993351
993351
إشراقات

الربيعي: الحقائق العلمية لغة البراهـين والأدلة القاطعة

27 سبتمبر 2018
27 سبتمبر 2018

عرفها بأنها ما وردت في القرآن الكريم وأثبتها العلم التجريبي -

كتب: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح الدكتور راشد بن سيف الربيعي أن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم هو أن يرد في كتاب الله عز وجل ذكر حقائق علمية متعلقة بالعلوم الطبيعية أثبتها العلم التجريبي الحديث مع تحقق عدم إمكانية البشر الى التوصل إليها في زمان نزول القرآن الكريم، مؤكدا أن العلوم التجريبية والبحث العلمي هي لغة البراهين والأدلة والحجة، مبينا انه مع تدبر المسلمين للقرآن الكريم تتفتح أذهانهم إلى سبق علمي في مجالات العلوم الطبيعية ويزيد ذلك ثقة في دينهم ويلفت انتباههم إلى عظمة كتاب الله عز وجل.

وأشار إلى ما عليه الأمة اليوم هو نتيجة انصرافها عن هذا الكتاب وهذا الدستور، الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لها قطبا ومدارا تدور عليه.

جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها الأسبوع الماضي بجامع المعرفة بمنطقة الخوض بولاية السيب وهي باكورة سلسلة التي سوف يلقيها ضمن دروس الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فإلى نص المحاضرة:

استهل الربيعي محاضرته قائلا: تعلمون جميعا بأن القرآن هو معجزة الإسلام فالله عز وجل أتى الأنبياء قبل نبينا محمد- صلى الله عيه وسلم- معجزات مادية مؤقتة تنتهي بوفاتهم عليهم الصلاة والسلام، ولكنه سبحانه وتعالى أتى نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم معجزة خالدة، هذا الكتاب العزيز الذي تحدى الله سبحانه وتعالى العالمين بأن يأتوا بشيء من مثله، فالله تعالى يقول: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، فلو اجتمعت الإنس والجن على هدف واحد وهو أن يأتوا بمثل هذا القرآن حكم الله- عز وجل- عليهم بأنهم لا يأتون بمثله وهذا تحد باق الى يوم القيامة ولو كان بعضهم لبعض معاونا ومشجعا ومؤيدا ومع ذلك لن يستطيعوا أن يأتوا بشيء من مثل القرآن، وهذا الكتاب وهو القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي لم يؤلفه مخلوق، ولم يجعل الله عز وجل لمخلوق فيه يدا، بل نزل بلفظه ومعناه من لدن العزيز الحكيم.. (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، فالله عز وجل بعنايته سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب بألفاظه وعباراته وآياته وترتيبها سورا وآيات بين دفتي هذا المصحف الشريف فلابد أن يكون هذا الكلام كلاما مبهرا معجزا مدهشا يحير الألباب ويجذب النفوس وهذا هو حال القرآن الكريم.

فالله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم هدى، الهدف الأساسي منه أن يكون دستورا لهذه الأمة ودليل هداية لها، لكي تعمر هذه الأرض، ومرجعا وعاصما من الاختلاف والتفرق ودستورا لها ومنهجا الى يوم القيامة، حيث يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ولكن الله عز وجل أيضا جعله حجة لهذا الدين برهانا ومعجزة، أراد لهذا الدين أن يخلد الى يوم القيامة فجعل حجته وبرهانه أيضا خالدين الى يوم القيامة، وقد أثبت هذا الكتاب منذ نزوله انه كتاب معجز في بيانه فقد تحدى الفصحاء من العرب في وقت نزوله على قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يستطيعوا أن يأتوا بمثله وقد انبهروا به أي انبهار وهذا معروف عندهم، وهذا ما يعرف بالإعجاز البلاغي أو البياني للقرآن الكريم.. مضيفا أن هذا الكتاب أيضا معجز في تشريعاته، فقد كان حال العرب قبل الإسلام أمة هامشية ليس لها ذكر ولا يكاد يعبأ بها احد، وليس لها أي عطاء للإنسانية في أي مجال من المجالات قبائل متفرقة متناحرة لا يجمعها نظام وليس بينها أي رابطة، وعندما أنزل الله سبحانه وتعالى هذا الكتاب عليهم إذا بهم خلال خمس وعشرين سنة أمة عظيمة موحدة كأنها ظهرت فجأة من التاريخ تحصد الانتصارات وتحرز الإنجازات وتقدم للإنسانية عطاء من العلم والقيم والحضارة ما لم يسبق له مثيل. ولا تزال وأن صادفت في تاريخها الكثير من العوائق والمطبات وما ذلك إلا لانصرافها عن هذا الكتاب وهذا الدستور، وعن هذا القطب الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون لها قطبا ومدارا تدور عليه.

