أفكار وآراء

أفغانسـتان والحـرب المنسـية !!

25 سبتمبر 2018
25 سبتمبر 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

إن الولايات المتحدة عليها أن تنسحب من أفغانستان لأنها تشكل قوة احتلال وعدم استقرار وتترك الأفغان يتحاورون من خلال إطلاق التسوية السياسية بجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى قواسم مشتركة تعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد المسلم الذي عاني الأمرين خلال العقود الأربعة الأخيرة وفرضت عليه حروب وصراعات أضرت به كثيرا.

تشكل الحروب في أفغانستان خلال العقود الأربعة الأخيرة ظاهرة تستحق التأمل والدراسة من خلال معطيات تلك الحروب وعاملي الجغرافيا والتاريخ التي جعلت أهم قوتين في العالم وهما الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة تفشلان في إنهاء الحركات الإسلامية المسلحة منذ قيام موسكو بغزو أفغانستان في نهاية عقد السبعينات وانسحاب جيشها بشكل مذل قبل انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في منتصف الثمانينيات، وأيضا واشنطن التي شنت حربا شاملة عام 2001 ضد تنظيم «القاعدة»، والآن ضد حركة طالبان وعجزت هي الأخرى عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية للقضاء علي الحركة وحتى القاعدة بعد ما يقارب من عقدين من تلك الحرب.

الحرب المنسية

وفي ظل اشتعال منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية في القلب منها من خلال اندلاع الثورات العربية والحروب الأهلية في ليبيا واليمن وسوريا والمتغيرات السياسية التي صاحبت تلك الأحداث الكبري أصبحت الحرب في أفغانستان منسية، ولا يتم الحديث عنها إعلاميا إلا بشكل محدود.

ورغم أن قوات التحالف الغربية لا تزال متمركزة في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة لدعم الحكومة الأفغانية إلا أن حركة طالبان استطاعت إفشال المشروع الأمريكي، كما تم إفشال المخطط الأفغاني، ومن هنا فإن عاملي الجغرافيا والتاريخ كان لهما الدور الحاسم في تلك الانتكاسات للدولتين الأقوى في العالم.

وتتحدث دراسة حديثة لجامعة براون الأمريكية أن التكلفة المادية لحروب الولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان بلغت بالنسبة للولايات المتحدة نحو 3700 مليار دولار، وهو مبلغ كبير يقترب من ثلث المديونية الأمريكية الضخمة التي تقدر بأكثر من 11 تريليون دولار، كما أن تلك الحروب أسفرت عن مقتل 225 ألف قتيل من القوات المتحاربة بمن فيهم أكثر من 6000 جندي وضابط أمريكي منهم أكثر من ألف جندي في أفغانستان، علي اعتبار أنها حرب غير تقليدية، وهي أقرب إلى حرب المليشيات المسلحة في جبال أفغانستان القاسية والمعقدة، كما أن أكثر من 1200 قتيل من قوات الحلفاء في أفغانستان قد قتلوا علاوة علي 8800 جندي من القوات الأفغانية الحكومية و3500 جندي باكستاني و2300 من موظفي الشركات الأمنية الخاصة والمرتزقة. أما مجمل الحروب الحروب الأمريكية ونتائجها المأساوية في العراق وأفغانستان فتجملها الدراسة بـ125 ألف جندي عراقي و35 ألف جندي باكستاني و12 ألف جندي أفغاني وأعداد غير محددة من القاعدة وحركة طالبان.

أما المآسي المدنية التي أسفرت عنها الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان فقد تجاوزت 2 مليون من القتلي المدنيين في العراق وأفغانستان و4 ملايين من الجرحى والمعوقين، كما قتل 186 صحفيا و266 من موظفي الإغاثة ونزح نحو 8 ملايين نازح، إن هذه الأرقام المفزعة تعطي مؤشرا علي قسوة الحروب وما تخلفه من دمار علي الإنسان والأرض معا.

ورغم أن المواجهة العسكرية في أفغانستان متواصلة إلا أن تلك الحرب البشعة أصبحت شبه منسية، ولا يتم الحديث عنها إلا أنه في حالة حدوث انفجارات أو عمليات كبيرة سواء من قبل حركة طالبان أو قوات التحالف والقوات الحكومية الأفغانية.

دروس الجغرافيا

تاريخ أفغانستان يتحدث عن سقوط الغزاة الذين حاولوا السيطرة عليها والبقاء فيها، على مدى التاريخ، ولعل ما تعرضت له القوات البريطانية في عقد العشرينات من القرن الماضي في أفغانستان يعطي مؤشر للآخرين بأن عامل الجغرافيا يلعب دورا حتي لو كانت المواجهة مع حركه مثل طالبان، أو قوات محدودة. ومن هنا فإن الحديث عن انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف الغربية من أفغانستان، وإطلاق حوار سياسي بين الأفغان، أي بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، هو الخيار الصحيح لأن المكابرة في هذه الحرب المعقدة لن تفضي إلى نتائج حاسمة، ولعل المدنيين في أفغانستان وجزء من الأراضي الباكستانية التي تتواجد فيها حركة طالبان هم الضحايا لهذا الصراع المنسي.

ومن المعروف أن حركة طالبان تنتمي إلى قبائل البشتون القوية التي تتواجد في الأراضي الأفغانية والباكستانية، وهناك تعاطف كبير مع الحركة التي لا تزال تسيطر علي أراض واسعة من أفغانستان بل وتقوم بعمليات عسكرية داخل العاصمة كابول وعدد من المدن الكبيرة مثل جلال أباد وغيرها أحيانا.

