أفكار وآراء

الأمم المتحدة .. تحديات على الطريق !!

28 سبتمبر 2018
28 سبتمبر 2018

إميل أمين/كاتب مصري -

[email protected] -

في أواخر سبتمبر من كل عام تبدأ أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما يشبه القمة الأممية إن جاز التعبير، حيث يجتمع كثير من قادة الدول وكبار مسؤوليها للتباحث في قضايا عديدة، من أبرزها كيف لهم أن يعظموا من السلم والأمن الدوليين، وأن يقلصوا مساحات العنف والحروب ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

الدورة الحالية هي الثالثة والسبعون من دورات الجمعية العامة، وتأتي في وقت حرج على كافة الأصعدة بل ربما لم يعرف العالم منذ ثمانينات القرن العشرين، قمة ساخنة مثل هذه الأخيرة، ولاسيما بعد أن تجاوزت الأمور أحداث الحرب الباردة وباتت تقترب اقترابا شديدا من المصادمات الساخنة.

في كلمته عشية افتتاح أعمال الدورة الحالية تحدث الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريس“ ببضع كلمات يستشف منها المرء القلق على أحوال العالم، ذلك أنه بعد أن بدا الكون أمام نظام عالمي جديد العام 1990 حين سقط وتفتت الاتحاد السوفييتي، إلا أن واقع الحال اليوم وعلى لسان “جوتيرس” يشير إلى أننا نعيش في عالم مفتت تحول الى قطع صغيرة، وهي الكلمات عينها التي استخدمها في لقائه مع مجلة اتلانتك الأمريكية ذائعة الصيت.

ولعل علامة الاستفهام الأولى التي تثار: ”هل من أهمية بعد لدور الأمم المتحدة أم أنه لقاء بروتوكولي شكلي ينعقد مرة كل عام من دون أية فاعليات حقيقية على الأرض؟

الشاهد أن السؤال المتقدم يتكرر منذ فترة وقد حاول التصدي له عدد من الأمناء العامين للأمم المتحدة، ومنهم الراحل الدكتور بطرس غالي، والذي أشار قبل رحيله إلى ان الأمم المتحدة تمر بأزمة خطيرة جدا منذ نهاية الحرب الباردة، وقبل وقت كبير من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ذلك انه طوال فترة الحرب الباردة كانت الصراعات تحل داخل كل معسكر، وحتى إذا نشب خلاف ما، كان من صالح القوتين الكبريين تحجيم هذا الصراع، حتى لا يتسبب الأمر في اندلاع حرب عالمية، وقد رأينا ذلك في الصومال حيث كانت الكلمة العليا للأمريكيين، بينما كانت روسيا تمسك بأثيوبيا وبكثير غيرها.

يكاد المتابع لحركة التاريخ ان يجزم بأن هناك مرحلة زمنية تعثرت فيها الأمم المتحدة بشكل كبير، ذلك انه عندما انهار الاتحاد السوفييتي، لم يبق سوى قوة كبرى واحدة ووجدت الأمم المتحدة نفسها في مواجهة عديد من الصراعات دون ان يكون لديها لا القدرة ولا الإمكانات اللازمة من اجل إدارتها.

حين ظهرت فكرة الأمم المتحدة على السطح مع نهايات الحرب العالمية الثانية كان الهدف الرئيسي منها إعطاء فرصة لكل الأمم حول العالم للمشاركة في رسم ملامح ذلك العالم الخارج من صدمة حرب دامت ست سنوات قاتلة، ورغم ان النظام الأساسي للأمم المتحدة وضع بعضا من علامات التمييز بين الدول الأعضاء الأمر الذي عرف باسم حق النقض أو الفيتو الذي تتمتع به خمس دول فقط من الدول الأعضاء إلا ان وجود توازنات للقوى في تلك المرحلة قد جنب العالم العديد من المغامرات العسكرية العسكرية.

على ان ما جرى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي جعل موازين الأمور تختل، وفي هذا السياق يمكن اعتبار أحداث الحادي عشر من سبتمبر نقطة مفصلية في تاريخ الأمم المتحدة، لأكثر من سبب، وفي المقدمة منها الإقدام الأمريكي على اتخاذ قرارات أثرت ولا تزال على أوضاع السلم والأمن في العالم بصورة سلبية ولا شك، فقد اندفعت أمريكا في مغامرات عسكرية بجحة الحرب على الإرهاب، بدأت العام 2001 بالحرب على القاعدة في أفغانستان، وامتدت الى العراق عام 2003 بحجة امتلاك صدام حسين لأسلحة دمار شامل، دون اعتبار للأمم المتحدة.

ما يهمنا في تلك الفترة ان الأمم المتحدة لم تعد قادرة على حسم أي أمر بصورة حيوية، فقد غابت الكفة الموازية والثقل الاستراتيجي المعادل للحضور الأمريكي حول العالم.

كانت روسيا لا تزال لم تفق بعد من الآثار الكارثية التي حلت بها طوال عقد كامل أي من زمن جورباتشوف الى يلتسين، حيث عملت الأوليجاركيات المنفردة على الانفراد بالقرار السياسي الروسي لصالح منافع النخبة الضيقة من رجال المال والأعمال، ولم يكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد تولى السلطة ليضحى وبعد نحو عقدين بطرس الأكبر الثاني المجدد لعظمة روسيا، أما الصين فقد كانت ساكنة تسعى لأن تقوي من عودها الاقتصادي حتى إذا أدركت مرحلة التمكين المالي امتدت امبراطوريتها العسكرية كقطب قادم لا محالة.