وأشار إلى أن من الإعجاز أيضا الإعجاز التأثيري أو الشفائي وهناك أيضا الإعجاز العلمي وهو موضوع حديثنا الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لنا للحديث عنه، فما هو الإعجاز العلمي؟ مجيبا: أن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم هو إخباره عن حقائق علمية متعلقة بالعلوم الطبيعية أثبتها العلم التجريبي بعد زمن نزول القرآن مع ثبوت انه لا يستطيع البشر أن يكتشفوا أو يحصلوا على هذه الحقائق العلمية ويتوصلوا إليها في زمان النبي صلى الله عليه وسلم. وبعبارة أخرى إن يرد في كتاب الله عز وجل ذكر حقائق علمية متعلقة بالعلوم الطبيعية توصل إليها أو أثبتها العلم التجريبي الحديث مع تحقق عدم إمكانية البشر الى التوصل إليها في زمان نزول القرآن الكريم مما يدلنا على أن هذا الكتاب أنزل من عند الله عز وجل ومما يدلنا على صدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بحيث لا يستطيع النبي وهو بشر أن يتوصل إلى هذه الحقائق إلا إن كان وحيا يوحى إليه، هذا هو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. موضحا أن هناك أربعة أركان لنقول عن هذه الآية بأنها إعجاز علمي: أولها لابد من وجود الآية أولا، فإذا كان الحديث مثلا عن السنة هذا لا يعتبر إعجازا في القرآن الكريم وإذا كان حديث عن بعض التشريعات كالصلاة وفوائدها هذا أيضا لا يندرج تحت الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، إذن فلابد أن تكون هناك آية ترد فيها هذه المعلومة، وثانيا: أن ترد فيها حقيقة علمية من العلوم الطبيعية، لأن هناك حقائق غيبية تتحدث عن يوم القيامة وعن الجنة وعن النار وعن البعث وعن الملائكة وعن الجن مما لا يستطيع المجال العلمي التجريبي أن يتوصل إليه، والركن الثالث أن يثبتها العلم الحديث إثباتا بالمنهج العلمي الصحيح ولا تكن مجرد نظريات وفرضيات لم تثبت علميا بعد، والركن الرابع: هو التحقق بأن البشر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون التوصل إليها بالوسائل المتاحة لديهم في ذلك الوقت.

وبيّن الربيعي أن الحقيقة العلمية في مجال الإعجاز العلمي عندما ترد في كتاب الله عز وجل يكون لها شقان: أولها: ذكر مخلوق من مخلوقات الله عز وجل، وثانيها: ذكر معلومات متعلقة بذلك المخلوق، ومثال ذلك في وصف الله عز وجل في أطوار خلق الإنسان: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) فذكر في هذه الآية الإنسان ثم ذكر المعلومة المتعلقة به وهي أطوار تخلقه، وكما في قوله سبحانه: (وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ) فالمخلوق في هذه الآية هي الأرض والحقيقة العلمية المذكورة عنها أنها ذات صدع، وكما في قوله سبحانه: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) فالمخلوق المذكور هنا هي الشمس والحقيقة المذكورة عنها أنها تجري لمستقر لها.

