة، ولابد من توضيح وشرح التحديات بطريقة واقعية لمتخذي القرار ومؤسسات الأعمال وأفراد المجتمع.

لا توجد دولة لديها جاهزية كاملة، إلا أن للمتغيرات خطوة مهمة لبدء تنظيم الصفوف وغرس القيم الضرورية للتعامل مع التحديات. وختاما، علينا أن نؤمن بأن الرحلة التي يتعين علينا أن نسير فيها لتحقيق مستقبل أفضل لعمان ستكون رحلة واعدة. فعلى الرغم من درجة عدم اليقين والتحديات والمتغيرات المتسارعة، فإننا نؤمن بأن الإنسان العُماني قادر وطموح بطبعه وأن جميع القاطرات لن تفيد بدون موارد بشرية وطنية قادرة على قيادتها. وعليه، من الأهمية بمكان تعزيز الوعي المجتمعي بأبعاد وتحديات التنمية وأهميه الاستخدام الأمثل للموارد المتوفرة والطاقة والعمل بإيجابية وتغيير الكثير من القناعات الراسخة بأن الحكومة هي الراعي والمشغل والمستثمر.

[email protected]