في تلك الأجواء كانت إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن تتلاعب بمقدرات الأمم المتحدة، والجميع يتذكر التعبير الذي أطلقه جون بولتون الذي كان يشغل وقتها منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، ويشغل اليوم منصب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب، والذي قال فيه انه لو تم هدم عشرة طوابق من هذا المبنى فانه لن يتأثر في إشارة الى مبنى الأمم المتحدة، ما يعد دليلا على عدم الاعتداد بها، بل اعتبارها عقبة في طريق طموحات أمريكا التي انفردت بالقطبية الدولية وحدها.

هل اختلف اليوم عن الأمس كثيرا؟

الثابت ان الأمين العام جوتيرس قد أجاد في كلمته الافتتاحية حين أكد على حيوية ومحورية الأمم المتحدة وحاجة العالم إليها اليوم من اجل العبور المشترك على التحديات التي تواجه البشرية جميعها وليس دولة واحدة فقط.

الأمين العام أكد على ان أكبر تحد تواجهه الإنسانية في حاضرات أيامنا هو التحدي الإيكولوجي البيئي المتمثل في ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية، هذا هو التهديد القاتل والشامل، والذي لن ينجو منه احد، وسيكون الإنسان هو السبب في هذا الدمار بالكوكب الأزرق.

احسن جدا الرجل حين لفت الانتباه الى ان محاربة التغير المناخي أمر لن يؤثر بالسلب على حالة الاقتصاد العالمي، وربما كان خطابه موجه بالدرجة الأولى الى الولايات المتحدة الأمريكية وإدارة الرئيس ترامب تحديدا، فقد اختار الرئيس ترامب وتحت ضغوطات غير مسبوقة من جماعات الفحم الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، الآمر الذي بدأت مردوداته السلبية تنعكس على العالم انعكاسا واضحا جدا، فها هي كتل ثلجية بحجم دول تتحرك من القطب الشمالي تحديدا لتنصهر، ما يعني ارتفاع مستوى المياه في البحار الأمر الذي يهدد بإغراق الكثير من المدن والسواحل التاريخية حول الكرة الأرضية.

تحديات الأمم المتحدة من بينها سباق التسلح التقليدي والنووي الذي بدأ يسود العالم من جديد، بعد ان ظن الكثيرون ان السلام هو العملة المرشحة للتصاعد، لكن المتابع لما يجري خصيصا بين موسكو وواشنطن يؤكد على ان القادم مخيف الى حد الرعب، ففي حين يقوم الروس بتصميم وتنفيذ العديد جدا من الأسلحة فرط الصوتية والصواريخ الباليستية النووية غير المسبوقة في قوة تدميرها مثل الصاروخ الجهنمي “سارامات“، نجد واشنطن بدورها تقدم على استخراج ملف برنامج حرب الكواكب من الأدراج من جديد، والمضي قدما في إنشاء القوة الفضائية الأمريكية، وليس سرا ان الكثير جدا من أوراق ذلك البرنامج سرية للغاية، ما يبقي وفي كل الأحوال الآن العالمي مهدد من هنا وهناك.

تحد آخر يمثل إشكالية حقيقية وهو المتعلق بتحقيق التنمية المستدامة، بمعنى تحسن حالة البشر على الكوكب، فقد بات من العار ان يكون هناك جياع وان تضرب المجاعات الكرة الأرضية، وان كانت حالة الجوع عادة ما تأتي كدالة مصاحبة للحروب والطمع والجشع البشري.

من بين تحديات المؤسسة الأممية الحروب وأخبار الحروب، بل ان الدورة الحالية للجمعية العمومية تأتي قبل أسابيع قليلة من الإجراء الثاني المتوقع أمريكيا تجاه طهران، بعد ان انسحبت من إدارة ترامب من الاتفاقية النووية، ما يفتح الباب واسعا أم سيناريوهات تصادمية يمكن ان تشعل مواجهات إقليمية، قد تنحو بدورها الى حروب كونية.

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن وصف حالة المشهد الدولي المتردي بأزماته المعولمة، وقد ظن الناس من الشمال والجنوب ان العولمة والسوق الحرة والنيوليبرالية كفيلة بحل إشكاليات الكون ومن عليه، لكن ثبت لاحقا زيف هذا الكلام، ما يعني ان هناك حالة بحث حثيثة عن طرق ثالثة وليس طريق واحد .

هل تعني تلك التحديات وكما يرى البعض انه حان الوقت لإعلان نهاية الأمم المتحدة وأن تغلق أبوابها ويغادر مندوبو الدول فيها كل الى داره وأهله وعشيرته من دون عودة؟

هناك آراء مختلفة في واقع الحال ذلك ان البعض كما المفكر السياسي “فرانسيس فوكاياما“ انه حان الوقت لعمل منظمات اصغر حجما واكثر فاعلية، من الهيئة الأممية القديمة.

إلا ان الدكتور بطرس غالي كان يرى ان الرئيس الأمريكي ويلسون هو من قام بتأسيس عصبة الأمم، وروزفلت هو أيضا رئيس أمريكي كان منشئ الأمم المتحدة، ولا يوجد سبب يمنع من إحياء أمم متحدة جديدة من وسط الرماد مثل طائر العنقاء الأسطوري ويكون ذلك على يد رئيس أمريكي، إلا أنه من المؤكد انه لن يحدث ذلك في إدارة ترامب، ويبقى العالم منتظرا رئيس آخر لأمم متحدة جديدة.