وأوضح أن هذه الحقيقة العلمية بقسميها المخلوق والمعلومة إما أن تكون أمرا صريحا واضحا لا يحتمل أي معنى آخر كما في الآية التي تتحدث عن أطوار خلق الجنين، معلومات واضحة صريحة وهي مقصودة بذاتها في سياق الآية، وإما أن تكون إشارة غير صريحة لكنها إشارة جلية، كما في قوله تعالى: (والسماء ذات الحبك) فالمخلوق هنا السماء والمعلومة المذكورة عنها أنها ذات حبك، فما المقصود بالحبك، هل هو كما قال بعض العلماء السديم الموجود في الفضاء، أم أن هذه السماء ليس فيها أي خلل كأنها محبوكة كما يحبك السجاد، فتحتمل معاني كثيرة لكنها ظاهرة جلية، ومثل وصف الله سبحانه وتعالى الشمس في آيات كثيرة بأنها سراج فالمخلوق المذكورة هي الشمس والحقيقة المذكورة عنها بأنها كالسراج.. ووصفت كذلك لأنها تشتعل بذاتها، ولذلك لم يصف القمر بالسراج لأن القمر لا يضيء بنفسه مثل الشمس فهي كالسراج فهذه ظاهرة جلية. وقد تكون الإشارة خفيفة تحتاج الى مزيد من التأمل للوصول إليها، ويكون ذلك عندما يكون المخلوق غير مذكورة أو المعلومة غير مذكورة مثل قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا) فالمخلوق هنا مذكور وهي البعوضة ولم يذكر عنها شيئا ولكن السياق يشير الى شيء وهو أن الله سبحانه وتعالى لا يستصغر شيئا من خلقه أن يضربه مثلا ولو كان بعوضة مما يدلنا على أن خلق هذه البعوضة فيه شيء عجيب، وبالتالي عندما نبحث عن هذه المخلوقة الصغيرة نجد فيها خلقا عجيبا، فيها ما لم يوجد عند الإنسان، وفي هذا إشارة الى هذا المخلوق ولكنها إشارة خفيفة. وكذلك كما في قوله تعالى: (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وهنا ذكر سبحانه هذه المخلوقات التي يتخذها الناس ركوبا وزينة، ثم قال: (ويخلق ما لا تعلمون) فالمخلوق هنا لم يذكر ولكن ذكر معلومة عنه بأن الله سبحانه سوف يخلق في المستقبل مخلوقات أخرى تتخذونها ركوبا وزينة ولكنكم لا تعلمونها الآن فظهرت السيارات وغيرها من الوسائل التي اتخذها الناس الآن زينة ويتفاخرون بركوبها، وجعل الله سبحانه هذا الخطاب بالفعل المضارع، فلم يقل: (وسيخلق) فحتى نحن الآن مخاطبون بهذه الآية ومعنى ذلك أنها سوف تظهر مخلوقات أخرى تتخذونها ركوبا وزينة لا تعلمونها الآن، فهذه الآية فيها إعجاز لكنها إشارة خفية فالمخلوق غير مذكور ولكن ذكر وصفه.. مؤكدة أن هذه الحقيقة إما أن صريحة وإما أن يشار إليها بإشارة جلية وأما إن يشار إليها بإشارة خفيفة، والإشارة الخفية أن يكون فيها أحد القسمين غير مذكور إما المخلوق وإما المعلومة المتعلقة بهذا المخلوق، وما خرج على ذلك يكون تعسفا ويصبح الأمر فيه مبالغة وغلو في توجيه الآيات الى الإعجاز العلمي.

وأضاف قائلا: إن هذا الزمان وهو زمان العلوم التجريبية والبحث العلمي وأصبح هو الآن لغة البراهين والأدلة والحجة، مبينا أن الناس الآن خصوصا غير المسلمين يفهمون الأمور من خلال العلوم التجريبية المتعلقة بالمادة غير الفصاحة والبيان وحتى التشريعات، مبينا انه مع تدبر المسلمين للقرآن الكريم ربما تتفتح أذهانهم الى سبق علمي في مجالات العلوم الطبيعية يستنتجونه من آيات الله عز وجل، لكن كثيرا من المسلمين في هذا الزمان اهتزت ثقتهم في دينهم مما سهل للتيارات التي تشكك في الدين وبالتالي فان هذه الأحاديث المتعلقة بالإعجاز العلمي وصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وعظمة هذا الكتاب وما فيه من الأسرار والعجائب كل هذا يزيد من ثقة المسلمين فالنقطة الأولى المهمة في مجال البحث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم هي تثبيت قلوب المؤمنين ولفت انتباههم الى عظمة كتاب الله عز وجل، فهذا الكتاب العزيز مثل البحر المحيط، والناس على قدر همتهم يجدون من كتاب الله عز وجل فبعض الناس يقرأه قراءة سطحية وهذه مثله مثل الصياد البسيط الذي يذهب الى البحر ويصطاد ما رزقه الله، وبعضهم يدخل في أعماقه ويسبر أغواره فيجد فيه الجواهر النفيسة والكنوز العظيمة فبقدر همة الناس في البحث في هذا القرآن وكنوزه وأسراره وعجائبه بقدر ما يتبين لهم ويظهر لهم ذلك. فلذلك عندما نلفت انتباه المسلمين الى عظمة كتابهم يشحذ هممهم إلى البحث والتدبر والتأمل في كتاب الله عز وجل وهذا مما يعمّق إيمانهم. والنقطة الأخرى هي فتح الآفاق لبحوث علمية لم يسبق للعلم التجريبي طرقها.