وعلى ضوء تلك المحددات وبعد مضي عقدين من الصراع المسلح فإن الولايات المتحدة قد سجلت فشلا ذريعا كما حدث للقوات السوفيتية في عقد السبعينات، مما يحتم علي التحالف الغربي الانسحاب وإطلاق عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة وجلوس الأفغان إلى طاولة الحوار وإنهاء الحرب التي لها تأثير كبير علي حياة المواطنين الأفغان وحياتهم ومعيشتهم اليومية، فالجغرافيا دوما تقف مع أصحاب الأرض، فحركة طالبان التي ظهرت في عقد التسعينات وهي نتاج المعاهد الدينية في باكستان بشكل خاص أصبحت صعبة ومعقدة، ولا يمكن القضاء عليها بشكل كامل حسب التصور الأمريكي وقبله السوفييتي مع المجاهدين الأفغان، وهنا نتحدث عن درس كبير للحروب الإقليمية التي نشاهد بعضها في المنطقة العربية خاصة في اليمن حيث عامل الجغرافيا هناك يلعب الدور الأكبر في عدم حسم الحرب منذ اكثر من ثلاث سنوات.

طبيعة الصراع

مواجهة الجيوش النظامية للمجموعات المسلحة هي عملية صعبة ومن الصعب الانتصار فيها إلا إذا حدث تطور دراماتيكي من خلال المجموعات نفسها من خلال توافق مسلح وقناعات بأن الظروف التي نشا فيها الصراع لم تعد قائمة، أو أن بعض المطالبات أصبحت واقعا علي الأرض، مما يوجب وقف القتال.

وفي ظل التدخلات الإقليمية في الصراعات ذات الطابع القبلي المحلي فإن الأمور تظل صعبة وتتحول تلك الحروب إلى حروب كر وفر وتدخل في إطار الحروب المنسية، بعد مرور سنوات عدة على اندلاعها، كما هو في الحالة الأفغانية المتواصلة منذ عام 2001 دون تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية.

إن العنصر القبلي يلعب دورا محوريا في أفغانستان، وكما تمت الإشارة فإن قبائل البشتون التي تنتمي لها حركة طالبان لها نفوذ كبير في المناطق الجبلية القبلية في أفغانستان وباكستان، كما أن هناك أطرافا إقليمية تري أهمية فشل الأمريكيين في أفغانستان لأسباب تخص مصالحها، مما يجعل الصراع متواصلا دون نتيجة وفي ظل حكومة أفغانية تحتاج إلى رؤية واضحة لإنهاء الصراع من خلال إطلاق التسوية السياسية التي وافقت عليها حركة طالبان، وفق شروط محددة، من أهمها انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية، وهي شروط تبدو منطقية.

الأمم المتحدة تقع عليها مسؤولية أخلاقية لإنهاء الصراع من خلال التسوية السياسية بين الفرقاء في أفغانستان، وإطلاق إعادة الأعمار، بعد الدمار الذي تعرضت له أفغانستان من خلال الحروب والصراعات والأطماع في المقدرات الأفغانية، ومن هنا فإن طبيعة الصراع المعقدة تفرض علي الولايات المتحدة أن تقتنع بأن الحرب الأفغانية والقضاء علي حركة طالبان هو أمر أقرب إلى الاستحالة لأسباب قبلية وجغرافية وإقليمية كذلك.

وعلى ضوء الوضع الصعب الذي يعيشه الشعب الأفغاني منذ عقود فإن المصالحة الوطنية بين الأفغان هي الخيار الصحيح، وتواصل الصراع ليس في صالح الشعب الأفغاني وهذا يعني أن أمام الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وبقية المكونات السياسية مسؤولية كبيرة لإنقاذ أفغانستان التي تعيش أوضاعا صعبة ومشكلات اقتصادية كبيرة، مما يحتم إيجاد بوادر للسلام كما يحدث في أقاليم أخرى من العالم، فهناك التحرك السلمي الذي قاده رئيس وزراء إثيوبيا «أبي أحمد» لإنهاء النزاعات بين دول القرن الإفريقي، وهناك محادثات الكوريتين واتجاههما إلى السلام بعد صراع مرير إثر الحرب الكورية 1950-1953 ومن هنا فإن أفغانستان ومن خلال مواردها الطبيعية ومن خلال إقرار السلام سوف يكون لها شأن اقتصادي وتتحول إلى عامل استقرار في المنطقة بعيدا عن الصراعات والحروب التي لن تجدي نفعا بعد أن خسرت أفغانستان الكثير من أبنائها ومقدراتها.

وعلي الجانب الآخر فإن الولايات المتحدة عليها أن تنسحب من أفغانستان؛ لأنها تشكل قوة احتلال وعدم استقرار وتترك الأفغان يتحاورون من خلال إطلاق التسوية السياسية بجهود الأمم المتحدة للتوصل إلى قواسم مشتركة تعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد المسلم الذي عاني الأمرين خلال العقود الأربعة الأخيرة، وفرضت عليه حروبا وصراعات أضرت به كثيرا.

إن الحرب المنسية في أفغانستان بكل آلامها آن لها أن تنتهي وتبدأ مرحلة جديدة للشعب الأفغاني، ليعيش علي أرضه مستقرا وآمنا ومستغلا مقدراته الكبيرة لصالح بلده وأجياله بعيدا عن دمار الحروب والصراعات.